أيمن رفعت المحجوب يكتب: عودوا إلى الزراعة والتصنيع المحلي والإحلال محل الواردات

أعترف منذ البداية بأن مصر الآن تمر بمرحلة اقتصادية حرجة جاءت نتيجة آثار الثلاثة عقود الماضية ، بالاضافة الي ما أصاب مصر من شلل وركود اقتصادي بسبب الكثير من الأخطاء فى السياسات المالية والنقدية و الافراط فى الانفاق العام طويل الاجل........!!!!!!!
إن مصر تواجه صعوبات بالغة الخطورة في ميزان المدفوعات علي المدي القصير والمتوسط والطويل ، فضلا عن تضخم في معدلات الاسعار بشكل متزايد الحد مع تواضع معدلات التشغيل وتدني نسبة الادخار العائلي.
ولايخفي هنا ان تلك المشكلات تفصح بجلاء عن حالة عدم توازن اساس في الميزانية العامة للدولة ، وفي الميزان التجاري خاصة في اضطراب بين الطلب النقدي الكلي المحلي والأجنبي واجمالي العرض الحقيقي منه ، فى ظل الاستيراد المتزايد .
اما المشكلة الثالثة فتعرقل التنمية الاقتصادية وتبطئ من معدلات نموها, في ظل تداعيات الحروب المتتالية حول العالم و المحيطة بنا ، التي مازالت تعاني منها مصر حتي الآن.
وعليه ما لم يتم تدبير الموارد الداخلية والخارجية اللازمة لملء الفجوة بين المدخرات المحلية والاجنبية ومعدلات الاستثمار المرجوة ،سوف تستمر الأزمة و تتفاقم...!!!!
ولقد تم في السابق تغطية عجز الموازنة وميزان المدفوعات عن طريق الإصدار الجديد أو طرح أذون الخزانة ، بالاضافة الي المنح والقروض ، بل تم ايضا تغطية جانب من هذا العجز حتي زمن قريب عن طريق زيادة الديون القصيرة الاجل الداخلية والخارجية ، و مازال الامر مستمر و بصورة اكثر شراسه .
مما ادى الى تحذير بعض المؤسسات المالية الدولية من الاستثمار فى فى السندات الحكومة المصرية لارتفاع نسبة المخاطر بها فى الوقت الراهن ( وفقا للتقرير الصادر عن موسسة " Morgan Stanley "
الاسبوع الماضي................!!!!!!!!!!
ولكن اليوم ونتيجة لكل ما حدث تقلصت تحويلات العاملين من الخارج والاستثمارات المتدفقة الاجنبية وايرادات قناة السويس والسياحة والموارد البترولية ، لن تقدر الحكومة بهذا الحال علي كبت الضغوط التضخمية والركودية ، ولن تستطيع الحفاظ لفترة طويلة علي دعم السلع الاستهلاكية الاساسية للحفاظ علي مستوي معيشة الطبقات العريضة من الشعب المصري.
وعليه من الواضح أن مثل هذه الاوضاع لايمكن ان تستمر طويلا ، ومن المسلم به ايضا انه لاتستطيع اي بلد لأمد بعيد ان تستهلك اكثر مما تنتج......!!!!!
ويتضح مما سبق انه ينبغي ان يكون هدفنا الاول العمل تدريجيا علي الارتقاء بالاقتصاد المصري الي اقتصاد يعتمد علي الذات ، وهذا هو الموضوع الذي يجب ان يجمعنا تحته اليوم يا شعب مصر ، ان هدف سياستنا الاقتصادية المباشر يجب أن يكون ضمان قيام اقتصاد ديناميكي يعتمد نسبيا علي الذات، وذلك لايعني ان تكون سياستنا المعلنة هي الاستغناء عن تدفق رأس المال الاجنبي بأشكاله المختلفة.
ذلك ان الرأي عندنا اننا لانملك أن نفعل ذلك في ظل الاقتصاديات المتدخلة والعولمة ، وإنما يعني العمل علي الارتقاء الي اقتصاد مصري يعتمد ، وكما سبق الذكر علي الذات نسبيا بالسيطرة علي الثغرة في الموازنة العامة للدولة وميزان المدفوعات والثغرة بين الادخار المحلي والاستثمار الكلي بما يترتب علي هذا من اعفاء مصر مستقبلا من ان تواجه استمرار مشكلة تمويل العجز عن طريق الاقتراض الداخلي او الخارجي بما يوقعها فيما يسميه الاقتصاديون( مصيدة الأثر المتسلسل المحلي أو الاجنبي) التي لابد ان تقضي بالبلاد الذي تقع فيها الي حالة تبعية اقتصادية للبلاد التي تزودها بتلك القروض باستمرار ، كما كان الحال طوال الأربعين عاما الماضية......!!!!
ومهما يكن من أمر فان اتخاذ موقف ايجابي من الوضع المقلق للموازنة العامة للدولة وميزان المدفوعات ومكافحة الضغوط التضخمية وتدني مستويات التشغيل وانخفاض الادخار القومي يتطلب اتخاذ موقف حاسم من أولي الامر هنا ،
ذلك أنه في دولة آخذة في النمو كمصر يعاني معظم سكانها من انخفاض في مستوي او نوعية الخدمات التي تقدمها الدولة للمواطنين ، فيجب اعادة النظر عن طريق ترشيد الإنفاق العام والخاص والنظر ايضا في ترتيب اولويات جدول السلع المدعمة ، بحيث تقصر علي السلع الأساسية لجموع المواطنين.
واني اؤمن بأنه مازال هناك مجال واسع لترشيد تلك النفقات دون احداث انخفاض في مستوي او نوعية الخدمات التي تقدمها الدولة للمواطنين.
اما بالنسبة للاستهلاك الخاص فيجب ان يؤخذ في الاعتبار
ألا تتعدي معدلات الزيادة السنوية للاستهلاك الخاص عن معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي.
ويقتضي هذا فرض رقابة محكمة علي الزيادة المطردة في استيراد السلع الكمالية والقضاء علي التهرب الواضح من الرسوم الجمركية خاصة عن طريق المناطق الحرة ، كما يجب العمل بكل الوسائل علي إعادة زيادة الصادرات من السلع المحلية ذات الميزة النسبية العالمية مع التحفظ بالنسبة لتصدير البترول الخام ومشتقاته.
ومن ناحية اخري لايخفي ان الحد من معدل الزيادة في الاستهلاك الحكومي سوف يضع حدا للضغوط التضخمية ويحرر الموارد اللازمة لرفع معدلات الادخار ، اما السياسة التي تنتهجها الحكومة في المجال النقدي وفي مجال سوق الاوراق المالية فأقل ما يقال فيها هو أنها محل نظر.
نخرج من هذا بأن علي مصر ان تواجه مشكلاتها بشجاعة وحزم و ليس على حساب الشعب ، ولن يتم اصلاح احوالنا
ما لم نبذل اقصي الجهد في زيادة انتاجنا القومي من السلع الزراعية والصناعية أولا ثم دعم قطاع السياحة والخدمات ثانيا .
جعل مكان الاولوية من اهداف خطتنا هو التوسع الزراعي والتكثيف علي اساس علمي يتفق مع طبيعة العوامل الاجتماعية والسلوكية لابناء الريف وان يكون للتوسع الرأسي مكان الصدارة في هذا المجال ، علي انه لما كانت الارض القابلة للزراعة وموارد المياه في انخفاض ، ولما كنا لم نستطع لامد طويل كبح المعدلات العالية لزيادة السكان التي تلتهم الرقعة الزراعية ، فانه يتمثل في التصنيع السريع الزراعي وغير الزراعي الطريقة الرئيسية لزيادة الدخل القومي ولتحسين مستوي المعيشة وتوفير العمالة المنتجة المستوعبة للزيادة المستمرة في اعداد الاشخاص القادرين والراغبين في العمل ، ومن هنا تبدو الاهمية البالغة لاصلاح حال القطاعين الزراعي والصناعي اللذين ينبغي ان يبقيا عصب الاقتصاد المصري.
إن دفع عجلة التنمية الاقتصادية علي النطاق اللازم لتحقيق ما تقدم ليس بالامر السهل ، ولكنني أعترف بأني لا أري بديلا لذلك وان كانت صراحتي هذه مقلقة للبعض ،
فأقول:
رحم الله أستاذي العظيم المرحوم الاستاذ الدكتور/
زكي الشافعي مؤسس كلية الاقتصاد والعلوم السياسية عندما كان يدأب علي استهلاك محاضراته في تدريس الاقتصاد بقوله:
إن الصدق سواء في قاعة الدرس أم في اسداء النصح للدولة التزام مهني علي كل من يتصدي للتخصص في ميدان عمله.