أيمن رفعت المحجوب يكتب: جدلية الأديان في العدالة الاجتماعية (ج١)

لم تتفق الأديان في الكتب السماوية على رأي واحد في كيفية تحديد الإنسان من الخطيئة الأصلية، خطيئة الكبرياء، وهذا لا يتم إلا بفعل التجسد بين البشر، والتجسد يتطلب في الحقيقة زماماً ومكاناً.
الأمر الذي دعانا أن نستنتج من الكتب السماوية أن الله اختار شعباً ينزل تعاليمه بين طهرانية ، فكان أولهم “إسرائيل” وذلك عن طريق المعاهدة مع سيدنا إبراهيم الذي عاش حياة ورع وتقوى، وإيمان واستقامة، في زمان استشري فيه الفساد وعم الكفر والإلحاد، فاستحق إبراهيم عليه السلام أن يلقب بأبي الأنبياء ، واستحق بالتالي مكافأة بعده بوطن زمني في رقعة من الأرض، فظهر الملاك في الحلم مخاطباً ابراهيم بقوله “لك ولنسلك أعطي هذه الأرض”.
إلا أن هذا الاختيار أثار الغرور في قلب “إسرائيل” الذي فسر الميثاق على أساس قومي عنصري طبقي ، فظن أن وشعبه المختار في الأرض بين كل شعوب العالم ، وبالتالي الأكمل والأصلح كي يحكم هذه المعمورة، ويتحكم أيضاً في رقاب الأنام.
وقد غررت هذه العنصرية والعرقية بإسرائيل فأوقعته في “الخطيئة الأصلية” خطيئة الكبرياء ، والتعالي والاعتداد بالنفس، والانتفاخ والغطرسة فظن أن الشعوب جمعاء يجب أن تسجد له: فسمى الأقوام قاطبة “شعوب الأرض” وسمى نفسه “شعب الله المختار، وقد شعر “يوحنا” الرسول بالتطرف العنصري الذي انزلق فيه “إسرائيل”، فخاطب اليهود بقوله: “لا يخطر لكم أن تقولوا في نفوسكم أن أبانا إبراهيم، لأني أقول لكم، أن الله قادر على أن يقيم من هذه الحجارة أولاداً لإبراهيم” (متى 3:9) وكان مؤدي كلام “يوحنا” الرسول، أن فلينهنه “اسرائيل” من غلوائه ، فإذا كان المولى سبحانه وتعالى قد عاهد ابراهيم عليه السلام، واختار اسرائيل شعباً له ، فذلك لأنه أراد أن يراعي قانوني الزمان والمكان فقط، إذاً فالغاية من حصر التنبؤات في اسرائيل وتأمينه عليها ، أن تكون لخير شعوب الأرض جميعاً ، وليس لليهود فقط، كما فسرها “اسرائيل”.
فإسرائيل ليس أكثر من وسيط بين البلد والعالم في ذلك الوقت، كي ينشر التنبؤات كما سلمت إليه.
إلا أن أهل اليهود قد سقطوا في خطيئة الحرف ، في الضلال الباطل ، في الظن بسمومهم الذاتي على جميع الأمم وتوهموا أنهم نالوا رضا الله نهائياً.
وهكذا وقفوا في تأليه "القومية العنصرية" ، وفي عبادة المال ، وفي عبادة التقاليد، وفي تقديم ما يعرف "بالسبت" على الانسان، وهنا بدأ أنهيار العدل بين بني البشر.