الطريق
الإثنين 20 مايو 2024 02:52 صـ 11 ذو القعدة 1445 هـ
جريدة الطريق
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب
محافظ الأقصر يوجه بالضرب من حديد لحالات التعدى على أملاك الدولة لقاءات توعوية وورش للأطفال ضمن فعاليات قصور الثقافة بالإسكان البديل جامعة الأقصر تعقد الاجتماع الدورى لمجلس الدراسات العليا جامعة الأقصر تعقد اجتماعها الدورى لمناقشة شؤون التعليم والطلاب جامعة الأقصر تطلق الحملة التوعوية ”أسرة مستقرة =مجتمع آمن” عاجل.. الزمالك بطلًا للكونفدرالية للمرة الثانية في تاريخه جامعة الأقصر تعقد الاجتماع الدورى لمجلس شؤون خدمة المجتمع وتنمية البيئة ”محطمة”.. التليفزيون الإيراني يعلن عثور فرق الإنقاذ على مروحية الرئيس السجن سنتين ونصف للمتهم بالتعدي على شاب من ذوي الإعاقة في ميت عنتر بالدقهلية محافظ الجيزة: نسعى لتطوير الآليات المستخدمة لرفع وعي المواطنين بأهمية الحفاظ على البيئة المفوضية الأوروبية تفعل خدمات القمر الاصطناعى للبحث عن مروحية رئيس إيران محافظ القاهرة يوضح الهدف من مشروع إدارة تلوث الهواء وتغير المناخ في القاهرة الكبري

رسالة أرملة رئيس مباحث قوص إلى زوجها الشهيد: كنت لي السند والضهر

الضابط الشهيد وزوجته
الضابط الشهيد وزوجته

لا يكاد يمر يوم إلا ويدفع أحد رجال أجهزة الأمن الثمن حياته، سواء من القوات المسلحة أو الشرطة، دماء تنزف وأرواح تصعد إلى بارئها في ريعان شبابها وهي تقف تؤدي رسالتها، وأطفال تيتم، وزوجات ترمل، في حلقات من مسلسل شيطاني يكتبه إبليس وجنوده على الأرض من الإرهابيين وتجار المخدرات والبلطجية.

من هولاء الذين قدموا دماءهم فداء لوطنهم، الشهيد باسم فكري، رئيس مباحث قوص، الذي استشهد أثناء مطاردته مجموعة من الخارجين على القانون، وترك زوجته لتعيش مأساة جديدة من الوحدة والفقد، فبعد أن فقدت أسرتها كلها في عام 2005، تعود اليوم لتفقد رفيق عمرها الذي رحل وتركها تصارع الحياة مع طفل لم يكد يتخطى عامه الخامس، كتب عليه أن ينشأ يتيما، لأن قوى الشر أرادت ذلك.

 السيدة سارة الخطيب، زوجة الشهيد الرائد باسم فكري، رئيس مباحث قوص، نشرت صورة مع زوجها على حسابها الشخصي على موقع "فيسبوك"، وكتبت تقول: "أنا وحبيبي وزوجي وصاحبي وكل حاجة ليا، ربنا يرحمك يا حبيبي".

 وإذا كانت الخنساء هي سيدة شعر الرثاء العربي كله، فإنها لم تمت، وإنما بعثت من جديد في مدينة قفط بقنا، وتلبست جسد السيدة سارة الخطيب، التي كان لسان حالها ينطق بما تنطق به الخنساء:

فأقسَمْتُ لا يَنفَكّ دمعي وعَوْلَتي... عليكَ بحزنٍ ما دعا اللهَ داعيهْ

فتاة يتيمة ووحيدة

عاشت حياة هادئة في عزة وكرامة، فهي نجلة الدكتور محمد رشاد الخطيب، المحامي الكبير، نقيب المحامين بقنا، والتحقت بكلية الطب التي أصرت على دخولها لأنها ترى أن عملها بالطب هو قمة رسالتها الإنسانية في التخفيف عن المرضى، لكن الأيام كانت قاسية معها ولم ترحمها، وبدأت أولى فصول مأساتها بوفاة أبيها وأمها ونجليها في حادث سيارة مروع في عام 2005، لم تتصور أنها ستصبح بين عشية وضحاها يتيمة، وحيدة، بلا أسرة.

نجت سارة من الحادث، لكنها لم تتعافى من أثره الذي اعتصر قلبها وغض الفرح من عينيها التي انطفأت بعد موت أسرتها كلها، تقول: "لم أستطع وقتها الذهاب إلى المستشفى لرؤية أبي وأمي، وأخواتي ميرنا، وعبد الرحمن، وعبد الله، في المشرحة، لم أتحمل، ولم أصدق وفاتهم من الأصل".

أكملت سارة طريقها بعزم وصبر، شابة لا تلين ولا تركع لضربات الزمن أو تقلبات الأيام، اعتادت أن ترفع رأسها وتمضي بشموخ وعزة يليق بـ"خنساء" لم تنل المضائب من إيمانها في الله وتعويضه لها، تقول: "لن أتحدث عن إحساس الفقد والمرارة والخذلان من أقرب الناس التي جعلتك حتى تفقد ثقتك في نقاء الحياة".

اقرأ أيضا: أم فدائية.. ضحت بنفسها لإنقاذ ابنتها من تحت عجلات القطار

الحياة تبتسم من جديد

 حتى جاء اليوم الذي قابلت فيه الشهيد باسم، كان ملازما في الشرطة في بداية حياته، فظنت أن الأقدار ابتسمت لها ولن تعود الايام إلى تنغيص حياتها بالمصائب، تقول: "عندما ألتقيت التقينا أنا وباسم في أول فبراير 2014، لم ننس أبدا هذا التاريخ أنا وهو، وجدت به من النقاء والطيبة والحنية والشهامة والحب الطيب النقي، ولم أكن أتوقع أن هذه الأشياء ما زالت موجودة في هذا الزمن، لم يكن كأي ضابط شرطة من طيبته المفرطة.. تزوجنا في الخامس من مارس 2015، وبعد أن حددنا موعد الفرح، اكتشفنا الشبه بين هذا التاريخ وتاريخ الحادث الذي ماتت فيه أسرتي منذ 10 سنوات، كان أيضا في تاريخ الخامس من مارس 2005،  وعندما تدبرت في هذه الصدفة، ظننت أن الدنيا تصالحني".

وتكمل سارة أنها تزوجت الشهيد باسم لتعيش معه على الحلوة والمرة، بعد أن رزقهما الله بطفلين أكملا نور حياتهما، وأخذ زوجها يترقى في المناصب بفضل عمله الدؤب وإخلاصه، حتى أصبح رئيس مباحث قسم شرطة قوص.

استشهاد ونظرة وداع

ما هي إلا بضع سنوات، حتى استشهد وزجها أثناء القيام بواجبه في مطاردة مجموعة من الخارجين على القانون، وكأن الأيام عادت إلى سيرتها الأولى، تستكثر الفرحة على هذه السيدة، وكأن الحياة أقسمت عليها أن تعيش في كدر وشقاء تشكو بثها وحزنها إلى الله، بعد أن ألقت بنظرة الوداع على جثمان زوجها ورجلها وسندها وظهرها وأبو ولدها الذي تيتم، تقول "باسم رجل مصل ملتزم بقراءة ورد يومي بعد كل صلاة، كثير الاستغفار والذكر، حنون لأقصى درجة على ابنه، يتعامل معه بعقلية الطفل، مرت السنين وأنا أعتقد أن الحياة صالحتني به، ولكن للأسف لم تستمر فرحتي طويلا، ليتكرر نفس المشهد حين جاءتني مكالمة تليفونية تخبرني أن زوجي في مستشفى قفط، في الثامنة مساء، لم أدر كيف ذهبت هناك وأنا في قمة انهياري، لأجد أنه استشهد، كم كان المشهد قاسيا، صممت أن لا أتركه حتى أشاهده، فلن أخاف مرة أخرى من إلقاء نظرة الوداع على أقرب الناس لي، قبلت يده الشريفة الطاهرة ووجدته متبسما، وكأنما أدى كامل واجبه ورسالته في الحياة".

عادت اليوم من زيارة قبر الشهيد، نهرت طفلها الباكي، لا تريد أن ترى الدمع أو الكسرة في نفسه، أمرته أن يرفع رأسه ويسير في شموخ وعز يليق بابن شهيد، سارة لمن لا يعرفها تملك نفسا أكبر من الجبل، لا تظهر أحزانها أو لوعتها على فقدان أسرتها وشقيقيها وأبيها، ثم زوجها وسندها بعد ذلك، اعتادت أن تحبس الحزن في قلبها وتغلق عليه بمزلاج من الفولاذ الذي أصقل شخصيتها، وكأنها تقول لا تحزنوا من أجلي أو تخافوا، فأنا كأوتاد الأرض راسخة لا ينال الجبن والغدر مني، وها هو طفلي، عهد عليّ أن يصبحا رجلا، لأنه ابن شهيد، ومن صلب شهيد، ثم كتبت تقول: "الحياة لا تترك الطيبين الطاهرين طويلا، لكني كنت أحتاجك يا باسم، لما تركتني وحدي مرة أخرى، كنت لي نعم الحبيب والزوج والضهر والسند، وداعا يا حبيبي، وداعا يا رفيقي".