الطريق
الثلاثاء 6 مايو 2025 04:52 صـ 9 ذو القعدة 1446 هـ
جريدة الطريق
رئيس التحريرمحمد رجب
رئيس التحريرمحمد رجب
مصر تفوز بكأس البطولة الأفريقية للووشو كونغ فو بعد حصد 50 ميدالية كلية القرآن الكريم بطنطا تحتفي بأبنائها الخريجين من الأئمة الجدد دفعة الإمام محمد عبده فعاليات المؤتمر العاشر لمنظمة المرأة العربية حول ”التواصل والتمكين والحماية للنساء والفتيات من العنف السيبراني محافظ القليوبية ورئيس جامعة بنها يشهدان ندوة عن ” البناء الفكري وتصحيح المفاهيم” محافظ دمياط يزور قرية الوسطاني ويشهد توزيع المساعدات على المواطنين المتضررين من الأمطار إسرائيل على شفا الانقسام.. تصدعات داخل الجيش والمجتمع ضد سياسة نتنياهو لميس الحديدي ترد على منتقدي موقفها من أزمة الكلاب الضالة: لدينا قانون ولن أغير موقفي منتخب البرازيل يصل القاهرة لمواجهة فراعنة اليد ودياً القاهرة تستضيف مؤتمر الاستجابة الإنسانية لقطاع غزة.. عرض تفصيلي رئيس نقابة البترول يؤدي واجب العزاء في والدة المهندس خالد استعداداً لعيد الأضحى.. تكليفات عاجلة والأسواق تحت الرقابة محافظ الغربية: لا تهاون في مخالفات البناء والأسواق تحت الرقابة الدائمة

خيري شلبي.. هكذا تصنع وحيك

كوب من الماء الساخن، اسفنجة أو قماشة قديمة، عشرة أقلام حبر، وزجاجة حبر.. كانت هذه باختصار مقادير استحضار الوحى عند خيرى شلبى.. وإليكم الطريقة:

قم بتنظيف الأقلام جيدا عن طريق ملئها وتفريغها عدة مرات بالماء الساخن لتتخلص من بقايا الحبر القديم الذى صار جافا، ثم اتركها قليلا لتجف، وبعدها ابدأ بملئها من جديد ولكن بالحبر هذه المرة.

لم يكن خيرى شلبى فى حاجة إلى أكثر من هذه الدقائق ليكون وحيه مستعدا تماما لإمداده بما يحتاج من أفكار ستتدفق إلى الورق تدفق النيل فى سنوات الفيضان السمان، ففيها يكون ذهنه قد صفا تماما، وتكون عضلات أصابعه القوية قد سخنت كلاعبى الكرة الذين يجرون تمارين الإحماء قبل المباريات بقليل، فهى مقبلة على ساعات من الكتابة المتتالية، ولن يرغب هذا الوحى أن يقطعه شىء ولو بسيط كملء قلم نفد حبره، فبدلاء القلم التسعة جاهزون للاستعانة بأحدهم في أى وقت وحتى نهاية السهرة التي ستمتد غالبا حتى الصباح.

بالطبع الأمر لم يكن بهذا اليسر، ولم يكن مداد الكتابة الغزيرة التى أنتجها خيرى شلبى مجرد حبر فى أقلام عدة يملؤها قبل بدء سهرته الكتابية، ولكن كانت الخطوات السابقة مجرد تأهيل نفسى لما هو مقدم عليه من فعل كتابة يومى، درّب نفسه عليه سنوات طويلة ليصبح روتينا حياتيا، فماكينة الكتابة لابد وأن تعمل يوميا ولابد وأن يكون هناك مُنتج ما، فصل من رواية أو جانب من قصة قصيرة، أو ربما مقال أو بورتريه، المهم أن تكون هناك كتابة، حتى لو انتهت الليلة برفض كل ما كتب وإعدامه.

أما المداد والوحى الحقيقى لخيرى شلبى فكان تجربة حياتية طويلة وغير مسبوقة، تجربة عرفت مبكرا الشقاء والتعب، حياة مُرة لم تمر مرور الكرام بل حفرت آثارها فى قلبه قبل أن تتحول تجاعيد فى يده أو على وجهه، بل هى ليست مجرد حياة واحدة، فمن عمل فى صباه نجارا وحدادا ومكوجيا وبائعا سرّيحا وخياطا وعاملا مع عمال التراحيل لن تكفيه أبدا حياة واحدة ليفعل كل ذلك، ومن ينشأ فى أسرة جار عليها الزمن وانقلب حالها ليصبح الطفل خيرى شلبى الذى يتأهب لدخول المدرسة مطالبا بالإنفاق على تعليمه بل وأسرته لن تكون حياته فيما بعد عادية أبدا، ومن يدرك في عز هذا الشقاء أن مستقبله بأن يصبح كاتبا لن يكون أبدا كاتبا تقليديا ينتظر من الوحى أن يتلطف به، ولن يجلس أبدا فى برج عاجى ينتظر الإلهام ليأتيه من السماء، بل هو اكتفى بما منحته له السماء من موهبة عملاقة وما منحته له الأرض من تجربة ثرية لتظل وحيا دائما ومعينا لا ينضب، يكفيه فقط أن يتأهب نفسيا ليستعيد حيواته المتعددة، مشبعا بالتجربة والرضا عن معارفه وتقنيات فنية تحصل عليها عبر الأعوام الطويلة، ولم يكن يقلقه إلا المرض الذى يذل الإنسان، ولكنه ظل يقاوم قلقه من المرض بالاستمرار فى الكتابة متوحدا مع وحيه حتى النفس الأخير.