الطريق
جريدة الطريق

الأسمر ذو الصوت العذب.. قصة بلال بن رباح أول مؤذن في الإسلام

بلال بن رباح
فاطمة عاهد -

صحابي جليل، عرف بصوته العذب النقي، كان شديد السمرة، نحيف الجسد، فارع الطول، كث الشعر، وكان شديد التواضع، عندما سمع عن أناس يفضلونه عن أبو بكر، قال "كيف تفضلوني عليه، وإنما أنا حسنة من حسناته!"، إنه مؤذن الرسول، بلال بن رباح رضي الله عنه.

كان بلال بن رباح، عبدا جاء من الحبشة، أمه تدعى "حمامة" وكانت أمة لبني جمح، لطالما كان مستعبدًا، لم يعامله سيده بالحسنى، فكان يعذبه ويسيئ إليه، على الرغم من اهتمامه بكل أمور سيده من رعي الغنم والقيام على خدمته.

 

إسلام بلال بن رباح

كان "بلال" ذاهبًا إلى مرعى الغنم، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم وسيدنا أبو بكر رضي الله عنه معتزلان في غار بالقرب من مرعاه، فلما لمحه النبي نادى عليه، وطلب منه لبن من الشاه، فقال له إنه لا يملك إلا واحدة، وترك حليبها لهما، ثم حلبها الرسول فشرب حتى ارتوى، وشرب أبو بكر حتى شعر بذهاب ظمأه، وبقى الكثير من الحليب لبلال.

حدثه الرسول صلى الله عليه وسلم عن الإسلام، وأبلغه عن رسالته، فأعجب بلال بحديثه، وشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وطلب منه النبي أن يكتم إسلامه، ففعل ذلك وعاد إلى منزل سيده عبدالله بن جدعان، وقد سُر عندما رأى الغنم وتحسن حالتها، فطلب منه العودة إلى المرعى الذي كان فيه، بعاد لمدة ثلاثة أيام، فعلم أبى جهل بأمر إسلامه فأبلغ سيده.

تعذيب بلال على يد الكفار

لما علم سيد "بلال" بأمر إسلامه تركه لسادة قريش، يفعلوا به ما يحلو لهم، حتى يعود عن فعلته التي اعتبروها في ذلك الوقت إهانة لأصنامهم، فتولى أمية بن خلف أمر تعذيبه، قائلا: "إن شمس هذا اليوم لن تغرب إلا ويغرب معها إسلام هذا العبد الآبق".

أخذه أمية في الصحراء وقت الظهيرة، ووضع جسده وهو عارٍ على الرمال الملتهبة، وجره عليها، ثم أتى بحجارة كبيرة ووضعها عليه، وقال له: "أذكر اللات والعزى، فيجيبه بلال: "أحد ...أحد".

وعندما تغيب الشمس كانوا يربطوه من رقبته بحبال، ويتركوه للأطفال ليطوفوا به مكة، ويضربوه، ويذل فيه كارهو الدين الإسلامي، حتى رأه عمار بن ياسر وشهد على أنه لم ينطق لسانه إلا بالحق مرددا "أحد أحد"، أما ورقة بن نوفل فعندما مر به ووجده يردد جملته الشهيرة، قال له "يا بلال أحد أحد، والله لئن متَّ على هذا لأتخذنّ قبرك حَنَاناً"، أي بركة.

حرية بلال

عندما سمع أبو بكر بما يفعله أمية بن خلف في بلال، ذهب إليه، وكان يضربه بالسوط، فقال له: "يا أمية ألا تتقي الله في هذا المسكين؟ إلى متى ستظل تعذبه هكذا؟ ليرد عليه أمية بأنه هو السبب في ما يتعرض له ذلك العبد من تعذيب، وإذا كان يهمه أمره فليشتريه، فوافق أبو بكر على الفور.

وأعطى أبو بكر إلى أمية ثلاث أوقيات من الذهب لقاء أن يتركه، فأخذها أمية وقال ضاحكا: "فواللات والعزى، لو أبيت إلا أن تشتريه بأوقية واحدة لبعتك بها"، ليرد عليه أبو بكر ردًا صدمه قائلا: "والله لو أبيت أنت إلا مائة أوقية لدفعتها".

بلال أول مؤذن في الاسلام

اعتقه أبو بكر، وبعدها كتبت الصلاة على المؤمنين، واختار الرسول "بلال" لينادي في الناس للصلاة بالأذان، ليصبح أول مؤذن في الإسلام.

بطولات بلال

شارك في كل الغزوات التي حضرها الرسول، وفي غزوة بدر لمح أمية بن خلف، وهم أن يقتله، ونادى بلال في المسلمين أن هذا أمية بن خلف رأس الكفر فاجتمعوا حوله وقتلوه.

حضر مع الرسول المشاهد كلها، ولطالما كان قريبا من قلب الرسول صلى الله عليه وسلم، حتى أنه وصفه ب"رجل من أهل الجنة"، وعندما فتح المسلمون مكة أمره الرسول بأن يؤذن في الكعبة، فصدح بصوته، وأسعد قلوب المسلمين.

قال الرسول صلى الله عليه وسلم عنه: "إني دخلتُ الجنة، فسمعت خشفة بين يدي، فقلت: يا جبريل ما هذه الخشفة؟ قال: بلال يمشي أمامك".

أحب الرسول "بلال"، وقال عنه أنه صادق لا يكذب، وفضله واصفا إياه برجل من أهل الجنة، ولما توفى الرسول حزن عليه حزنا شديد، وبعدها تولى أبو بكر، وطلب من أن يؤذن للمسلمين فرفض بلال وقال دامعا: "لا أؤذن لأحد إلا لرسول الله، فخرج يحارب ولم يؤذن بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم.

اقرأ أيضًا: فاتح فلسطين ومصر.. وقاهر طاعون عاموس.. تعرف على قصة عمرو بن العاص

وفاة بلال بن رباح

قبل أن يتوفى بلال رضي الله عنه فتح عمرو بن الخطاب القدس، فطلب منه أن يؤذن، فلما جاء وقت الأذان أخذ يؤذن، فرقت قلوب الصحابى وبكوا كما لم يبكوا من قبل، فقد تذكروا الرسول صلى الله عليه وسلم، وبعدها بفترة ليست بالطويلة وافته المنية في الشام كما أراد ودفن في دمشق سنة 20 هجريا.