الطريق
جريدة الطريق

أخلاق إسلامية.. عفة النفس

عفة النفس
رباب الحكيم -

"خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ".. تجمع هذه الآية الكريمة مكارم الأخلاق التي بُعِث رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ليتممها ، حيث قال رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ: ( إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق )؛ لما لها من أهمية في حياة الانسان باعتباره اساس الأسرة والمجتمع والأمة الإسلامية، حتى يصل إلى الكمال الإنساني من قواه الإنسانية والعقلية والشهوية والعصبية.

 

وتدعوا تلك الآية الكريمة للأخذ بالعرف؛ لأنه غاية الحكمة المنطلق منها القوة العقلية، أما نسبة للإعراض عن الجاهلين؛ فتُعد غاية الشجاعة للوصول للقوة الغضبية، وأخذ العفو غاية العفة ليؤدي بالمرء إلى القوة الشهوية؛ فالعفة تُعني أن المرء يقاوم عما ليس لنفسه حق فيه.

 

ويتبين آثار العفة على سلوك المرء، ويصل لزهدها فيه، وإعراضها عنه، وتكون النفس في أسمى حالات العفة إن لم تلتفت إليه أصلًا بحيث يكون عندها كعدم وجود شهوات ومغريات حتى إن وجد الداعي إليه أو لم يوجد.

كثر الحديث والدعوة إلى تدريب النفس البشرية على التخلق بالعفة؛ لحماية الانسان من الوقوع في الاحتياج الذي يعتبر أشد الأحوال التي يحتاج الانسان إلى ذات الخلق؛ لأن الاحتياج يدفع الانسان إلى الحصول على ما ليس عنده من أيسر الطرق، وذلك يكون بالتعدي على حقوق الآخرين.

 

وضرب النبي صلى الله عليه وآله وسلم لنا المثل في ذلك مع الصحابي حكيم بن حزام، حيث قال: سألت رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-، فأعطاني ثم سألته، فأعطاني ثم قال لي: "يَا حَكِيمُ، إِنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرٌ حُلْوٌ، فَمَنْ أَخَذَهُ بِسَخَاوَةِ نَفْسٍ بُورِكَ لَهُ فِيهِ، وَمَنْ أَخَذَهُ بِإِشْرَافِ نَفْسٍ لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ، وَكَانَ كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلاَ يَشْبَعُ، وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى"، قال حكيم: فقلت: يا رسول الله، والذي بعثك بِالْحَقِّ لاَ أَرْزَأُ أَحَدًا بَعْدَكَ شَيْئًا حتى أفارق الدنيا -أي: لا أنقص مال أحد بالطلب منه-.

 

فكان أبو بكر يدعو حكيمًا؛ ليعطيه العطاء، فيأبى أن يقبل منه شيئًا، وفعل مثل ذلك مع عمر رضي الله عنه، وظل كذلك حتى توفي رضي الله عنه. ولما جاءه -صلى الله عليه وآله وسلم-ناس من الأنصار وسألوه فأعطاهم، ثم سألوه فأعطاهم، حتى نفد ما عنده، قال -صلى الله عليه وآله وسلم- فيما قال: "وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفُّهُ اللهُ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللهُ، وَمَنْ يَصْبِرْ يُصَبِّرْهُ اللهُ".

 

وتفيد الأحاديث الواردة عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- إلى التحلي بعفة النفس بقوله عن المال "فَمَنْ أَخَذَهُ بِسَخَاوَةِ نَفْسٍ"، وهذا يعني أن رضيت نفسه بما معه، ولم تطلب المزيد، ولم تتطلع إلى ما ليس عنده. كما قال -صلى الله عليه وآله وسلم-: "مَنْ يَسْتَعْفِفْ"؛ أي يأمر نفسه بالعفاف ويروضها عليه.

 

وهذه الأحاديث واردة في شأن المال، إلا إنها تشمل عفة النفس عن كل ما سوى المال مما تتوق إليه حتى تخلو المجتمعات من الجرائم التي تحدث نتيجة وقوع النفس في براثن الطمع،إذ أن العفة تعد خير واقي للنفس البشرية من السقوط في المحرمات.

اقرا ايضا : صديق الأمة.. أبي بكر الصديق (2)