الطريق
جريدة الطريق

قصة قصيرة| خد حسابك

الكاتب أحمد الضبع أمين
أحمد الضبع أمين -

عزمت على التسكع ليلًا في شوارع فيصل الممتلئة بالضجيج الممزوج بطعم الحياة وصخبها الدائم، رأيت ابتسامات العشاق، يسيرون رفقة أحبائهم، وكأنهم يملكون العالم بأسره، وتهجم وجه سائق يطل من نافذة الميكروباص العتيق، معترضًا على الكثافة المرورية، وشاب أنيق يحمل صينية عليها بعض الحلوى ويلح عليّ بابتسامة ودودة لتناول قطعة: «اتفضل دوق شغلنا».

من غير توقُّع، سمعت صوتًا لأم كلثوم وهي تغني «الحب كدا» فتتبعت مصدره، وإذا مقهى عتيق تفوح منه رائحة البن التي تنشيط وظائف الدماغ بمجرد استنشاقها، قلت لا مفر من تلبية النداء.

دخلت المقهى وطلبت واحدة مضبوط، ورحت أتأمل حفل سيدة الغناء العربي عبر التلفزيون، وهي تمسك في يدها منديل كأنها تستدفئ به من برودة في أطرافها، مشمرة الذراعين؛ لتظهر أسورتين ذهبيتين تزيدان مظهرها جمالا، وتنشد:
«وبعد الغيم ما يتبدد
وبعد الشوق ما يتجدد
غلاوته فوق غلاوته تزيد
ووصله يبقى عندي عيد
وبعد الليل يجينا النور
وبعد الغيم ربيع وزهور».

سرحت معها في عالم آخر، أشاهد نفرًا من جمهورها- تحوّلت الكاميرا عليه- يجلس كالأمير واضعًا قدما على أخرى، وأنا كذلك كنت- كنا جميعا رغم اختلاف الأزمنة نعيش الحالة ذاتها.

أشعلت سيجارة ورحت أفكر ماذا لو كانت أم كلثوم تعلم أنه سيأتي يوم على هذه الأمة ويصبح الجمهور منتشيًا بأي كلام هابط ويتراقص طربًا على أنغام حمو بيكا وحسن شاكوش، وهي التي كان جمهورها يجلس في مقعده وقورًا لا يتفاعل بأكثر من التصفيق!

هل كانت ستترك الغناء أم ستتراقص لإشباع نهم الجمهور الذي يعشق الضوضاء الصاخبة؟ لست أدري ربما هي وحدها التي تملك الإجابة!

في تلك الأثناء وأنا مستغرق في جو شاعري لا ينقصه إلا إطفاء الأنوار وإشعال شمعتين جاء النادل واضعًا القهوة على الطاولة، وقبل أن ينصرف أخرج من جيبه ريموت كنترول وغيّر القناة، وإذا بمحمد رمضان يصرخ قائلا:
«أنا في الساحة واقف لوحدي
وأنت وصحابك ليا باصين
أنا جمهوري واقف في ظهري
نمبروان وإنتوا عارفين».

ضحكت وارتشفت رشفة من الفنجان وناديت على الرجل: «تعال خد حسابك».

للتواصل مع الكاتب