الطريق
جريدة الطريق

عطيات أبو العينين: «خيري شلبي يدخل مثلث برمودا»

عطيات أبو العينين
إيهاب مسعد -

قالت الكاتبة الروائية والإعلامية الدكتورة عطيات أبو العينين، خيري شلبي ابن الريف المصري والأرض الخصبة ونقاء السريرة، حيث توليفة الأساطير والمعتقدات والموروثات الشعبية، وأثقلتها بعبق تراثي شديد التميز.

وأضافت، "أبو العينين" في تصريحات خاصة لـ"الطريق": في مقدمة رواية "بغلة العرش"، يصف شلبي لنا ظروف وكتابته جو النص فيقول "يخيل لي أنها كتبت نفسها بنفسها، فإذا كنت قد وُفقت فالفضل يرجع لقوة الأسطورة، وتجذرها في الواقع المصري".

خيري شلبي ماركيز العرب

وتابعت: لهذا فالعالم الأدبي لديه مختلف يتميز بالغرائبية، ولأنه غاص في عالم الريف جاءت شخصياته مختلفة كل الاختلاف لا تشبه أحدا بل على العكس تخطى النمط التقليدي والمتعارف عليه في السرد، فلقد أطلقوا عليه في الوسط الأدبي والثقافي ماركيز العرب وجانبه الشبه مع الكاتب الكبير يحيى حقي في اهتمامه وتوغله في عالم المهمشين والبسطاء، وأحلامهم التي تتسم بالبساطة على قدر بساطتهم ومعاناتهم من الفساد الذي يرزحون تحت سقفه، والفقر الذي دق عظامهم.

وأضافت: فنجده يكتب عن أنواع وطبقات من العمال في المجتمع بأوصافهم ومكانهم، تجده يكتب عن الجزارين والعاملين والسماكين والبنائين ولم يستسلم فقط لدوامات الطبقة الفقيرة والمعدمة بل راح يكتب عن أصحاب وملاك الأرض، والإقطاعيين وارتفع إلى طبقة المثقفين، وأصحاب المال وعالم التجارة، وهبط ثانية إلى طبقة الحشاشين بل وعايشهم وكتب نسف الأدمغة.

خيري شلبي ويحيى حقي

ونجد خيري شلبي يسير جنبا إلى جنب مع الكاتب الكبير يحيى حقي، في اهتمامه بالفقراء والمهمشين وبساطة الأسلوب فلا يلجأ إلى التقعر في استخدام اللغة، كما اهتم أيضا بحياة الصعاليك وهنا يلتقي مع محفوظ، وإلى الاهتمام بالمكان ومعايشته والتفرد في اختياره مع الكاتب صبري موسى.

وأضافت: نجده يعبر لنا عن هذه المنظومة من خلال سيرته الذاتية في موال البيات والنوم، أيضا نجدها في "إسطاسية"، عوالم ثرية خصبة تم لتعبير عنها بحرفية، حيث تعددت العوالم ولهذا أتيح للقراء والنقاد التبحر في تحليل هذه العوامل والذات البشرية بكل مناقضاتها بكل المعاني الإنسانية والنفسية والاجتماعية، كما أن لديه القدرة على اقتناص الزمن والمرحلة التي يمكن أن يفرد لها في زمن الشخصية المعاصر ويتحرك في الزمن كما يشاء في ماضيها وحاضرها.

وأكدت أنه إذا كان يحيى حقي تميز في كتاباته بما يسمى بفن اللوحة فاتسم خيري شلبي بفن البورتريه بمعنى رسم بالكلمات نوعا من التداخل بين شخصية البورتريه ومكونات الوجود من حولها، فالتكوين الفرداني للإنسان لا يقتصر على التاريخ والحضارات التي تعاقبت، وعلى ما يكوَّن الحضارات من معطيات ثقافية، لا يقتصر أيضا على الجغرافيا التي تسهم في بناءات الشخوص، قدر ما يسهم تفاعل كل هذا مع إرادة الإنسان الفرد حتى يصبح على نحو ما متفردا.

أنس الحبايب

وتابعت: كما يحتفى بالأعلام المصرية ينشغل أيضا في مؤلفه «أنس الحبايب» بشخصية مصرية عادية «الشيخ محمد زيدان عسر» ويصفه بأنه ذابت في شخصيته العروق بين الأزهري والأفندي المدني والفلاح القراري والحكواتي الفلكلوري.

بقدر ما يركز شلبي على المشترك في البورتريه قدر ما يبرز الخاص بكل شخصية، التميز الخاص والبصمة التي لا تماثل الآخرين، وهنا نحن أمام كاتب يحتفى بالخاص، ويضعه في السياق العام من خلال إبرازه للعلاقات غير المرئية، وغير المتكررة والتي تتميز بالجدة والأصالة في نفس الوقت.

ثنائيات خيري شلبي

وأوضحت، نجد ثنائيات خيري شلبي بين القرية والمدينة ينتمي إلى الأولى ويكره الثانية، فالمدينة بالنسبة لخيري شلبي عبارة عن مصائد وأفخاخ في كل حين وكل وقت، ونجد أن خيري شلبي يهرب في رواياته من فخ المدينة ولكنه يقع في مثلث برمودا يدخل فيه ولكنه استطاع أن يتجول فيه بحرية ويخرج منه أينما ووقتما رغب ونجد برمودا مثلثه الغريب في حبه للشاعر حافظ إبراهيم وعلاقته به لدرجة أن حافظ إبراهيم نظم شعرا فيه في يوم مولده.

خيري شلبي مثلث برمودا

وتابعت: أولى أضلاع مثلث برمودا حبه لحافظ، فلقد كان شاعر النيل حافظ إبراهيم صديقا شخصيا لوالد خيري شلبي، حيث نظم الشاعر الكبير أبياتا هادئة كلماتها، نظمت بحب وعطف لخيري شلبي وقت قدومه إلى الدنيا، حيث قال: "البشر أقبل برهانا على الخير.. وكوكب الصبح يهدينا إلى الفجر.. ونجمة العصر لما إن علت سطعت.. فكان من نورها مولودنا خيري".

وأشارت إلى ثاني الأضلاع في المثلث، قائلة: المقابر مكان مفضل للكتابة، أثناء عودة خيري شلبي من عمله بمجلة الإذاعة والتليفزيون إلى منزله ذات يوم، تعطلت سيارته في منطقة مقابر ليفاجئ بأن الناس خرجوا لمساعدته حيث عاونوه في جو من الحب والدعم، ليجلس في ركن حتى ينتهي "الميكانيكي" من إصلاح سيارته، ليبدأ شلبي في الكتابة في المقابر لأول مرة، حيث شعر أنه كتب بأريحية، وعبر لأهل المنطقة عن امتنانه لهم، فأجابوه بالدعوة للمكان كل ما أراد ذلك٬ لدرجة أنه دخل في صداقات مع أهل المكان منهم الميكانيكي٬ وعسكري كان يقطن المنطقة.

وبدأ شلبي يواظب على ارتياد المكان، وعندما سئل عن إمكانية قضاء وقت أطول٬ وعرف أنه يمكنه استئجار حوش في المنطقة٬ ساعده أهلها على استئجار أحد الأحواش، ليستغل شلبي ذلك المكان ويخوض رحلة بحثية في تاريخ منطقة منشية ناصر والسيدة والإمام الشافعي.

فيروز صوت القمر

وأكدت أن فيروز صوت القمر هي الضلع الثالث في مثلث برمودا والذي عبر عنه خيري شلبي، حيث عبر عن حبه الكبير الذي غمره تجاه الموسيقى وخاصة الكلاسيكي منها، وذلك عندما قال: "الموسيقى تحاصرني حصارًا جميلًا، وأترك لها الفرصة لهذا الحصار، وحين تسكت الموسيقى من حولي أشعر بالموت".

أيضا برمودا بالنسبة لخيري شلبي غير كل من دخلوا فيه فهو يتجول في عوالمه وبين أضلاعه يبحر كما يشاء ويمكن له أن يخرج في الوقت الذي يشاء، مثلا موقفه من جمال عبد الناصر وموقفه من النكسة ورفضه لهذه السياسة، موقفه من سياسة الانفتاح في عهد السادات ورفض سياسته، ولكن بعد رحيله غير موقفه منه وعبر عن رأيه السلبي فيه والضلع الأخير والمعاصر قبل أن يرحل تضامنه مع ثورة 25 يناير

لكنه قال:

"نظريا من الممكن أن نقول إننا بدأنا في مصر مرحلة جديدة، لكن عمليا نحن لم نفعل شيئا. الخوف أن تفقد الجماهير العريضة إيمانها بالثورة، خاصة مع وجود قوى جبارة تريد دفع الشعب المصري إلى الكفر بها".

خيري شلبي مبدع بدرجة إنسان، مغامر مثلث برمودا، نصير المهمشين والضعفاء، نفتقد كاتب بحجم خيري شلبي هو ماركيز العرب.

اقرأ أيضا.. إعلامي: خيري شلبي رحل ولم يترك لنا شيئا نكتبه