الطريق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 10:31 مـ 14 شوال 1445 هـ
جريدة الطريق
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب

خاص| شبح المجاعة يطل برأسه.. هل يشهد العالم حرب خبز بسبب تأثير الأزمة الروسية الأوكرانية؟

تسببت الحرب الروسية في أوكرانيا في تفاقم أزمات الغذاء
تسببت الحرب الروسية في أوكرانيا في تفاقم أزمات الغذاء

مخاوف أزمة غذائية تجتاح العالم، مع شُح صادرات الحبوب والأسمدة من السوق الدولية، والتي كانت تصدرها كل من روسيا وأوكرانيا قبل اندلاع الحرب بينهما، إذ يمنع الحصار الروسي على شواطئ البحر الأسود الأوكرانية البلاد تصدير منتجاتها تلك، وتعرقل العقوبات الغربية المضروبة على موسكو صادراتها من حبوب وسماد نحو العالم.

ومنذ اندلاع الحرب في أوكرانيا، والتحذيرات تتوالى من أزمة غذاء قاسية قد تضرب العالم، مع اختفاء صادرات البلدين المتحاربيْن من السوق العالمية.

وتعتبر روسيا وأوكرانيا مصدرين مهمين في أسواق الحبوب العالمية، كما أن موسكو واحدة من أكبر مصدري الأسمدة في العالم، ومع استمرار الحرب فقد تفاقمت أزمات انعدام الأمن الغذائي بالدول الفقيرة بسبب ارتفاع الأسعار القياسية.

ويتراشق أطراف الحرب المسؤولية حول هذا الواقع، وفيما تسعى روسيا نحو تحقيق مكاسبها وتخفيف العقوبات عليها مقابل الإفراج عن القمح الأوكراني، تعتبر كييف ذلك ابتزازاً، وتستجدي الدعم الغربي بالسلاح لفك الحصار المضروب عليها.

بينما تمس هذه الأزمة الغذائية المرتقبة الملايين حول العالم، لا فقط بشح العرض في السوق الدولية، بل بالمضاربات التي ضاعفت أسعاره بشكل صاروخي، مهددة بالجوع شعوب الدول الأفقر.

فاتورة الدين العالمي

وفي سياق تلك الأزمة وتبعاتها التي وصلت إلى كل مناطق العالم، أوضح محلل الاقتصاد الكلي عماد كمال، أن سلة الغذاء العالمي تواجه عديد من الأزمات في الوقت الحالي، وقبل الحرب الروسية في أوكرانيا كانت جميع دول العالم في مواجهة صعبة مع أزمات التوريد والإمدادات بسبب التداعيات العنيفة التي خلفتها جائحة كورونا على حركة التجارة العالمية.

وقال كمال، في تصريحات لموقع «الطريق»، أن الحرب الروسية في أوكرانيا فاقمت أزمات الغذاء بالفعل، حيث سجلت غالبية الأسعار مستويات قياسية، وهو ما يزيد من حجم العجوزات التي تواجهها موازنات الدول التي تعتمد على الاستيراد، وجميع دول الشرق الأوسط بالفعل في هذه الأزمة، بخاصة أن دولة مثل مصر تستورد ما يقرب من 60% من إجمالي استهلاكها الغذائي.

وتابع أن المشكلة الحالية لا تتمثل في ارتفاع الأسعار فقط، ولكن أيضاً في انخفاض حجم المعروض من السلع، وصعوبة نقله في ظل الحرب المستمرة بأوكرانيا، وفي ظل هذه المعطيات، فليس من المتوقع أن تشهد الأسعار انخفاضاً خلال الفترة المقبلة، خصوصاً أن التضخم العالمي مرتفع بالفعل وعند أعلى مستوياته خلال عقود.

وأكد محلل الاقتصاد الكلي أن أزمة ارتفاعات الأسعار ستنعكس على موازنات الدول في شكل ديون، بينما سجلت فيه الديون العالمية أعلى مستوياتها على الإطلاق بعد خطط التحفيز الضخمة التي أطلقتها الحكومات خلال الأعوام الماضية في إطار الإجراءات الاحترازية الخاصة بمواجهة تداعيات جائحة كورونا.

نقص حاد

ومن المتوقع أن تدفع الحرب، دول العالم إلى مواجهة نقص إمدادات الغذاء خلال الأشهر المقبلة، إذا لم يتم إعادة الصادرات الأوكرانية إلى مستويات ما قبل الحرب المتواصلة منذ 24 فبراير الماضي.

وتهدد الأزمة بدفع عشرات الملايين من الناس إلى حافة انعدام الأمن الغذائي، وما يترتب عليه من سوء التغذية وجوع جماعي، بل ومجاعة.

خبز العالم

وبحسب تقرير لمنظمة الأغذية العالمية، تمثل صادرات كل من روسيا وأوكرانيا مجتمعتين حوالي 33% من صادرات القمح في العالم، 27% من صادرات الشعير، و24% من بذور عباد الشمس و76% من زيوت عباد الشمس.

فيما بالنسبة إلى كل منهما على حدة، تأتي روسيا على رأس قائمة مصدري القمح العالميين، بتوفير نحو 18% من الصادرات العالمية، أي ما يعادل 32 مليون طن.

واحتلت أوكرانيا المركز السادس بتصديرها 20 مليون طن من القمح، أي ما يعادل 10% من الصادرات العالمية.

بالمقابل تتصدر أوكرانيا الصادرات العالمية من حبوب وزيوت عباد الشمس، بإنتاجها 42% من الصادرات العالمية، بينما تأتي روسيا ثانياً بـ 21%.

وتتصدر روسيا كذلك الترتيب العالمي لمصدري الأسمدة النيتروجينية، والثانية على مستوى أسمدة البوتاسيوم.

صادرات أوكرانيا عبر أوديسا

وتصدر أوكرانيا معظم صادراتها الغذائية عبر البحر الأسود، و95% من تلك الصادرات عبر ميناء أوديسا المحاصر منذ اندلاع الحرب.

وتواجه البلاد مخاوف من الوقوع في أزمة تخزين، مع تعذر تصدير محاصيلها الشتوية وقرب حصاد المحاصيل الصيفية.

بالمقابل، كل الحلول الأخرى المطروحة أمام كييف من أجل تصريف مخزونها من القمح، كالتصدير عبر مواني رومانيا وبلغاريا، أو التصدير عبر مواني دول البلطيق وبولندا، أو التصدير عبر نهر الدانوب المار بحدودها الجنوبية، ممتنعة لعقبات لوجستية وأخرى مالية وقانونية.

دول قد تتأثر بأزمة غذائية

وبحسب الأمم المتحدة فإن 53 دولة حول العالم تعتمد بنسبة أعلى من 10% من وارداتها من القمح على صادرات روسيا وأكرانيا، و36 من هذه الدول تعتمد بنسبة أعلى من 50% من صادراتها على البلدين المذكورين، منها كل من مصر والكاميرون وغواتيمالا، والهندوراس ونيجيريا.

ودقَّت منظمة الأغذية العالمية ناقوس الخطر بأن أزمة غذائية حادة ستمس أكثر من 400 مليون شخص حول العالم، 181.13 مليون منهم سيعانون من اضطراب حاد في أمنهم الغذائي، و18.61 مليون سيواجهون حالة حرجة من الجوع.

وتتركز أغلبية المهددين ببلوغ مستويات حرجة من الأمن الغذائي في إفريقيا، خاصة دول غرب وشرق القارة ومنطقة الساحل.

ارتفاع أسعار القمح

وحقق مؤشر أسعار الغذاء، حسب منظمة الأغذية العالمية، ارتفاعاً قياسيا شهر مايو الماضي بلغ 29.9 نقطة، أي ما يعادل 22.8% أعلى مقارنة بنفس الفترة السنة الماضية.

وتعد سوق الحبوب الأكبر التي أصابها هذا الارتفاع، فزادت أسعار القمح بمعدل 56.2% مقارنة بنفس الفترة من السنة الماضية، وارتفعت أسعار الشعير 18.1%، وأسعار الذرة 12.9%.

الدول النامية

ويهدد هذا الارتفاع القياسي في أسعار الغذاء الأمن الغذائي لعدد من الدول النامية في إفريقيا، الشرق الأوسط ووسط وشرق آسيا، كما يصعّب المهمة الإنسانية للبرنامج الدولي للغذاء، إذ يتوقع ارتفاع مصاريفه بمقدار 29 مليون دولار شهرياً على المدى القريب، و71 مليون دولار على المدى المتوسط.

قال مايكل فخري مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بالحق في الغذاء، إن الغزو الروسي لأوكرانيا تسبب في معدلات جوع شديدة في البلاد، ويزيد من مخاطر ارتفاع معدلات الجوع في روسيا، وقد يتسبب في زيادة عالمية في سوء التغذية والمجاعة.

وأضاف فخري، في تصريحات لموقع «الطريق»، أنه مع حرب روسيا على أوكرانيا، نواجه الآن خطر مجاعة وشيكة وجوع في المزيد من الأماكن حول العالم، ويجب وقف الهجمات العسكرية ضد أوكرانيا على الفور قبل أن تكون هناك عواقب عالمية وخيمة وطويلة الأجل للأمن الغذائي للجميع.

ونوه إلى أن أوكرانيا وروسيا هما من أكبر خمس دول مصدرة للحبوب في العالم، وبالتالي الأمن الغذائي العالمي بات على المحك، حيث تبلغ قيمة التجارة الزراعية العالمية مع هذين البلدين حوالي 1.8 تريليون دولار.

آثار النزاع

وتابع الخبير الأممي، أن الآثار المباشرة للنزاع على الغذاء بدأت تظهر في عدد من الدول بالشرق الأوسط تشتري أكثر من %60 من احتياجاتها من القمح من روسيا وأوكرانيا.

وحذر فخري من الاضطرابات طويلة الأجل التي سيحدثها النزاع على الغذاء، معربا عن قلقه بشأن الكيفية التي سيضر بها الغزو الروسي لأوكرانيا الناس في روسيا.

ونوه إلى فرض العديد من الدول عقوبات اقتصادية على روسيا، وتعمل العديد من الشركات، طواعية، على سحب استثماراتها من روسيا أو مقاطعتها.

وزاد الخبير الأممي، أنه «نظرا لأن العقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا تتوسع لتتجاوز الأفراد والمؤسسات وتصبح عامة أكثر، فإن الأشخاص الأكثر ضعفا في روسيا قد يتحملون عبئا غير متناسب، يتعين دائما قياس فعالية العقوبات مقابل الانتهاك المحتمل لحقوق الإنسان والعواقب الإنسانية».

وشدد فخري على ضرورة توجيه الجهود نحو تصور وتسهيل عملية الانتعاش في أوكرانيا، ويجب على المجتمع الدولي أن يولي اهتماما خاصا لدعم المزارع التي تديرها العائلات وصغار المزارعين في أوكرانيا، لأنها الأكثر قدرة على التكيف والمرونة في أوقات الأزمات.

وأكمل أن «الجوع والمجاعة وسوء التغذية هي أمور غالبا ما تكون نتيجة للفشل السياسي، ويتعين على جميع البلدان أن تعمل في تضامن لتلبية الاحتياجات الغذائية العاجلة لجميع الأشخاص المعرضين للخطر، وخاصة اللاجئين، وكبار السن، وذوي الإعاقة، والأطفال، ولا ينبغي استخدام الغذاء كسلاح ولا ينبغي دفع أي بلد في العالم إلى المجاعة واليأس».

اقرأ أيضا: أين تتجه الأزمة الروسية الأوكرانية مستقبلًا؟