محمد دياب يكتب: كارثة نقص الأنسولين.. حياة الملايين على المحك
في خضم أزمة نقص الأدوية التي تجتاح السوق يبرز اختفاء الأنسولين كأحد أخطر التحديات التي تهدد حياة ملايين المرضى، الأنسولين الذي يُعد شريان الحياة لمرضى السكر أصبح العثور عليه مهمة شاقة تستنزف وقت المرضى وجهود ذويهم. المشكلة لا تقتصر على نوع محدد أو علامة تجارية بل تشمل المحلي والمستورد على اختلاف أنواعه. سواء في مراكز التأمين الصحي أو المستشفيات أو حتى الصيدليات الخاصة.
تعد أزمة بهذا الحجم أكثر من مجرد مشكلة دوائية إنها كارثة إنسانية تمس بشكل مباشر حياة ملايين المصريين السكر ليس مرضاً يمكن التهاون معه فهو حالة مزمنة تتطلب علاجاً يومياً منتظماً لتجنب مضاعفات خطيرة مثل الفشل الكلوي والعمى وبتر الأطراف، ومع انتشار مرض السكر بين عدد كبير من المواطنين يصبح نقص الأنسولين تهديداً لا يمكن تجاهله.
شخصياً عايشت هذه الأزمة بشكل أكثر قرباً حيث أن والدي مصاب بمرض السكر منذ أكثر من ثلاثين عاماً. طوال هذه السنوات كان الأنسولين رفيق حياته الذي يضمن له استقرار حالته الصحية ويمنع تفاقمها. مؤخراً طلب مني والدي المقيم في محافظة الشرقية مساعدته في العثور على عبوات الأنسولين هنا في الغردقة حيث أعمل. ورغم الجهود المبذولة والتنقل بين الصيدليات لم أتمكن من العثور على الدواء المطلوب. هذا المشهد المؤلم يوضح أن الأزمة ليست محدودة بمكان أو محافظة بل تمتد إلى مختلف أنحاء الجمهورية تاركة المرضى وعائلاتهم في معاناة يومية للبحث عن هذا الدواء الحيوي
ولا تتوقف المأساة عند نقص الأنسولين بل تتفاقم مع استغلال السوق السوداء التي تبيع الدواء بأسعار خيالية تفوق قدرة كثير من المرضى وأسرهم. ففي ظل التحديات الاقتصاديه الراهنة التى تواجه المواطن يصبح توفير ثمن الدواء عبئاً نفسياً ومالياً يثقل كاهل الأسر التي تعاني أصلاً من تحديات الحياة اليومية
الأمر يتطلب تحركاً عاجلاً من جميع الجهات المسؤولة. على وزارة الصحة أن تتحمل مسؤوليتها في توفير هذا الدواء الأساسي وضمان وصوله إلى مستحقيه دون تأخير أو عقبات.
كما يجب على شركات الأدوية العمل بجدية لتأمين الكميات المطلوبة والتغلب على أي معوقات تتعلق بالإنتاج أو التوزيع.
إلى جانب ذلك لا يمكن تجاهل دور المجتمع المدني والإعلام في تسليط الضوء على هذه الكارثة، نشر الوعي بأبعاد الأزمة وطرح حلول مبتكرة يمكن أن يساهم في جذب الانتباه والدعم اللازمين لتجاوز هذه المرحلة الحرجة.
قد تكون الأزمات اختباراً لمدى قوة وتماسك أي مجتمع واليوم نحن أمام اختبار حقيقي، إن إنقاذ حياة ملايين المرضى يتطلب تضافر الجهود من جميع الأطراف سواء الحكومة أو الأفراد. فالتأخير ليس خياراً وحياة المرضى لا تحتمل انتظار حلول مؤجلة.
نحتاج إلى رؤية مستقبلية تضمن عدم تكرار مثل هذه الأزمات. أولاً يجب العمل على توطين صناعة الأنسولين محلياً لتقليل الاعتماد على الاستيراد وتقلباته.
ثانياً لابد من تفعيل آليات رقابة صارمة على توزيع الأدوية لضمان وصولها للمحتاجين ومنع استغلال السوق السوداء. وأخيراً لابد من تعزيز دور التأمين الصحي ليكون مظلة حقيقية تحمي المرضى من الوقوع فريسة لهذه الأزمات.
الأمل في تجاوز هذه الكارثة لا يزال قائماً لكنه مرهون بسرعة التحرك واتخاذ قرارات حاسمة. إن حياة الملايين أمانة في أعناقنا جميعاً وعلينا العمل بلا كلل لإنقاذها وإعادة الأمل لهؤلاء الذين يواجهون هذا التحدي القاتل يومياً.