الطريق
الخميس 15 مايو 2025 11:29 مـ 18 ذو القعدة 1446 هـ
جريدة الطريق
رئيس التحريرمحمد رجب
رئيس التحريرمحمد رجب
أسامة كمال في ذكرى ”النكبة”: ”كل سنة والعالم ناسي” الفنانة ياسمين رئيس بطلة في فيلم ”الست لما” مع يسرا إعلام إسرائيلي: إغلاق مطار بن جوريون تحسبا لصاروخ تم إطلاقه من اليمن نحو وسط إسرائيل عضو الكنيست أفيجدور ليبرمان: حكومة نتنياهو غير قادرة على إعادة الأمن للإسرائيليين الأهلي يتوج بدوري السوبر لكرة السلة سيدات على حساب سبورتنج أبو ريدة والدرندلي يشاركان في صياغة مستقبل الكرة العالمية فى كونجرس فيفا 75 المحافظ يتابع الاستعدادات الجارية بالإسطبلات الحضارية بكفر الجبل محافظ الجيزة يتفقد أعمال رفع كفاءة منشآت مدينة الطلبة والطالبات بالعجوزة محافظ البحيرة تعتمد تحديث المخطط الاستراتيجي العام للمدينة بعد إضافة 220 فدانًا للحيز العمراني محافظ الغربية يشهد مناقشة دكتوراه مدير عام مكتبه حول رأس المال الفكري وإدارة الأزمات محمد الجوهري يكتب: أنت لست بريئًا كما تظن لأول مرة على شاشة مصرية.. أون سبورت تنقل نهائي كأس فرنسا لكرة اليد بمشاركة يحيى و دودو

محمد الجوهري يكتب: أنت لست بريئًا كما تظن

الليلة تحديداً، وبينما العالم يغط في نومه، أجلس متأملاً في معنى أن تكون إنساناً، أراقب تلك المسافة الضئيلة التي تفصل بين فعل الإحسان وفعل الإساءة، بين قرار البناء وقرار الهدم، بين الحب والكراهية.

لو أنك تقف الآن وسط صالة فارغة، والأبواب موصدة، والستائر مسدلة، وليس معك أحد، ماذا لو صرخت بأعلى صوتك؟ ماذا لو دمرت كل شيء من حولك؟ ماذا لو انتهكت كل قاعدة أخلاقية تعلمتها؟

ما الذي يمنعك؟

هذا هو السؤال الذي يؤرقني، ما الذي يمنع الإنسان، حقاً، من الانزلاق إلى هاوية الشر؟

أقنعة الفضيلة

يُخبرك المجتمع أن الإنسان - في جوهره - خيّر، تُخبرك الأديان أن النفس البشرية تميل إلى الصلاح، لكن انظر معي إلى التاريخ البشري، سلسلة متواصلة من المذابح والحروب والإبادات، يُنفذها بشر عاديون، آباء محبون ربما، وأمهات حنونات، وأبناء مطيعون.

"ما من مسيء إلا وهو يرى نفسه مُحسناً"

هل الشر كامن في طبيعتنا، أم أنه مكتسب؟ هل هو استثناء أم قاعدة؟

نظرية الزجاج المكسور

في علم الاجتماع، هناك ما يُعرف بـ"نظرية النافذة المكسورة" إذا بقيت نافذة مكسورة في مبنى دون إصلاح، سرعان ما ستُكسر بقية النوافذ، الشر يبدأ صغيراً، بتنازل بسيط، بانحراف طفيف عن الطريق، ثم يتسع ويتسع.

الفيلسوف الألماني هيدجر تحدث عن "الابتذال" عن كيف نقبل الشر تدريجياً حتى يصبح عادياً، روتينياً، غير مرئي، تماماً كالطفل الذي تعود على الحياة وسط القمامة حتى لم يعد يشم رائحتها.

دعني أسألك: هل سبق أن تمنيت الأذى لشخص ما؟ هل سبق أن شعرت بتلك اللذة الصغيرة حين سمعت عن فشل منافس لك؟ هل سبق أن كذبت، ثم برّرت الكذب لنفسك؟

هذه هي بذور الشر ليست مختلفة نوعياً عن البذور التي نمت في قلوب أعتى المجرمين، الفارق فقط في درجة النمو، في عمق التجذر، في قوة الانتشار.

الإغراء والسقوط

أقف أحياناً على حافة الهاوية، متأملاً المسافة التي تفصلني عن السقوط، لستُ وحدي في هذا الوقوف - كلنا نقف هناك، نحدق في الأعماق، ونشعر بذلك السحر الغريب، بتلك الدعوة الصامتة للقفز.

الفلاسفة الوجوديون سموها "القلق" - تلك اللحظة التي ندرك فيها حريتنا المطلقة، حريتنا حتى في اختيار الشر.

المختبر الإنساني

في سبعينيات القرن الماضي، أجرى عالم النفس فيليب زيمباردو تجربة شهيرة في "سجن ستانفورد"، اختار مجموعة من الطلاب المثاليين، وقسّمهم عشوائياً إلى "سجناء" و"حراس"، في غضون أيام، تحوّل "الحراس" إلى وحوش صغيرة، بدأوا في تعذيب "السجناء" نفسياً، مع أنهم كانوا يوماً ما زملاء دراسة.

ما الذي حدث؟ ببساطة، تم منحهم التصريح، تم منحهم السلطة، تم إزالة الحواجز التي تفصل بين رغباتهم المكبوتة وبين تنفيذها.

الأعماق السوداء

عالم النفس كارل يونغ تحدث عن "الظل" - ذلك الجزء من نفوسنا الذي نرفض الاعتراف به، الجزء المظلم، المكبوت، الذي نخفيه حتى عن أنفسنا، لكن الظل لا يختفي بإنكاره، بل يزداد قوة وشراسة.

"لا يمكنك أن تقضي على الظلام، بل فقط أن تشعل شمعة"

دعني أطرح فكرة صادمة: ربما كانت قدرتنا على الشر هي ما يميزنا كبشر، الذئب الذي يفترس فريسته لا يمكن وصفه بالشرير - هو ببساطة يتبع غريزته، لكننا، نحن البشر، نختار، نحن نعرف، نختار، نتأمل، نبرر.

نحن الكائنات الوحيدة القادرة على تخيّل آلام الآخرين، وبالتالي، نحن الكائنات الوحيدة القادرة على اختيار إيقاع الألم بشكل واعٍ.

الخطوة الأولى نحو النجاة هي الاعتراف، الاعتراف بأن الشر ليس خارجنا، بل في داخلنا، أن نعترف بأننا لسنا محصّنين، لسنا استثناءً من القاعدة البشرية.

التحدي الحقيقي أن نظل أخياراً رغم كل الإغراءات، رغم كل المبررات، رغم كل الفرص السانحة للشر.

ربما تكون البشرية كلها في حالة رقص دائم على حافة الهاوية، نتقدم خطوة نحو النور، ثم نتراجع خطوتين نحو الظلام، ندّعي الحضارة، ثم نسقط في الهمجية، نبني صروح العلم والفن، ثم ندمرها بأنفسنا.

لكن ما يميز البشر أيضاً هو تلك المقاومة العنيدة - تلك الإرادة التي ترفض الاستسلام للظلام، التي تختار النور رغم كل شيء، التي تعيد بناء ما تهدم، التي تصر على أن الحياة ممكنة، وأن الخير ممكن، وأن السمو ممكن.

"قد تهزمنا الهاوية ألف مرة، لكننا سنحاول المرة الألف وواحد"

إن فهم الشر هو الخطوة الأولى نحو تجاوزه.

ربما تكون مأساتنا الكبرى، وعظمتنا الخالدة في آنٍ واحد، أننا نعرف.
نعرف الخير فلا نسلكه، ونعرف الشر فننجذب إليه، نعرف الطريق ولا نختاره، ونبصر الهاوية ثم نسير نحوها.
في داخلنا ضوءٌ لا ينطفئ، وظلٌّ لا يزول، وصراعٌ لا يُحسم.
نحن الكائن الوحيد الذي يعرف أنه يؤذي، ويعرف أنه يتألم، ويعرف أنه يختار، ثم يخطئ رغم كل هذا.
نرتفع بعقولنا إلى سماوات الفكر، ونسقط بأفعالنا إلى قيعان الوحشية.
نفتح كتب الفلاسفة في النهار، ونُسقِط مبادئهم عند المغيب.
نُبشّر بالحق، ونُمارس الباطل. نطلب النقاء، ونُخفي السُمّ في صدورنا.

الإنسان ليس ملاكًا ضلّ الطريق، ولا شيطانًا تاه عن الجحيم، الإنسان هو نقطة التقاء النقيضين، ملتقى اللعنة والنعمة، ومرآة لما يستطيع أن يكون وما يخاف أن يصبح.

موضوعات متعلقة