«هنا عاصمة الفخار».. حكاية الطين من أسوان لـ«الفسطاط»

الأقدام سر صناعة الفخار
فنان بأنامل ذهبية ساحرة تحول قطعة طين إلى تحفه فخارية متقنة الصنع، تتعدد ما بين أواني، تماثيل، وغيرها، للفخار تاريخ طويل يعود لألاف السنين، استخدمه القدماء لصنع الأواني، أدوات الزينة للمنزل، أكوب الشرب، والملاعق، تجده بكل المقابر الفرعونية ليستخدمه صاحب المقبرة عند عودته للحياة مرة أخرى، اعتمد عليه أجدادنا السابقين في صنع (القلة والزير) لحفظ الماء واكسابه برودة ليرتوي منه الظمأ صيفاً، تندثر الصناعة اليدوية له بالتدريج لتنطوي في طيات التطور الحالي.
لذلك توجهنا لعاصمة صناعة الفخار المصرية بحي الفسطاط شارع الفخارين لنرصد تاريخ صناعتهم للفخار، وصعوبات العمل بدرجات الحرارة المرتفعة ، فدخلنا إلي قرية الفخارين، أول الورش بالواجهة متخصصة لصناعة الحجر الخاص بالنرجيلة، يليها ورش (الشقف) يستخدم لتغطية أسقف الفلل، وبعدها ورش صناعة أواني الحمام وهكذا، المكان مقسم لورش كلٌ حسب تخصصه لكل العاملين بالمكان نفس الهيئة أجسادهم وملابسهم تغطيها الأتربة لتجعلهم يبدون أكبر سناً.
خطوات الصناعة
تبدأ رحلة الفخار من أسوان لجلب الطين الأسواني بأحجام معينة لتتماسك ولا تتفتت، ثم يوضع بالمياه بأحواض كبيرة ويتم تنقيته من الحصا الكبيرة عن طريق (المنخل ) ليصفي الماء ويصبح قوامه غليظ بإضافة مواد لاصقة، ف(يخدمه ) العمال أي يضغطون عليه بأرجلهم لتسكت الأصوات ويعلو وقع الخطوات، وبهذا تكون العجينة جاهزة للتشكيل وتقطع حسب الحاجة إليها، لتوضع على عجلة( الدولاب)ويلفها العامل بقدمه من الأسفل ليتحرك الجزء العلوي الحامل للعجينة وتنساب بين يديه بملمسها الناعم، يتم نقل الأشكال المصنوعة إلى الشمس لتجف، وتوضع ليلاً في الأفران الموقدة بواسطة الخشب، النشارة، وبقايا القصب، تصل درجة حرارتها ل850 درجة مئوية لذا يؤجلون خطوة الأفران ليلاً .
حكايات ومشاكل
دخلنا قرية الفخارين مع عم (محمد) من أهل منطقة مصر القديمة، يعمل بالفخار منذ 40عاماً ورث مهنته عن أبيه يذكر وجودهم ب(عشش) وراء جامع عمرو بن العاص ورثوا الأماكن أبً عن جد، لكن دوام الحال من المحال، نقلتهم الحكومة لتطوير المنطقة وبناء عمارات وأبراج سكنية، ليأتوا لموقعهم الحالي بالقرية ، يدفع صاحب كل ورشة إيجار شهري (ست جنيهات للمتر الواحد) مع العلم أن أصغر الورش تبلغ ال50متر أي يدفع لها 300جنيهاً، لم يقف الأمر عند ذلك فهناك فواتير للكهرباء والماء بعدما كانوا يمتلكون المكان القديم ولا يكلفهم كل هذا، ينتظرون دخول الغاز بحلول الأشهر الأتية، لما يسببه دخان الأفران من تلوث، وبهذا ستصبح صديقة للبيئة، وتزيد من المبالغ المدفوعة مقابل الخدمات.
احتراف وتمكن
أحمد فرج عامل بأحد الورش لعائلته باع طويل بالمهنة، تعلم المهنة منذ كان عمرة سبع سنوات على يد أبيه الذي تعلم بدوره على يد أبيه، تمتد سنون عمله لتصل ل40 عام، يذهب شهرياً للجامعة الأمريكية لتعليم طلبة بشركة عالمية لصناعة الأكواب كيفية صناعة وتشكيل الفخار، مؤكداً على كونهم عاصمة الفخار والعاملين على صنعه، يصدرون المنتجات والعمال لمختلف المحافظات، يأتي الكثير ليتعلم أصول المهنة ويعود أدراجه لمحل سكنه لينقل أسرار المهنة للورش هناك.
عمالة الأطفال
عند تجولك بالمكان تتعثر بأطفال لا يتعدى عمرهم عشرة أعوام، ففي ورشة (الشقف) وجدت طفلين، قال العمال أنهم أبناء أحد الموجودين بالمكان، لكن عندما سألت الأطفال أجابوا بالنفي، وأكد عم محمد وعامل أخر ذهابهم للمدرسة وعملهم بالإجازة فقط لمساعدة أهاليهم، وأنهم هنا بعلمهم، فنفى الأطفال ذهابهم للمدرسة وأكدوا عملهم بالمكان بدلاً من ارتياد المدرسة من الصباح الباكر وحتى الليل، ينقلون القطع للشمس لكي تجف، مقابل مبلغ مادي زهيد من10ل15 جنيهاً يومياً، وبجانبهم ورشة لصناعة أواني الأكل للحمام يعمل بها فتيات، بهم فتاة تدعى زينب تبلغ الخامسة عشر من عمرها تعمل منذ سنوات معهم لمساندة أهلها على تحمل أعباء الحياة، كانت ترغب بارتياد المدرسة كغيرها من أقرانها لكن ما باليد حيلة، لها يومية تصل ل120 جنيه والوافدين الجدد من الفتيات غي مثل سنها يتقاضون 90 جنيه .
صعوبات المهنة
عم (سعيد) من العمال القدامى، يعمل بتنقية الطين من الحصى عن طريق منخل بأحواض المياه، يتحدث عن صعوبات مهنتهم المتمثلة في الوقوف في أحواض المياه بالليل والنهار، صيفا وشتاء، ويؤثر على عظامهم، خاصة بالشتاء مع البرودة القارصة، والوقوف أمام الأفران بالصيف، والتي يبلغ درجة حرارتها 800 درجة مئوية فأكثر، أيضاً صعوبة نقل القطع بالشمس وأشعتها العامودية، لكنهم اعتادوا على هذا الروتين وتكيفوا معه للحفاظ على عملهم.
التسويق للمنتجات
يواجه أصحاب الورش بالقرية المشاكل للتسويق لمنتجاتهم ففي بادئ الأمر كانوا يعرضونها خارج أسوار القرية على جانبي الطريق، فيراها المارين بالعربات على الطريق السريع، منهم من يتوقف لإلقاء نظرة والشراء، ومن يعود في وقت لاحق لاقتناء التحف الفخارية، جاء قرار من فترة وجيزة بنقلهم داخل أسوار القرية بدكاكين يدفعون لها إيجار هي الأخرى وسن عقوبة على من يزل بالخارج، الدكاكين ضيقة لا تتسع للبضاعة المعروضة، وداخل المدينة فلا يراها أحد مما يمثل إخفائهم عن الأعين، وحركة السوق واقفة تلك الأيام، فيمثل ذلك خراب لمنتجاتهم.
مخالفة الأوامر
على الرغم من منع المحافظة البائعين من عرض سلعهم على جانبي الطريق، إلا أنه هناك من لم يلتزم بالأمر ونصب بضاعته مرة أخرى، في الطريق المؤدي للقرية يوجد ست بائعين، يختص كل واحد ببيع بضاعة معينة من الفايبر، التماثيل، الأواني، والتحف الفخارية، تعود أحداهم لمالكها الذي يعمل مهندس وله ورشة داخل القرية، والثانية لصاحب ورشة أيضاً بالداخل ويعمل عليها ابنه، والتحف مرصوصة على مصاطب كالهرم المدرج في أعلاها غرف استراحة للعاملين عليها، يبدؤون عملهم بالثامنة صباحاً وحتى الثامنة ليلاً، ليستلم منهم العمل غفير لحماية كل البضاعة الموجودة بالمكان، تتراوح أسعار القطع من 50جنيه كحد أدنى وتصل إلى الاف الجنيهات ويشتكي العاملين من قلة المبيعات .
بالقرية زبائن يقرون بأن البضاعة ثمنها ليس بالقليل والأسعار بالخارج كداخل القرية، الفرق الوحيد هو وجود كميات كبيرة من القطع وتشكيلة واسعة لمن يرغب بالشراء.