الطريق
جريدة الطريق

سعيد محمود يكتب.. حمدي مصطفى صانع الأساطير

سعيد محمود
-

دائما ما يكتب التاريخ عن شخصيات عديدة، منها من يذكره العالم بكل شر، ومنها من ينشرح صدر الجميع لمجرد ذكر اسمه.

وفي عالم النشر والكتابة، يوجد رجل سطر اسمه بحروف من نور في عقل ووجدان كل من عاصره، رغم تواضعه الشديد، وإيثاره الابتعاد عن الشهرة والأضواء حتى اللحظات الأخيرة في حياته، إنه الناشر الراحل حمدي مصطفى، صاحب المؤسسة العربية الحديثة للنشر والتوزيع، وأحد أهم الناشرين في مصر والوطن العربي، الرجل الذي قدم أشهر وأهم كتّاب الشباب منذ الثمانينيات، وعلى رأسهم نبيل فاروق، وأحمد خالد توفيق، وخالد الصفتي، وشريف شوقي".

حمدي مصطفى

لم يكن حمدي مصطفى الذي تحل ذكرى وفاته اليوم مجرد ناشرا، فقد كان أديبا وله روايات وكتب تدرَّس في وزارة التربية والتعليم، وتمتع رحمه الله بحس فني عال جعله يتذوق الأعمال الأدبية جيدا، وهو ما أثر بالإيجاب في كل أعمال المؤسسة العربية الحديثة، حيث كان يتابع كل شيء بنفسه، من قراءة وتقييم وتعديل للأعمال الأدبية، كما كان يتمتع بقدرة مبهرة على توقع قدرات الكاتب ونجاحه من اللقاء الأول معه، وكان يكسب الرهان دائما وتصدق توقعاته.

حمدي مصطفى

ورغم نجاح المؤسسة العربية الحديثة التي كان يملكها حمدي مصطفى في إصداراتها التعليمية من الكتب الخارجية مثل "سلاح التلميذ، وteacher، والمعلم"، إلا إن حلم حياته كان إصدار الروايات للشباب، وكان يحب هذا الأمر بشكل يفوق حبه لأي شيء آخر، ووفقا للراحل الدكتور نبيل فاروق، في آخر حوار له مع "الطريق"، كان منتهى أمله أن تصدر دار النشر 100 رواية، ومد الله في عمره ليرى آلاف الرويات الصادرة عن المؤسسة من المحيط إلى الخليج، وذلك لظهور تلك الأعمال في فترة ماتت فيها القراءة، حيث أعاد الراحل الحياة إليها مرة أخرى في الثمانينيات، فقدم للشباب العديد من الروايات العربية التي أسماها "مشروع القرن"، بدأها بسلسلة "ملف المستقبل"، أول روايات خيال علمي عربية، والتي كان يعتز بها حمدي مصطفى كثيرا.

اقرأ أيضا: خالد الصفتي يكشف لـ”الطريق” سر ”فلاش”.. ويروي ذكرياته مع العبقري حمدي مصطفى

ثم توالت النجاحات مع سلسلة "رجل المستحيل" الأشهر في تاريخ روايات مصرية للجيب، والتي بات بطلها أدهم صبري أيقونة لجيل الثمانينيات والتسعينيات، ومن بعدها جاءت "كوكتيل 2000"، و"زووم"، ثم "فلاش، وسماش" للكاتب والفنان خالد الصفتي، وبالطبع لا يمكن أن ننسى "ما وراء الطبيعة" ومغامرات رفعت إسماعيل التي أبدعها الراحل الدكتور أحمد خالد توفيق، إلى جانب "فانتازيا" و"سافاري" وروايات عالمية للجيب".

اقرأ أيضا: نبيل فاروق لـ"الطريق": أحمد خالد توفيق لم يكن إخوانيا.. وهذه تفاصيل آخر مكالمة بيننا

ورغم نجاح مشروعه بقوة، كان الأستاذ حمدي مصطفى يتسم بالتواضع الشديد، حيث كان من أنصار العمل في صمت، ولم يكن يهمه في يوم من الأيام أن يقوم بالدعاية لنفسه، رغم براعته الشديدة في الدعاية للكتب، فقال عنه الراحل دكتور نبيل فاروق إنه "كان متواضعا بشكل غريب جدا، رغم كونه أحد الصروح العملاقة في عالم الطباعة والنشر، لدرجة أنه عندما كان يطلب للحديث في برامج تلفزيونية عن روايات مصرية للجيب في عصرها الذهبي، كان يطلب منه أن يتحدث بدلا عنه، لأنه لم يكن مفتونا بالمظاهر نهائيا".

حمدي مصطفى وخالد الصفتي

رحم الله الناشر صاحب المشروع القومي حمدي مصطفى، الرجل الذي نحتاج إلى أمثاله في وقتنا هذا، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من عقول شباب ومراهقي الوطن.