شكرًا يا جرجس.. لأنك مسيحي
كان ذلك في ليل آخر يوم من شهر رمضان، كنت قد وصلت إلى نجعنا بعد غياب طويل، رحت املأ الذاكرة بوجوه الناس والبيوت والطرقات وكل الذي استجد في جغرافيا المكان، وبطبيعة الحال وضعت برنامجًا لا يوجد فيه مكان للنوم، فاليوم سهر حتى الصباح وضحكات تملأ المكان، ورحت أشرب الشاي والسجائر منتظرًا قدوم الفجر، وهناك لنا عادة لا نعرف من الذي كان يفعلها وقلدناه، وهو أننا حال سماعنا آذان الفجر في أول يوم للعيد كنا نخرج السجائر، ويكون الشاي جاهزًا وكأننا ننتقم من الأيام الثلاثين التي مرت ولا نقدر فيها على هذا الفعل..
انطلق الآذان يصدح ويتردد صداه في الجبال المحيطة بنا، وكنت أعاني من بوادر حموضة، ولكن لم أكن لأفكر بإفساد هذا الجو بالتفكير فيها..
رحنا نشعل السجائر وننفخ الدخان في الهواء المحمل بالنسيم القادم من الغرب، وشربنا الشاي ومعه الضحكات تنطلق بقوة، حتى الذي ذهبوا للصلاة كانوا يراقبوننا بشئ من مصمصة الشفاه والتأسي على حال الشباب الذي ضاع..
وبعد دقائق وجدت أن الحموضة زادت مرة واحدة وكأنني بلعت تنينًا صغيرا راح ينفث النار عبر فمي، ورحت أجرب بعض الوصفات التي تهدئ هذه النار، ولم أجد، ورحت أجري يمينا ويسارا وأقول لكل من اقابله، حتى نصنحني أخي الأصغر "محمود" بانتظار أن تفتح إحدى الصيدلتين اللتان يمتلكهما النجع وأولاهما يمتكلها دكتور مسلم، والاخرى يمتلكها دكتور مسيحي..
وانتظرت حتى سرى النور في العالم، ولم اسمع ذلك الصوت الجميل لسحب الباب الحديدي للصيدلية القريبة، ورحت أنتقل من صيدلية إلى أخرى عسى إن تفتح إحداهما..
كان هناك مرجل من نار ينفث حممه عبر فمي، وأنا غير القادر على الانتظار رحت ارى الخطط التي يمكنني تنفيذها لإنهاء هذا الأمر، ولم أجد غير الانتظار والصبر..
وكان صوت سحب الباب لصيدلية الدكتور جرجس وكأنه أعظم من سميفونية بيتهوفن السابعة، واروع من نهاية مسلسل ذئاب الجبل حين قابل البدري بدار اخته سماح أنور، وأجمل من لقاء طفل بأمه بعد توهان في المولد..
شرحت للدكتور جرجس كيف كان حجم النار الكبير في صدري القليل، فأخرج كيس فوار .. فقط كيس فوار، شربته وكأنه كان مثل ثلاثين رجل إطفاء نزلوا في صدري، وحمدت الله ان جرجس مسيحي، وحمدت الله ان جرجس يمتلك صيديلة، وحمدت الله ان جرجس لا ينام حتى الظهر وهو مثال للرجل النشط الذي يصحوا باكرًا..
فشكرا يا جرجس لأنك مسيحي
