الطريق
الأربعاء 1 مايو 2024 09:44 صـ 22 شوال 1445 هـ
جريدة الطريق
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب

نكسة وأسر واستنزاف وعبور.. ”كمال” شاهد على الانكسار والانتصار وأكل ”التعابين” في الثغرة

كمال وأصدقاؤه
كمال وأصدقاؤه

وقف فوق أحد المدافع رفقة صديقيه، مرتدين زيهم العسكري الزيتي، يلتقطون صورة بعد انتهاء حرب أكتوبر المجيدة عام 1973، واسترداد مصر للأرض التي اغتصبت في يونيو 1967، إلا أن الصورة التي التقطها كمال الدين محمد، على أرض سيناء التي ضحى من أجلها رجال القوات المسلحة بدمائهم لاستعادتها، تسبقها حكاية طويلة، بدأت حين قرر التطوع في القوات المسلحة وصولا للاحتفاء بالنصر والتقاط الصور.

الصورة التي التقطت خلال الأشهر الأولى من عام 1974، بدأت قصتها منذ عام 1965، حين قرر التطوع في القوات المسلحة، رغم أنه كان "وحيد والديه"، ويروي، لـ"الطريق"، التفاصيل قائلًا: "في سنة 65 كنت عيل عنده 17 سنة في المدرسة، ومكانش فيه حرب وكنت وحيد أبويا وأمي ومتدلع، فروحت أتطوع أنا وزمايلي في الجيش عشان نهرب من المدرسة".

كمال: اتطوعت في الجيش قبل عامين من النكسة

الصدفة وحدها قادت "كمال"، ابن قرية "الدوّية" في محافظة بني سويف ليملك تاريخًا في القوات المسلحة المصرية، خلال واحدة من أهم الفترات التي مر بها الوطن، فبعد النجاح في اختبارات التطوع التحق بسلاح المدفعية، وأصبح واحدًا من أفراد وحدة متمركزة في العريش، وبعد عامين من تطوعه وقعت هزيمة 1967.

"إحنا محاربناش في 67"، جملةٌ وصف بها الرجل ما حدث في 5 يونيو 1967، متابعا أن دورية إسرائيلية مكونة من 12 جنديا تقودهم امرأة صادفته، وأسروه، ليقضي معهم يومين تلقى خلالهم تعذيبًا وضربًا وإهانات من أجل الحديث عن أي معلومات عن الوحدة من الممكن أن يعرفها، قبل أن تسلمه الدورية للصليب الأحمر، وينقل إلى مستشفى بورسعيد، وتلقى هناك علاجًا عاد بعده إلى القرية، التي كان أهلها يظنون أنه استشهد خلال الحرب.

يروي "كمال" اللحظات التي عاد فيها إلى القرية بقوله: "دخلت البلد بالليل والدنيا ضلمة وسمعت الستات بيقولوا إن كمال ابن العمدة مرجعش ومات في الحرب"، ليعود مسرعًا إلى المنزل، ويتفاجأ والده وأسرته بعودته، وتتحول القرية إلى أفراح، ويتجمع أهلها في بيت العمدة من أجل الاطمئنان على عودة الابن الذي ظنوا أنه لن يعود.

المقاتل ظل في منزله حتى سمع في الراديو نداء للجنود من أجل العودة للثكنات، ليعود على الفور ويتم توزيعه هذه المرة في السويس، أمام خطوط العدو، وتبدأ مرحلة جديدة عرفت باسم حرب الاستنزاف: "كنت أول واحد يضرب طلقة مدفعية في حرب الاستنزاف سنة 68، في عملية دمرنا فيها معسكر ذخيرة للعدو كان حاضرها الفريق عبدالمنعم رياض" حيث انطلق فجرًا مع قائد وحدة المدفعية نحو المعسكر شرق هيئة القناة، وأطلقوا النيران نحو المعسكر الذي فوجئ بالقصف عليه، وحين انتبهوا واستعدوا للرد كان "كمال" وقائده عادا نحو وحدتهما.

بعد انتهاء الاستنزاف، كان اليأس تسرب في نفوس "كمال" وأصدقائه، وانتابهم الشك أنهم سيحاربون ويستردون الأرض الضائعة: "إحنا كنا مستعدين نحارب من 71، ومن سنتها لحد الحرب تقريبا متدربناش على حاجة جديدة"، إلى أن أتت الأوامر يوم 2 أكتوبر 1973 بالتحرك نحو القناة من أجل مشروع حرب، ليتيقنوا أن الحرب ستبدأ، فعادةً كانت مشاريع الحرب تجري في أراضٍ مفتوحة وواسعة وليس على ضفة القناة.

كمال: أكلنا تعابين في الثغرة

وفي يوم 6 أكتوبر 1973، تمركزت وحدة "كمال" أمام القناة مباشرة، وبدأت بناء الكباري وعبور الكوماندوز وخلفهم المشاة، لتبدأ بعدها المدفعية في العبور لتغطية المشاة: "بعد 6 أيام معارك كنا وصلنا عمق كبير واتفاجئنا فوقنا بطيران أمريكي وبريطاني ودخلنا حصار الثغرة الشهير اللي كنا فيه فرقتين مدفعية".

أيام عسيرة مرت بها القوات خلال الحصار "في الأول كان الواحد مننا ليه مكعب بسكوت كل 48 ساعة وبعد كدة سمحولنا بمفاوضات بدخول أكل، بس الإسرائيليين كانوا بيمنعوا الأكل ويدخلوا السجاير بس عشان ندخن وإحنا جعانين ونتعب"، لتستمر تلك الأيام الصعبة التي أكل خلالها الجنود المصريون كل شيء أمامهم "كنا بناكل التعابين والفيران وبنتخانق على الحنضل".

اقرأ أيضًا: غزل المحلة ضد الطيران.. حكاية أشهر مباراة شاركت في خطة الخداع لحرب أكتوبر 73

لم يغب أبدًا عن ذاكرة "كمال" قرار المشير الراحل أحمد بدوي، الذي كان قائدًا للجيش الثالث الميداني خلال الحصار، والذي أمر بإجراء تدريبات بالذخيرة الحية: "كأننا عادي في الوحدة بتاعتنا في الوقت اللي كنا جعانين وبنعاني"، حتى لا يشعر الجنود باليأس، وليبث الخوف في معسكر العدو مع أصوات الطلقات التي تصلهم من مدافع وبنادق جنود الجيش المصري.

الرجل الذي بلغ السبعين، يشكر "طيش الشباب"، الذي دفعه إلى التطوع في القوات المسلحة، ليصنع تاريخًا طويلًا دام حوالي 20 عامًا، بعدما خرج على المعاش عام 1984: "اللي شوفته خلاني عندي يقين إننا نكسب أي حد ونعدي أي ظرف، والأوقات اللي كنا بنحس فيها بالجوع والتعب كانت هي الأوقات اللي بتحسسنا إننا لينا قيمة وإننا بني آدمين بجد".