صراع المحبين.. من عنترة وعبلة إلى محكمة الأسرة

الحب يقتحم النفس عُنوة، فلا يبرح إلا ظافرًا بالقلبِ أو بالحشا، عاصفةٌ لم يستطع الصمود في مهبِّها أحد؛ لا قيس بشِعره ولا عنترة بسيفه، فارسان صارعهما الحُبُ فاستسلما. عبر تاريخ البشر لم يُهزمُ الحُب قط، جنوده بواسل وجيشه عرمرم، مُنظمٌ حد الملل، ميمنته الحنين، وميسرته الوَجد، وصدره الشوق، ومع أن الكل يعرفُ خطته فالكُل منهزمٌ.

في موقع "الطريق" نرصد حكايات الحب عبر التاريخ ولماذا تغيَّر في زمننا.

،

بحثنا بين دهاليز الكُتب القديمة، فالتقينا "طوق الحمامة" لابن حزم الأندلُسي "الحب أوله هزل، وآخره جد، دقت معانيه لجلالتها عن أن توصف، ولا تُدرك حقيقتها إلا بالمعاناة".

وتنزهنا في نُزهة المُشتاقين، حديقةُ ابن القيم الغَناء فوجدناه يقول "الحب مرضٌ عُضال من أمراض القلوب، مُخالف لسائر الأمراض في ذاته وأسبابه وعلاجه، وإذا تمكَّن واستحكم عز على الطبيب دوؤاه، وأعيا العليل داؤه".

وقطفنا من أوراق ورد الرافعي قوله "يكون في الدّنيا ما يُغني الواحد من النّاس عن أهل الأرض كافّة، ولكنّ الدنيا بما وسعت لا يمكن أبدًا، أن تُغني مُحبًا عن الواحد الذي يُحبه".

قصص من التاريخ

قيس وليلى

قيس مجنون ليلى العامرية، عاندهم أبوها كعادة العرب قديمًا، لَمَّا يُشاعُ عن حب الرجل لفتاة بعينها، يأبى حينها الأب تزويجه إياها، وعادات العرب مستحكمة، ضاربة بجذورها في نفوسهم وإن كانت غير مقبولة عقلًا، فلا نظر إلى ذلك عندهم، أو عند كل من يعتاد أي عادة، تزوجت ليلى من غير قيس، فما زال قيس يشفّه وجده، فلا يبرح ليلى أو حتى ريحًا أتت من جانبها، ومهما واعد قلبه بالنسيان، يُنسيه قلبه وعده ويتذكرها، وفي هذا يقول قيس:

ألست وعدتني يا قلبُ أني

إذا ما تُبت عن ليلى تتوب

فها أنا تائبٌ عن حب ليلى

فمالك كلما ذُكرت تذُب !!

وظل قيس على أمله في اجتماع قريب قائلًا في قصيدته المؤنسة:

وقد يجمعُ الله الشتيتين بعدما

يظنان كل الظن أن لا تلاقيا

وتوفي قيس سنة 64هـ الموافق 688م بحسب الموسوعة العالمية للشعر العربي، في صحراء قاحلة وجدهُ أهله مُلقى بين حبات الحصى، حافرًا بإصبعه أبياته الأخيرة:

تَوَسَّدَ أحجارَ المهامِهِ والقفرِ

وماتَ جريح القلبِ مندملَ الصدرِ

فياليت هذا الحِبَّ يعشقُ مرةً

فيعلمَ ما يُلقى المُحِبُّ من الهجرِ

ويا لعجائب الأقدار، فقبرُ ليلى لم يبعُد عن قبرهِ قيس إلا أمتارًا قليلة.

اقرأ أيضًا: ”دي-كاف” يختتم نسخته التاسعة بحضور 3500 شخص في قلب القاهرة

عنترة وعبلة

جرت أحداث القصة في جزيرة العرب، وُلد عنترة لأب عربي وأم حبشية، فجاء صاحب بنية قوية وبشرة سمراء، فلم ينسبه أبوه لنفسه، ثم استلحقه بنسبه لما غزت قبيلة طيء عبس فاستنجد به أبوه وأعتقه، فلبَّى عنترة ندائه ورجح كفة قومه فانتصروا، وهنا أنشد عنترة:

هلا سألتِ الخيل يا ابنة مالكٍ

إن كنُتِ جاهلة بما لم تعلمِ

يُخبرك من شهد الوقيعة أنني

أغشى الوغى وأعُف عند المغنم

وكان عنترة متعلقًا بابنة عمه عبلة أيما تعلق وهي كذلك، ولكن العبودية منعته منها، ولما ألح على عمه مالك في طلبها، أعجزه عمه بمهر ألف ناقة من نوق النعمان، فلم ييأس عنترة وذهب في طلب المهر، ولاقى في سبيل ذلك الأهوال والصعاب، ولكنه ظفر بمرادهِ وعاد بالنوق، ولكن عمه ماطله أيضًا، ولم يزوجها له، وهنا اختلف المؤرخون أتزوجها عنترة بعد ذلك أم تزوجها فارس من فرسان القبائل المجاورة لعبس.

روميو وجولييت

عندما يُصلح الحب ما أفسدته الأيام، هناك في فيرونا الإيطالية، حيث أشهر قصة حب في التاريخ بين روميو وجولييت، وقصتهما التي نحتها شكسبير نحتًا، بحروفٍ من ذهبٍ صافٍ، فأثرت في الوجدان العالمي، ولم تبرح مرتبتها الأولى منذ خطها شكسبير: كان روميو وجولييت من عائلتين متعاديتين، يصعب التقاؤهما، تعرف روميو إلى جولييت في حفلة تنكرية، وسرعان ما اكتشف أنها من عائلة "كابوليت" التي تعادي عائلته "منتيغيو"، ذهبا لقسٍ فزوَّجهما سرًا رغبة في أن يُصلح أمر الزواج بين العائلتين.

لكن بعد فترة عرف قريب جولييت سر العلاقة فواجه روميو وقتل صديقه، ثم قتله روميو فى نزالٍ محتدم، شربت جولييت منومًا عميقًا بمساعدة القس هربًا من زواجٍ مغصوبة عليه، وأملًا في الوصول إلى روميو، شاع خبر وفاة جوليت وهي التي لم تمُت ولكنها استخدمت حيلة المنوم، ذهب روميو لقبرها فواجه زوجها المغصوبة عليه فقتله ثم شرب سُمًا فمات جوارها، فلما أفاقت ورأته قد فارق الحياة استلت خنجره وطعنت نفسها فلحقته، وهنا علم الأهل كل شيء فاصطلحا بعد فوات الأوان.

لماذا تغير الحب في زماننا

تأتي التغيرات التكنولوجية على رأس القائمة كسبب في اختلاف الأحوال، وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي التي غيَّرت مفاهيم التواصل الفعال بين البشر، وأدت إلى شبه انعدام المواجهة بين الطرفين لحل المشكلات أو الحكي المباشر الذي يخرج ما في النفس من مشاعر حب وامتنان أو إظهار المشكلات لحلها وتخطيها.

وكثير من الأزمات الأسرية المتصاعدة التي تعج بها المحاكم تقع بسبب أزمات اقتصادية يتعرَّض لها رب الأسرة. 

اقرأ أيضًا: عمار علي حسن يكشف المسكوت عنه في عالم السياسة

وفي زيارة لمحكمة الأسرة بمنطقة العجوزة سألنا أحد موظفي المحكمة، رفض ذكر اسمه، عن أكثر أسباب المشكلات الزوجية فقال:

أولًا: الأزمات الاقتصادية "كل يوم عشرات المشكلات عشان الاحتياجات الأساسية في البيت الأب مش قادر يوفرها، وبيشتغل شغلانة واتنين وبرضه مش قادر يسد على بيته ولا يشوف عياله ويربيهم".

ثانيًا: "النت والفيس بوك"، والخيانات والشكوك أصبحت منتشرة بسببهم، وكل يوم في زيادة وخلوا الزوجات مُتطلعة لحياة المسلسلات.

وفي لقاء تليفزيوني مع الدكتورة هويدا الدمرداش، أكدت أن التعطش للحب أول الأمور التي تؤدي لمشكلات بين الطرفين، وعدم التعبيرعن المشاعر في الأسرة يؤدي إلى تجمد المشاعر والوصول للإهمال الأسري، كما أضافت أن التسلط في الحب يؤدي إلى ظهور المشكلات بين الطرفين، والتدخل المبالغ فيه وعدم ترك مساحة شخصية وحرية في اتخاذ القرارات يؤدي كذلك إلى صراع أسري قد يؤدي لإنهاء العلاقة.

اقرأ أيضًا: ثقافة الجيزة تعلن استمرار تدريبات ورشة ”أبدأ حلمك”