الطريق
الإثنين 29 أبريل 2024 05:55 صـ 20 شوال 1445 هـ
جريدة الطريق
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب

بين الأدب والباليه.. كيف نثمِّن الحياة كما خلقها الله؟

نشأ الرقص قبل الأدب المكتوب، لكن الأدب المكتوب سرعان ما تحوَّل إلى رقص، لأن كلا الفنين مُكمِّلٌ للآخر، ومرآةٌ له، فأحدهما يرسم المعاني ويعبِّر عن الشعور والأحاسيس ويخاطب الوجدان بالكلمات، والآخر يفعل الشيء نفسه بالحركة التي هي سر الحياة.

وكثيرة هي الأعمال التي تحوَّلت من كلمات لحركات راقصة في باليهات مشهورة أخذت ألباب الناس، وسحرت عقولهم، وأضافت إلى المعنى المكتوبة ما هو أعمق وأكثر تجسدًا وحياة، وخلَّدتها أكثر وجسَّدت معانيها أفضل ما يكون التجسيد.

على سبيل المثال باليه جيزيل الشهير، الذي قدِّم لأول مرة في 28 من يونيو 1841 في باريس بفرنسا، وعنوانه الأصلي (أطياف العذارى)، تأليف فيرنوي دوسان جورج وتيوفيل جوتيين وجان كورالي، استلهم مؤلفوه حبكته الدرامية من مقطع نثري عن أطياف ويليس، كتبه الشاعر الألماني الشهير هاينريش هاينه، وكذلك من قصيدة بعنوان "الأشباح" كتبها الروائي الروسي الكبير فيكتور هوجو.

وباليه سندريلا الشهير، الذي عُرض في 31 من نوفمبر 1945 علي مسرح البولشوي بمدينة موسكو، استوحاه مؤلفه نيقولاي فولكوف حكاية سندريلا الشعبية التي نشرت أول نسخة أوروبية أدبية للقصة في إيطاليا على يد جيامباتيستا باسيل في كتابه حكاية الحكايات في عام 1634، ثم نشرت النسخة المعروفة الآن بواسطة شارل بيرو في عام 1697، قبل أن تتاح نسخة أخرى في وقت لاحق من قبل الأخوين جريم في مجموعتهم القصصية الشعبية حكايا خرافية من ألمانيا في عام 1812.

وباليه روميو وجولييت المستلهم من رائعة الكاتب الإنجليزي الشهير شكسبير، وغيره كثير.

لكن النص المكتوب تكون لغته هي الوسيط المباشر بينه وبين قارئه وحاملة الدلالات الدرامية وإشارات التلقي، بينما عندما يجري نقله إلى وسيط آخر كالباليه، إنما تكون تلك إعادة قراءة للنص من قِبل المخرج أو مصمّم الرقصات، الكوريوجرافر، لذا يضع فيه رؤيته وخياله لما يمكن أن يصير إليه النص.

وعند تحويل النص إلى مشاهد راقصة، يتراجع النص لصالح الصورة، وتهيمن الموسيقى على الجميع، لتضفي أبعادًا خلابة وتساعد على تغيير ذهنية المتلقي وإعداده للتعاطي مع صورة مغايرة تختلف عما ألفه في تعامله السابق مع النص.

وعلى المخرج أو مصمم الرقصات، أن يهضم النص الأدبي تمامًا، ويدرس الظروف المحيطة به، والرسائل الظاهرة والباطنة به، كي يتمكن من التقاط نقاط الارتكاز فيه، ويستخلص لنفسه رؤيته التي ستحكم منتجه النهائي، وتحقق التمايز بين الأنواع المختلفة التي يمكن أن يقدم فيها النص.

بل ويمكن أن تكون للمخرج أو مصمم الرقصات إضافته للنص الأدبي، أو تغييراته وإسهاماته، بما يخدم المشهدية وطبيعة المعادل البصري الذي يسعى لخلقه، حتى إن تشابه العملان في الخطوط العريضة للقصة، لذا من العدالة التعامل مع كل صورة أو وسيط يُنقل إليه العمل الأدبي على أنه نسخة جديدة، أو إعادة قراءة للعمل، كي نُحسِن تلقّيه ونتمكن من فهم رسائله واستيعاب عطائه.

ووفقا للدكتور نبيل راغب في كتابه التذوق الفني، فإنه على مدى 4 قرون، أثبت فن الباليه أنه من أحب الأشكال المسرحية لدى الجماهير، فهو التجسيد الحي والتمثيل الأمين للأحداث الجارية والأفكار التي تشغل بال الناس من مختلف الطبقات، وقد استفاد في ذلك من كل اتجاهات الفن العالمي من رومانسية إلى انطباعية وتكعيبية وسيريالية، وغيرها، وسواء ظهرت هذه الاتجاهات في الأدب أو الموسيقى أو الفن التشكيلي، فإمكانه أن يحوي كل هذه الفنون ويُضفِّرها لتقديم مزيج ساحر يهز النفس ويثير مشاعرها.

إن العلاقة بين الأدب والباليه سوف تظل قائمة وعضوية ومتشابكة، لأنهما في النهاية تجسيد مرهف للمشاعر الإنسانية، وطبيعة العلاقات بين البشر، وإن كان لكلٍ منهما لغته الكلمات والآخر الحركات والإيماءات والنغمات، فإن غرضهما النهائي جعلنا نستمتع بالمشاعر ونثمِّن الحياة كما خلقها الله.

اقرأ أيضًا: بعد 48 عامًا على حرب أكتوبر.. هل يعرف شبابُنا عنها ما يكفي