الطريق
الإثنين 29 أبريل 2024 12:16 مـ 20 شوال 1445 هـ
جريدة الطريق
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب

قصة قصيرة… رحلة البحث عن بطة

مرَّة أعددتُ عزومة على شرف بطة، والبطة هنا أعني بها الطائر اليائس البائس أسود اللون الذي لا يستطيع الحركة إلا بالترنح يمينًا ويسارًا، سهل الإمساك به، ولكن معي لم أستطع الإمساك به بالسهولة التي كنت أتوقعها، فعند رغبتي في شراء البطة كنت أتوقع أنها موجودة عند أي فرارجي بسهولة.. من فضلك عايزة بطة.. يذبحها.. اتفضلي.. السعر كام ودمتم.

ولكن في رحلتي مع البطة كانت مختلفة، ذهبت إلى الفرارجي الذي أتعامل معه

- لو سمحت عايزة بطة.

- لا والله يا أستاذة لازم كنتي تقوليلي قبلها بكام يوم.

- ليه هي مهمة كده ولازم أحدد ميعاد قبل ما تتفضل وتقابلنا.

- لو مستعجلة قوي، ممكن أجهزها لك يوم الحد الجاي.

- لا أنا محتاجاها النهارده، أنا عندي ضيوف بُكره.

- يبقى ممكن حضرتك تروحي المنطقة اللي ورانا (دار السلام) هتلاقي أكتر من محل ممكن تلاقيي عندهم إن شاء الله.

أخذت منه الكلام وعلى الفور كنت في الطريق إلى المنطقة التي أشار إليها الرجل، وكانت بداية الرحلة، وجدت شابين يقفان على ناصية الطريق، فسألت أحدهما من فضلك: فيه حد بتاع فراخ هنا؟

فجاء الرد من أحدهما: يووووووه كلنا بتوع فراخ!

فظننت أن المنطقة شهيرة ببيع الفراخ والطيور، فقلت له:

- طيب أنا عايزة أشتري بطة.

- لا بطة دى تقيلة عليكي، خليكي في الوزة.

وأخذ يضحك هو ورفيقه.

- مش فاهمة!

- احنا عندنا كل الحاجات اللي تخليكي تطيري وتلفّي العالم وانتي مكانك يا قطة.

ففهمت قصدهم، إنهم بائعو ممنوعات!

- لا يا أفندم أنا عايزة بطة اللي بتتدبح ويتعمل عليها شوربة!

- أفندم.. وشوربة.. اهربى من هنا يا قطة.

ثم رأيت مجموعة أطفال دون سن العاشرة.

- بقول لك يا حبيبي، فيه حد هنا بيبيع بط؟

- انتى عايزة بطة؟

- آه.

- يلا ياله انت وهو نقول لها فين البطة.

ثم بدأوا وصلة غناء لا تنقطع: شيمااااااء جاجاجا شيمااااااء جاجاجا..

فتركتهم على الفور دون تفكير ودخلت شارعا مجاورا، فرأيت محلا يبيع فراخا وحماما، يقف على بابه رجل لا يبدو أنه من عمال المحل، فسألته:

- لو سمحت عايزة بطة.

فنظر إلى ثم قال:

ثواني

ثم خرجت امرأة تبدو كشوال كبير أسود اللون ممسكة بيدها سيجارة، وصوتها يبدو أنه في مرحلته الأخيرة من الاستغاثة، بسبب ما تشربه داخل تلك السجاير!

- نعمين يا مزة!

- كنت عايزة بطة من فضلك .

- أنا بطة، أأمريني.

- لا أنا عايزة بطة، الطائر اللى بيتدبح ده.

- نعم يا روح أمك، هي مين اللى تتدبح دي!

- هو حضرتك مش صاحبة محل الفراخ ده؟

- لا يا حلوة، صاحب الفراخ مش موجود، بس الصبي بتاعه واقف أهو.

- شكرًا.

دخلت المحل وسألت الولد الذي بداخله:

- لو سمحت عايزة بطة.

- بتّة؟

- لا بطة.

- آه بتَّة.

- آه، عايزة بتَّة.

- خدي بتَّة.

- آخدها كده وخلاص، طيب مش هتتدبح طيب ولا آخدها كده صاحية؟!

- لا المعلم تهه مش هنا علشان يتبحها.

- المعلم تهه ازاى؟

- المعلم تهه؟

- يعني إيه؟

- تهه.. تهه!

- آه، اسمه طه.

- أيوه تهه.

أخذت البطة في قفص يخرج منه رأسها، ومشيت بها، فإذا بها تحاول توسعة فتحة القفص لتحاول الخروج، وتتهيأ للقفز منها، ولكن على مين؟! أمسكت جيدًا بالبطة بعد إخراجها من القفص، ووضعتها تحت كتفي قابضة على جناحيها كي لا تفلت مني، وتذكرت مشهد أحمد مظهر في فيلم الأيدي الناعمة حين رآه أحد الأثرياء وقال له إيه اللي عمل فيك كده؟ وأنا اللي كنت هخطب بنتك في يوم من الأيام، وتذكرت ضيوف يوم الجمعة، فما كان من لساني إلا أن نطق كلمة (أوغاد).

وفي لحظة قفزت البطة من يدي وفرت، وأنا أجري وراءها وسط السيارات، اللعنة! أنا كان مالي وأم العزومة الزفت دي!

وإذا بالبطة المشهورة بأنها بطة، القعيدة صاحبة الحركة البطيئة، تطير من فوق سيارة إلى أخرى، وفي لحظات اختفت عن نظري!

ذهبت إلى أحد محلات السوبر ماركت الكبيرة، واشتريت بطة العبد، بعد أن أيقنت أن العزومة ستُلغى، وسأقطع علاقتي بالضيوف الأوغاد بسبب ما عانيته هذا اليوم.

والحمد لله اشتريت البطة بنجاح وذهبت إلى المنزل لتحضير الطعام والبطة هانم.

وجاء اليوم التالي، يوم العزومة، كانت السماء مُحمَّلة بالغيوم، وفي موعد الزيارة أمطرت السماء ثم زاد المطر بغزارة، وإذا برسالة تصل إلي: نأسف لم نستطع الوصول بسبب الأحوال الجوية. عذرًا.

نعم يا روح أمكم، ما حدّش هيجى يطفح، هو أنا عاملة كل ده لمين؟! لأمي؟!
ثم دق جرس الباب فجأة..

إنهم الأوغاد، كانوا يمازحونني.

اطفحوا.

للتواصل مع الكاتب

اقرأ أيضًا: «بريق النار» أحدث إصدارات الروائية أماني عطاالله بمعرض الكتاب

موضوعات متعلقة