الطريق
الأحد 28 أبريل 2024 12:31 صـ 18 شوال 1445 هـ
جريدة الطريق
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب

طاقة صبرها لم تتحمل صدمات مرض أبنائها المتتالية.. القصة الكاملة لـ«مذبحة الدقهلية»

جانب من الحادث
جانب من الحادث

عشر سنوات أفنتها الأم رفقة أبنائها الصغار لإصابتهم بمرض التوحد بدرجة متأخرة، مما جعل الحزن والقلق يسيطران عليها حتى تطور الأمر وأصيبت بمرض نفسي بسبب مشاهدتها أبنائها في حالة يرثى لها، فقررت التخلص منهم ذبحاً وإنهاء حياتها، ظناً منها أنها ستمنحهم وأجسادهم راحة من الآلام.

قبل أكثر من عشر سنوات تزوجت الفتاة صاحبة 23 عاماً حينها من شاب يدعى محمد يعمل في التدريس، وانتقلت الزوجة برفقة زوجها إلى السعودية نظراً لعمله هناك، حتى أكرمهما الله بطفلهما الأول " أحمد"، السعادة والفرح سيطرا على الأبوين فرحا بنجلهما الصغير، وبعد مرور عدة أشهر اكتشفا أن ابنهما يعاني من مرض التوحد حاول معه الأطباء كثيرةً ولكن دون جدوى حيث تجاوز عشر سنوات ولم ينطق كلمة" ماما أو بابا"، صبرا الأبوين على ذلك الاختبار الرباني، واحتسبه في ميزان حسناتهما.

وظلت الأم ترعى ابنها لليلاً ونهاراً من اجل إسعاده حتى بدء قلب الأم يتعلق به كثير على غير العادة، وتنظر إليه نظرة الحزن، حالمة بأن يصبح ابنها شخص سليم مثل باقي الأطفال حتى بدأ مرض طفلها يؤثر على حالتها النفسية.

خمس سنوات عانت خلالها الأم في رعاية ابنها المريض، حتى جاءت البشارة السارة بقدوم مولود جديد يعوضهما ويكون سنداً لها ولوالده، وبعد عدة شهور استقبل الزوجان طفلهما الثاني "أنس"، ولكن الأمر بات صعب عليهم حينما اخبرهم الأطباء، بإصابة مولدهم بنفس مرض شقيقه الأكبر، استقبلت الزوجة الخبر بالصبر والرضا بقضاء الله وقدره، وظلت ترعاهما جاهدة حتى لا يشعر زوجها أنها تتألم عندما ترى أبنائها في مثل هذه الحالة، ودائما تقف بجواره وتحثه على الصبر والرضى، لكنها أصيبت بحالة نفسية سيئة.

ظلت الزوجة برفقة زوجها في الأراضي المقدسة أكثر من عشر سنوات نظراً لعمله هناك وحرصه الدائم على تواجد زوجته وأبنائه برفقته، حتى طلبت الزوجة من زوجها العودة إلي مصر وإنجاب طفلتهما "سمية" هناك لأنها تحتاج إلى رعاية أهلها والتواجد معها لحظة الوضع نظراً لأن الولادة ستكون قيصرية، فوافق الزوج على طلبها و العودة إلى بلدتها، وبالفعل عادت الزوجة وبعد عدة أيام دخلت المستشفى ووضعت مولودتها الصغيرة، ومكثت برفقة والدتها وأسرتها في منزلهم الكائن في مركز منية النصر بالدقهلية، عرفت الزوجة المتهمة بحبها الشديد لزوجها، وكانت تحكي ذلك لزوجات أصحابه، ومن كثرة حب الزوجة لزوجها كانت إذا نام لا تتحرك في البيت خشية أن تزعجه في نومه "حسب أقوال أهل الزوجة".

مكثت الزوجة في منزل أهلها إلى ما يقرب من 4 شهور بعد أن وضعت طفلتها الثالثة "سمية"، ولكنها في تلك الفترة أصيبت باضطرابات نفسية بسبب سوء تصرف ابنائها المصابين بالتوحد وفرط حركته، وشعورها بالعجز اتجاه أبنائها وعدم قدرتها على إسعادهم، تحسين حالته واعتقدت أنها سبب في ذلك وراثيا، مما جعلها تدخل في حالة نفسية سيئة، قررت خلالها التخلص من ابنائها وانهاء حياتها حتى تريحهم من ألم المرض وتنهي حياتها، وبالفعل استلت الام سلاح أبيض"سكينة" وبدأت في قتل ابنها الأكبر "أحمد" صاحب الـ9 سنوات"، ومن ثم ذبح نجلها الثاني "أنس" البالغ من العمر 5 سنوات"، حتى انتهت إلى إنهاء حيات رضيعتها "سمية" صاحبت الـ4 شهور.

تركت الأم جثث أبنائها الثلاثة داخل غرفتهم الصغيرة، وغادرت المنزل تبحث عن طريقة للتخلص من حياتها وأثناء سيرها في الشارع، لحظت قدوم جرار زراعي فقامت بإلقاء نفسها أمامه، ولكن القدر جعلها تواجه جريمتها الشنعاء التي ستظل عالقةً في ذاكرتها حتى أخر العمر، وأصيب بأصابات بالغة نقلت على إثرها إلى المستشفى لتلقي العلاج اللازم.

وكانت قد تلقت النيابة العامة إخطارًا في يوم الثلاثين من شهر مايو الجاري بدخول سيدة مجهولة الهُويّة إلى المستشفى مصابة بجروح وتمزقات بالأوعية الدموية وغائبة عن الوعي لتعرضها لحادث سير، ثم تلقت النيابة العامة إخطارًا آخرَ بعد فحص الشرطة آلات المراقبة بمحيط الواقعة يفيد اصطدام المجني عليها بجرَّار زراعيّ، وأن قائد الجرار قرَّر إلقاءَ السيدة نفسَها أسفله حال سيرِه مما أدّى لحدوث إصابتها، وبالتزامن مع ذلك رصدت وحدة الرصد والتحليل بإدارة البيان بمكتب النائب العام منشورات وأخبارًا حول الواقعة مفادها انتحار السيدة بعد قتلها أبناءَها الثلاثة، وعلى ذلك باشرت النيابة العامة التحقيقات.

حيث انتقلت إلى المستشفى والتقطت صورًا للسيدة المصابة لاتخاذ إجراءات تحديد هُويتها لحين إفاقتها، وكذا انتقلت إلى مسرح الحادث لمعاينته فعثرت على إحدى آلات المراقبة المطلّة على الموقع والتي سجلت لحظة إلقاء السيدة بنفسها أسفل الجرار حال سيره في الطريق، فسقطت وحدثت إصابتها، وسألت النيابة العامة ثلاثة شهود على الواقعة أكدوا إلقاءَ السيدة بنفسها أسفل الجرار، وأن قائده حاول تفاديها، وتوقف مباشرة عقب وقوع الحادث.

وخلال اتخاذ النيابة العامة تلك الإجراءات تلقت إخطارًا آخر من الشرطة بالتوصل لتحديد هوية المصابة ومحل إقامتها، وأنه عُثر بمسكنها على جثامين ثلاثة أطفال أشقاء مصابين جميعًا بإصاباتٍ ذَبحيَّةٍ بالرقبة، فانتقلت النيابة العامة لمعاينة المسكن فعثرت على آثار دماء بأنحاء متفرقة به، وكذلك عثرت على ورقةٍ مُدوَّن عليها بخط اليد عبارات تُفيد أن مَن كتبها قد أقرَّ ضمنًا بقتل الأطفال الثلاثة، كما عثرت النيابة العامة على هاتف محمول ومضبوطات أخرى أمرت بالتحفظ عليها، وكذا ناظرت جثامين الأطفال الثلاثة وما بها من إصابات، وعثرت جوارها على سكين ملطخ بالدماء أمرت بالتحفظ عليه وفحصه.

وعلى ذلك تتبعت النيابة العامة خط السير المحتمل للسيدة من محلّ سكنها وصولًا لموقع الحادث لمعاينته وفحص آلات المراقبة به، وسألت النيابة العامة جدة الأطفال الثلاثة والتي اتهمت زوجة ابنها -السيدة المصابة- بقتل أبنائها، وسألت النيابة العامة شهودًا من الجيران منهم أحد أقارب زوج المصابة، والذين شهدوا بسماعهم صراخَ استغاثة من مسكن جدة الأطفال الثلاثة، وباستطلاعهم الأمر أخبرتهم الجدةُ بعثورها على جثامين الأطفال الثلاثة ملقاة بمسكن ابنها وبها جروح ذَبحية، مؤكدين اتهامهم السيدة المصابة بقتل أبنائها.

وفي أعقاب إخطار النيابة العامة بإفاقة المصابة، وإمكانية إجابتها كتابةً على ما يُوجّه إليها من أسئلة، انتقلت النيابة العامة إليها لسؤالها حيث أقرّت كتابةً في ورقاتٍ دَوّنتها بارتكابها واقعة قتل أبنائها الثلاثة، موضحة أنها -بالرغم من استقرار معيشتها وتمتعها بحياة جيدة- انتابها اكتئابٌ شديد عقب ولادتها طفلها الأخير، مما دفعها للتفكير في إزهاق روحها وأرواحهم، ولذلك تحينت فرصة انفردت خلالها بالأطفال الثلاثة واستلت سكينًا قتلتهم به ذبحًا، وحاولت إزهاق روحها به بعد ذلك فلم تفلح، فسارت بالطريق العام حتى رأت الجرار الزراعيّ فألقت بنفسها أسفله.

وعلى هذا أمرت النيابة العامة بعرض المتهمة لاستجوابها فورَ تماثلها للشفاء، وجارٍ استكمال التحقيقات.