الطريق
الإثنين 10 فبراير 2025 03:37 مـ 12 شعبان 1446 هـ
جريدة الطريق
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب

محمد دياب يكتب: سوريا بعد الأسد.. مشهد غامض ومستقبل مجهول

مع سقوط نظام بشار الأسد الذي حكم سوريا أكثر من خمسة عقود تدخل البلاد مرحلة غامضة تحمل في طياتها تغييرات عميقة ومصيرية. الانسحابات المفاجئة للجيش والقوى الداعمة والمفاوضات السرية التي أبرمت خلف الكواليس تشير جميعها إلى ترتيبات دولية غير معلنة تهدف إلى إعادة تشكيل المشهد السياسي والجغرافي للمنطقة

اختفى الأسد عن المشهد بعد أن تخلى عنه داعموه التقليديون ليظهر أحمد الشرع المعروف باسم "أبو محمد الجولاني" في دور سياسي جديد. هذا الرجل الذي كان يُعرف كزعيم إرهابي أصبح يُعاد تقديمه الآن كرمز للمرحلة المقبلة متخلياً عن ألقابه الحركية ليتحدث باسم سياسي يطمح لقيادة مرحلة انتقالية. تأتي هذه الخطوة بعد حملة إعلامية منظمة شملت دعوات للانشقاق عن النظام وطمأنة الشعب السوري بأنهم في أمان، مع التركيز على إطلاق سراح السجناء في المناطق التي تسيطر عليها حركته مما ساهم في ترسيخ صورة "المحرر" لدى قطاعات واسعة من الشعب

في المقابل قدم رئيس الوزراء السوري محمد غازي الجلالي نموذجاً مختلفاً تماماً حيث قرر البقاء في دمشق ورفض مغادرتها مؤكداً أن سوريا وطنه الذي لا يعرف غيره. دعا الجلالي إلى نقل منظم للسلطة مع الحفاظ على مؤسسات الدولة ومقدراتها مشددًا على أن المرحلة القادمة تتطلب الحكمة والتعاون بين جميع الأطراف لتجنب الفوضى وضمان حقوق الشعب.

ورغم هذه المحاولات تبدو التحديات التي تواجه سوريا هائلة ومعقدة. فالمرحلة الانتقالية ليست مجرد انتقال للسلطة بل اختبار حقيقي لقدرة القوى السياسية والمجتمعية على تجاوز الانقسامات العميقة التي خلفتها سنوات الصراع. تواجد قوى دولية وإقليمية على الأرض السورية مثل روسيا وأمريكا وتركيا وإيران يزيد من تعقيد المشهد خاصة مع تضارب مصالح هذه الأطراف التي تسعى كل منها لتأمين نفوذها في المنطقة، إلى جانب ذلك تواجه سوريا أسئلة مصيرية تتعلق بوحدة أراضيها ومستقبل مؤسساتها. هل سيتمكن القادمون إلى الحكم من بناء حكومة موحدة تُرضي كافة الأطراف وتحافظ على وحدة البلاد؟ أم أن الصراعات الداخلية المدفوعة بتدخلات خارجية ستؤدي إلى تقسيم سوريا إلى دويلات متصارعة؟ هذا السيناريو المخيف يعيد إلى الأذهان تجارب دول أخرى في المنطقة حيث أدت التحولات المفاجئة إلى انهيارات طويلة الأمد.

إعادة رسم خريطة المشرق العربي يبدو جزءًا من لعبة كبرى تتحكم فيها القوى الدولية. فالحديث عن تقسيم الدول وخلق مناطق نفوذ جديدة وتأمين مسارات التجارة العالمية كلها عوامل تشير إلى أن سوريا أصبحت نقطة ارتكاز لصراعات أوسع نطاقًا.

وفي ظل هذا المشهد الملبد بالغيوم يبقى الشعب السوري هو المتضرر الأكبر ما بين معاناة سنوات الحرب وآمال ضعيفة في مستقبل أفضل. تبدو الأسئلة أكثر من الإجابات: كيف يمكن بناء سلطة مستقلة في ظل هذا الكم من التدخلات؟ وهل سيتمكن السوريون من تجاوز انقساماتهم وصراعاتهم الداخلية أم أن الطريق سيكون محفوفاً بالمزيد من المعاناة؟.

والسؤال الأهم: هل يمكن أن تكون هذه التحولات بداية لنهضة جديدة تعيد لسوريا مكانتها أم أن الفوضى ستبقى عنواناً للمشهد؟ الأيام وحدها كفيلة بالكشف عن الإجابة لكنها بلا شك تحمل لسوريا والمنطقة تحديات ومفاجآت قد تغير وجه التاريخ.

حفظ الله سوريا وشعوبنا العربية
حفظ الله مصر