الطريق
الأربعاء 22 يناير 2025 10:20 صـ 23 رجب 1446 هـ
جريدة الطريق
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب

الدكتور أحمد النجدي يكتب: الذكاء الاصطناعي في السياسة المصرية.. فرص وتحديات

الدكتور أحمد النجدي
الدكتور أحمد النجدي

يشهد العالم في الأونة الأخيرة تحولات تقنية سريعة، حيث بات الذكاء الاصطناعي جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية. كما بات لزامًا على الأحزاب السياسية في مصر، كغيرها من الأحزاب حول العالم، أن تستفيد من هذه التقنية المتطورة لتعزيز حضورها السياسي وفاعليتها. في هذه المقالة، سنستعرض الفوائد المحتملة للذكاء الاصطناعي في الساحة السياسية المصرية، مع تسليط الضوء على التحديات القانونية والأخلاقية والتقنية التي تواجه هذا المجال، مع التركيز على قضية التحليل الضخم للبيانات وإنشاء المحتوى والتفاعل مع الناخبين.

1- التحليل الضخم للبيانات: مفتاح فهم الناخبين

يمثل التحليل الضخم للبيانات أحد أهم تطبيقات الذكاء الاصطناعي في المجال السياسي. فمن خلال جمع وتحليل كميات هائلة من البيانات المتعلقة بالناخبين، يمكن للأحزاب السياسية بواسطة الذكاء الاصطناعي عمل يلي:

  • تحديد الاتجاهات الانتخابية: يمكن تحليل منشورات وسائل التواصل الاجتماعي، والتعليقات، والمقالات الإخبارية، لتحديد القضايا التي تشغل بال الناخبين والاتجاهات السائدة في الرأي العام. وبالتالي يمكن لمعدي سياسات الحزب إعداد سياسات تتناسب مع طموحات الناخبين.
  • توقّع سلوك الناخبين: باستخدام خوارزميات التعلم الآلي، يمكن للأحزاب بناء نماذج تتنبأ بكيفية تصويت الأفراد بناءً على مجموعة متنوعة من العوامل، مثل الديموغرافية والانتماءات الحزبية السابقة والمواقف السياسية. كما يمكن لتلك الخوارزميات توقع نتائج تصويت دائرة معينة استنادا إلي نتائج الإنتخابات المحلية التي تجري داخل تلك الدائرة, سواء أكانت انتخابات نوادي ونقابات أو مراكز شباب أو جمعيات أهلية أو غيرهم.
  • تحديد شرائح الناخبين المستهدفة: بناءا علي ما سبق, يمكن للذكاء الاصطناعي تحديد شرائح الناخبين الأكثر استجابة لرسائل معينة، مما يسمح للأحزاب بتصميم حملات انتخابية أكثر استهدافًا وفعالية.

2- إنشاء المحتوى: رسائل مخصصة لكل ناخب

يمكن للذكاء الاصطناعي أن يلعب دورًا حاسمًا في إنشاء محتوى مخصص لكل ناخب، مما يزيد من فرص الوصول إليه وإقناعه. فمن خلال تحليل بيانات الناخب الفردي، يمكن للأحزاب توليد محتوى مكتوب ومسموع ومرئي يتماشى مع اهتماماته وقيمه. ويمكن تفصيل ذلك فيما يلي:

  • كتابة المحتوى: يمكن للنماذج اللغوية الكبيرة توليد محتوى مكتوب، مثل المنشورات على وسائل التواصل الاجتماعي والمقالات الصحفية، بشكل آلي.
  • إنشاء المحتوى المرئي: يمكن للذكاء الاصطناعي إنشاء مقاطع فيديو قصيرة ومناسبة للمشاركة على وسائل التواصل الاجتماعي، مع إمكانية تخصيصها لكل ناخب.
  • التحليل الصوتي: يمكن للذكاء الاصطناعي تحليل الصوت لتحديد المشاعر والعواطف، مما يمكن الأحزاب من ضبط رسائلها بشكل أفضل.

3- التفاعل مع الناخبين: حوارات آلية ذكية

يمكن للذكاء الاصطناعي تسهيل التفاعل بين الأحزاب والناخبين من خلال:

  • الشات بوتس: يمكن للروبوتات الدردشة التفاعل مع الناخبين بشكل فوري، الإجابة على أسئلتهم، وتقديم المعلومات ذات الصلة بشكل دقيق جدا.
  • مساعدات افتراضية: يمكن للذكاء الاصطناعي توفير مساعدة افتراضية للناخبين، مثل المساعدة في التسجيل للتصويت أو العثور على مكان الاقتراع.
  • تحليل ردود الفعل: يمكن للذكاء الاصطناعي تحليل ردود فعل الناخبين على المحتوى الذي تقدمه الأحزاب، مما يسمح للأحزاب بتعديل استراتيجياتها وفقًا لذلك.

التحديات: بين الفوائد والمخاطر

على الرغم من الفوائد العديدة للذكاء الاصطناعي في المجال السياسي، إلا أنه يطرح أيضًا مجموعة من التحديات، منها:

  • الخصوصية: جمع وتحليل البيانات الشخصية للناخبين يثير مخاوف بشأن الخصوصية وأمن البيانات.
  • التلاعب بالرأي العام: يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي لنشر معلومات مضللة والتلاعب بالرأي العام، كما حدث في فضيحة كامبريدج أناليتيكا. الفضيحة لمن لا يعرف هي فضيحة سياسيّة كُبرى تفجّرت في أوائل عام 2018 عندما تم الكشف عن أنّ شركة كامبريدج أناليتيكا قد جمعت «بيانات شخصية» حولَ ملايين الأشخاص على موقع فيسبوك من دون موافقتهم قبل أن تستخدمها لأغراض «الدعاية السياسية». وُصفت الفضيحة من قِبل الكثيرين على أنها «لحظة فاصلة» في الفهم العام للبيانات الشخصية كما أدّت إلى حدوث هبوطٍ كبيرٍ في سعرِ أسهم شركة فيسبوك العالميّة فيما دعا آخرون إلى تنظيمٍ أكثر صرامة لاستخدام شركات التكنولوجيا للبيانات الشخصية.
  • عدم المساواة: قد يؤدي استخدام الذكاء الاصطناعي إلى زيادة الفجوة بين الأحزاب الكبيرة والأحزاب الصغيرة حيث ستلجأ الأحزاب الكبيرة إلي استعمال نماذج لغوية وحركية أكثر تطورا غير مجانية بسبب قدرة تلك الأحزاب علي دفع نفقات استخدام تلك النماذج عكس الأحزاب الصغيرة، مما يهدد التعددية السياسية.
  • عدم وضوح القوانين المصرية: لا يوجد حتي الآن تشريع واضح علي غرار التشريعات في الإتحاد الأوروبي أو الولايات المتحدة الأمريكية تنظم عملية استخدام بيانات الناخبين أو استخدام الذكاء الاصطناعي في عمليات التحليل والدعاية الانتخابية.
  • عدم اتاحة نتائج الانتخابات المحلية والبرلمانية: عدم نشر النتائج التفصيلية للانتخابات المحلية والبرلمانية يمنع الأحزاب كبيرة أو صغيرة من تقديم سياسات أفضل للمواطن وللحكومة المصرية.

يعد الذكاء الاصطناعي أداة قوية يمكن أن تحدث ثورة في الطريقة التي تمارس بها السياسة. ومع ذلك، يجب على صناع القرار والمواطنين على حد سواء أن يكونوا على دراية بالتحديات التي يطرحها هذا التطور التكنولوجي، وأن يعملوا على وضع إطار قانوني وأخلاقي مناسب لضمان استخدامه بشكل مسؤول وشفاف.

بقلم الدكتور أحمد النجدي

مساعد الأمين العام لحزب أبناء مصر