محمد دياب يكتب: حين فقدت محفظتي فوجدت الإنسانية

أنا أعمل في مدينة الغردقة وهي مدينة سياحية مليئة بالحياة والحركة. كعادتي كل يوم أتنقل بين أحياء المدينة لإنجاز مهام عملي لكن في ذلك اليوم لم يكن مجرد يوم عادي بل كان يوماً علّمني درساً لن أنساه أبداً
كنت أستقل سيارة أجرة من الدهار إلى غرفة السياحة ولكن السائق قرر إنزالنا في منطقة شيري واستكمال الطريق بسيارة أخرى. لم أكن أعلم أن هذه اللحظة ستغير يومي بالكامل
عند نزولي اكتشفت أن محفظتي ليست معي! شعرت بقلق شديد وبدأت أبحث في جيوب ملابسي لكن دون جدوى. لم تكن مجرد محفظة بل كانت تحتوي على كل أوراقي الشخصية من بطاقة شخصيه ورخصة قيادة إلى الكارنيهات المهمة. شعرت بأنني في مأزق حقيقي
دخلت الغرفة مستاءً لإنهاء التصاريح الخاصة بالعمل وهناك التقيت بصديقي إسلام الذي عرفتُه مؤخراً. عندما رأى توتري لم يتردد لحظة بل أعطاني المبلغ المالي اللازم لإنهاء التصاريح ولم يتركني وحدي في هذا الموقف الصعب. بعد إنهاء الإجراءات أصر على أن يصحبني بنفسه عبر سيارة أجرة إلى المكان الذي أريده حتى لا أجد نفسي في مأزق آخر
بعد إنهاء التصاريح بدأنا رحلة البحث عن المحفظة. خرجنا وسألنا بواب العمارة الذي كان يجلس بجواره الأستاذ مصطفى أحد السكان هناك. وعندما علم بقصتي سألني إن كنت أذكر شكل الميكروباص أو السائق لكن للأسف لم أستطع تذكر أي تفاصيل. عندها نهض من مجلسه دون تردد وأصرّ على مساعدتي
قادني بسيارته الخاصة بسرعة إلى نقطة تجمع السائقين في منطقة الكوثر وهناك بدأنا في البحث. سألتُ بعض السائقين عما إذا كانوا قد وجدوا محفظة لكن الرد كان واحداً: "يعوض عليك ربنا"
شعرت بالإحباط لكن لم يكن أمامي سوى العودة مجدداً إلى الغرفة لأخذ التصاريح. أثناء ذلك خطرت لي فكرة أخرى. اتصلت بصديقي في العمل محمد سعيد وطلبت منه الذهاب إلى موقف الدهار والتحدث مع السائقين هناك لعل أحدهم وجد المحفظة. لم يتردد محمد لحظة وانطلق فوراً إلى الموقف لمحاولة البحث عن أي أثر لها
وهنا حدث ما لم أتوقعه
بينما كان محمد يسأل السائقين قاطعه أحدهم قائلًا: "يا جماعة كان في واحد هنا من شوية بيقول إنه لقى محفظة!"
في تلك اللحظة كنت قد أنهيت أوراقي ووصلت إلى الموقف. سألنا عن الرجل الذي وجد المحفظة وتمكنّا من الحصول على رقم هاتفه. على الفور اتصلت به فجاء صوته عبر الهاتف هادئاً مطمئنًا وهو يقول لي جملة واحدة لن أنساها أبدًا
"يا ابني الدنيا لسه بخير"
كان الرجل ربما في الخمسينيات من عمره وصوته حمل دفئاً جعلني أشعر أنني لم أفقد شيئاً بل ربحت درساً عظيماً
رغم القلق والتوتر الذي عشته انتهى اليوم برسالة أقوى من أي شيء آخر: الخير لا يزال موجوداً بيننا. رأيت هذا الخير في إسلام الذي لم يتركني وساندني مادياً ومعنوياً وفي الاستاذ مصطفى الذى لم يكن يعرفنى على الاطلاق لكنه تصرف وكأننى واحداً من اهله وفي محمد سعيد بحرصه على مساعدتي وفي الرجل الذي وجد محفظتي وأعادها إليّ دون أي مقابل سوى أن يُذكرني بأن
"الدنيا لسه بخير"