الطريق
الخميس 9 مايو 2024 06:14 صـ 1 ذو القعدة 1445 هـ
جريدة الطريق
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب

في ذكرى وفاة ”الشيخ المعلم”.. محمود خليل الحصري أول من رتل القرآن في الأمم المتحدة والكونجرس

الشيخ محمود خليل الحصري
الشيخ محمود خليل الحصري
تمر اليوم الذكرى الـ 39 على رحيل الرجل الذي عاش في قلب القرآن بروحه ووجدانه، فنقل صوته معاني آياته بسهولة ويسر، إنه الشيخ محمود خليل الحصري، ابن قرية شبرا النملة الذي امتلك عبقرية خالصة في علوم تجويد القرآن، وأول من سجله مرتلا بصوته، وصاحب المصحف المعلم الذي علق في آذان كل من سمعه صغيرا أو كبيرا.
رؤيا عنقود العنب
قبل ميلاد الشيخ الحصري رأى والده في المنام أنه ينزل من ظهره عنقود من العنب يأكل منه الناس فيستمعون ويقولون "الله الله"، فذهب لشيخ المسجد سائلا إيه تفسير ذلك، ليبشره الرجل بطفل صالح ينتفع الناس بعلمه ويستمتعون بما يقدمه، ثم رزقه الله بعد ذلك بطفل نابغة.
دخل الكتاب وهو في سن 4 سنوات، ثم انتهى من حفظ القرآن الكريم في العاشرة من عمره، قبل أن يذهب إلى المسجد الأحمدي بطنطا ليتزود بالعلوم الدينية والشرعية، ثم يلتحق بالأزهر ويتفرغ لدراسة علوم القرآن وحفظ القراءات العشر، ولأنه يمتلك صوتا ربانيا وقدرة خارقة على الغوص في قلب كتاب الله الكريم، احتل المرتبة الأولى بين المتقدمين للالتحاق بالإذاعة المصرية عام 1944، لينطلق صوته من ميكروفونها للعالم أجمع.
خبرة في فنون القراءة
"إن الترتيل يجسد المفردات تجسيدا حيا.. وإننا عند الترتيل نكون في مواجهة النص القرآني، مواجهة عقلانية محضة تضع المستمع أمام شعور بالمسؤولية"، تلك هي كلمات الشيخ محمود خليل الحصري الذي ذاع صيته في العالم أجمع، كونه الأكثر خبرة بفنون القراءة، إضافة لتمتعه بالمتانة في الصوت وإجادة حسن المخارج ومقادير المدود والغُنات، ومراتب التفخيم والترقيق وتوفِية الحركات، كما اهتم بالوقف والابتداء حسبما رسمه علماء القراءات.
وصية الشيخ الحصري
عشق الشيخ محمود خليل الحصري القرآن الكريم، ولذلك أكرم وأجلّ كل من يحفظه، لدرجه أنه رحمه الله خصص مكانا خاصا للجنة مراجعة المصاحف في منزله، وكان يجعل سائقه الخاص يوصلهم لبيوتهم بسيارته، لا لشيء سوى أنهم من حفاظ كتاب الله، كما أوصى بثلث ما ترك من ثروته للصرف على المساجد وتخصيص مكافآت لحفاظ القرآن الكريم، إضافة للإنفاق على الفقراء، وأوصى أيضا أن تقوم وزارة الأوقاف بتنفيذ تلك الوصية.
كيف علم الحصري أولاده القرآن؟
حرص الشيخ الراحل على حفظ أولاده لكتاب الله جعله يتبع معهم طريقة مميزة ليشجعهم على ذلك، فكان يعطيهم المصروف على حسب حفظ كل منهم، فيأخذ الواحد قرشا عن كل سطر يحفظه، وعشرة جنيهات عن كل جزء، وكانت الإجازة بالنسبة لهم عبارة عن أسبوعين فقط للفسحة، أما باقي الفترة فكانت لحفظ القرآن الكريم من الصباح وحتى بعد صلاة العصر، ورغم كثرة ترحال الشيخ، إلا أنه كان يحرص عند عودته على اختبار أولاده فيما حفظوه، ثم يعطيهم المكافآت السخية تشجيعا لهم.
الحصري في الكونجرس
عمل الشيخ الجليل شيخا لعموم المقارئ المصرية بناء على قرار جمهوري صدر عام 1960، ومستشارا فنيا لشئون القرآن الكريم بوزارة الأوقاف، ثم قضى بعد ذلك وقتا كبيرا من حياته في السفر والترحال بين بلدان العالم الإسلامي وغير الإسلامي، لينير قلوب الناس بكلام الله تعالى، فقد أسلم على يديه في فرنسا عشرة مواطنين بعد سماعهم القرآن منه، وفي أمريكا لقن الشهادة لثمانية عشر شخصا، ولا ننسى أنه أول من رتل القرآن الكريم في الكونجرس الأمريكي والأمم المتحدة عام 1977.
الحصري أول من سجل القرآن مرتلا
كان الشيخ محمود خليل الحصري هو أول من سجل القرآن الكريم مرتلا عام 1961 برواية حفص، وذاع صيته في العالم أجمع حتى أن هناك عدة دول طلبت من مصر وقتها تسجيل القرآن الكريم بالقراءات التي تلون بها، فسجل الحصري القرآن للمغرب الشقيق برواية ورش، وللسودان وإفريقيا برواية الدوري عن أبي عمر، ثم لتونس وموريتانيا وليبيا برواية قالون عن نافع، قبل تطلب منه وزارة التربية والتعليم تسجيل المصحف المعلم الذي كان هو أيضا أول من سجله، وهو الذي تربى معظمنا عليه، ثم سجل المصحف بطريقة التجويد، وكان آخر ما سجله هو المصحف المفسر أو "مصحف الوعظ".
مشوار حافل ورحيل بعد صلاة العشاء
بدأ الشيخ الحصري العمل في قريته ثم في البلاد المجاورة ثم عينته وزارة الأوقاف سنة 1950 قارئا بالمسجد الأحمدي في طنطا، ثم قارئا في المسجد الحسيني سنة 1955، وعين وكيلا لمشيخة المقارئ سنة 1957، قبل أن يتم تعيينه شيخا للمقارئ المصرية خلفا للشيخ علي الضباع.
تلقى الشيخ المعلم القراءات السبع على يد الشيخين إبراهيم سلام، وعلي محمد الضباع، كما تتلمذ على يد الشيخ عبدالفتاح القاضي شيخ معهد القراءات وقتها، ورئيس لجنة تصحيح المصاحف بعد ذلك.
لم يكتف محمود خليل الحصري بتسجيل القرآن فقط، فألف العديد من الكتب، منها "أحكام القرآن الكريم، وأحسن الأثر في تاريخ القراء الأربعة عشر، ومعالم الاهتداء إلى معرفة الوقف والابتداء" وغيرها من المؤلفات القيمة، ليترك لنا الرجل تراثا قرآنيا وعلميا خالدا، ويرحل عن دنيانا بعد أداء صلاة العشاء في الرابع والعشرين من نوفمبر عام 1980، لنحسبه عند الله من المكرمين الذي قال عنهم رسوله الكريم في حديثه الذي روى الترمذي عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، وجاء فيه (يقال لقارئ القرآن اقرأ ورتل وارتق كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية كنت تقرؤها).