الطريق
الجمعة 3 مايو 2024 01:26 صـ 23 شوال 1445 هـ
جريدة الطريق
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب

زمن الكوليرا.. كيف واجهت مصر ”الشّوطة” ودور ”الطباشير” في الأزمة.. باحث تاريخي يجيب (حوار)

الكوليرا
الكوليرا

لم تكن الكورونا أول وباء يضرب البلاد، فلم تمر على مصر 50 عاما إلا وضربها وباء جديد، هدد أرواح المواطنين، وأحدث حالة من الخوف، وإعلان حالة الطوارئ داخل أروقة المحافظات، ففي عام 1947 فوجئ الأطباء بوباء قاتل، لتبدأ رحلة المعاناة مع "الكوليرا"، التي ختمت بطابع الحزن على أسر مصر، وأزهقت الأرواح، تواصل الطريق مع الباحث التاريخي أيمن عثمان للوقوف على تفاصيل تعامل مصر مع وباء الكوليرا.

- في البداية.. متى دخلت الكوليرا إلى مصر؟

دخلت الكوليرا إلى مصر في يوم 25 سبتمبر عام 1947، فعندما استعد الدكتور إبراهيم حسن مدير مستشفى حميات العباسية للدخول من باب المستشفى فوجئ بزميل له بيستقبله بجملة "الكوليرا وصلت المستشفى" وبالطبع جملة مثل التي قيلت لا تبشر إلا بسيناريوهات مخيفة، فلن يخلف ورائه إلا الموت والدمار.

- كيف تعامل مستشفى حميات العباسية مع الأمر؟

بعدما تم اكتشاف أول حالة مرض كوليرا في مصر تحرك الدكتور إبراهيم حسن إلى داخل جناح العزل لاكتشاف الأمر، وبعد إجراء الكشف على المريض المسجل في سجلات المستشفى برقم 6937، تأكد من دخول المرض المشؤوم إلى مصر، فأجرى احتياطات في المستشفى لرفع حالة الطوارئ فى الحميات، وتم تعليق لافتات "لا راحة ولا سكون"، وامتدت الطوارئ لكل مستشفيات مصر "حكومية وخاصة وخدمية وأهلية".

- ماهي جنسية المريض رقم ١ المصاب بالكوليرا وكيف انتقلت له؟

أجرى الأطباء حوارًا مع المريض 6937، وكان مصريا لمعرفة سبب انتقال الكوليرا له، فعرفوا أنه يعمل فى معسكر إنجليزى، ومن هنا علم الأطباء سبب انتقال المرض، فقد كان الإنجليز يوجد بينهم جنود من كل جنس ووقتها كانت الكوليرا انتشرت في بنجاب بالهند، وتسببت في دمار للمكان، من حيث الأرواح والوضع الصحي.

ولم تكن تلك الوسيلة الوحيدة لانتقالها، حيث كانت مصر تخرج المحمل الخاص بالكعبة، والمحمل هو كسوة الكعبة، ومصر كانت تخرجها منذ بداية الدولة الأيوبية، وكان يأتي كل الحجاج إلى مصر من أفريقيا وينتظرون في الحسين، ثم يخرج المحمل على جمل ومعه الحجاج، وكان في الحج مواطنون من الهند، وذلك أيضا ساهم في نقل المرض.

- كم من الوقت اخذت الكوليرا لتضرب باقي محافظات مصر؟

لم تحتج لأكثر من أسبوع، أسبوع واحد فقط كان كافيا لانتشارها في الشرقية والقليوبية والقاهرة بعد أقل من أسبوع من اكتشافها، لتعلن حالة الطوارئ في البلاد بالبقاء داخل المنازل، وإعلان الحجر الصحي.

كيف تم إعلان الحجر الصحي وقت انتشار الكوليرا؟
تم الإعلان عن المرض والتعامل معه وضرورة البقاء في المنزل عن طريق لافتات تعليمات صحية تم توزيعها فى كل مكان، كتب عليها "الزموا بيوتكم.. ممنوع منعا باتا السلام باليد.. ممنوع منعا باتا البصق على الأرض.. ممنوع استخدام سماعة التليفون العام.. بلغوا عن مرضاكم.. ممنوع التنقل من مكان لمكان"، ولأن المواطنين لم يلتزموا حدث ما لا يحمد عقباه، وانتشر المرض مخلفا وراءه عددا كبيرا من الضحايا.

- ما الإجراءات التي اتخذتها المؤسسات لمنع انتشار الكوليرا بين المواطنين؟

على الفور أصدرت الحكومة قرارات بتأجيل الدراسة في المقام الأول، وبعدها بإغلاق دور العبادة ومنع الحج، ولم تكن تلك المرة الأولى التي يلغى فيها مناسك الحج، فقد ألغى حسين باشا رشدى الحج والاحتفال بعيد الأضحى بسبب نكبة نقص الغذاء بعد تبعيات الحرب العالمية الأولى، لكن كل تلك القرارات لم توقف الوباء فى الزحف وتصدر العناوين الأولى لصفحات الجرائد أعداد الوفيات فى كل محافظة.

- كيف تعاملت وزارة الصحة مع الأمر؟

في أكتوبر عام 1947 اجتمعت غرفة عمليات وكان على رأسها رئيس الوزراء، النقراشى باشا ووزير الصحة نجيب اسكندر، وأثناء النقاش أعطى النقراشى وزير الصحة صلاحيات كثيرة سياسية وتنفيذية بما يراه مناسبا للتخلص من ذلك الوباء.

وفورا أصدر نجيب باشا قرار حظر تجوال، على أن يكون بين المحافظات إلا بأمر كتابى صادر منه، كما أمر قوات الشرطة والجيش بالوقوف على كل مداخل ومخارج المدن والمحافظات، لإحكام السيطرة عليها، وخرج طالبا من الناس التبليغ عن الحالة المشكوك فيها خلال أول 24 ساعة من معاناته، ولأن الناس كانت تخفي المرضى وصل الأمر لتفتيش المنازل.

- كيف تعامل الناس مع المرض منذ الإعلان عنه وحتى انتشاره في المحافظات؟

في بداية الأزمة واجه الناس خبر انتشار المرض بالاستهتار، لذا انتشر بسرعة البرق في الأنحاء المصرية، كما ظهر الخوف من العزل الصحى فكان يتم إخفاء المرضى، كما ظهر ضد أغنياء الحرب.. حيث حصدوا الأموال تحت مظلة حرب، وقال عليهم النقراشى باشا فى أزمة وباء 47 "الجشع أكثر فتكا بالمصريين من الكوليرا".

- كيف تعامل رجال الإسعاف مع مرضى الكوليرا؟

نشأ رجال الإسعاف لنقل المصابين من الخناقات والمشاكل، لكنهم أصبحوا رمز للأمراض، لأنهم نقلوا مصابين الكوليرا للمستشفيات، فكان اسمهم "بتوع الشوطة"، ودخولهم في أي شارع بمثابة كارثة تهدد حياة سكانه، لذا كانوا يلقون عليهم الحجارة.

- هل تفاعل العالم مع دخول الكوليرا لمصر؟

بالطبع، فقد كان الناس خائفين من الكوليرا بالداخل والخارج، لأن مصر بلد سياحي، وفيها من كل الجنسيات، وكانت تلك بمثابة كارثة قد تطيح بالعالم.

- كيف كان يعلم الناس المنزل الذي قد يكون فيه عدوى؟

كانت وزارة الصحة بالتعاون مع القوات من الجيش والشرطة تفتش المنازل، وكل من تظهر عليه الأعراض يأخذوه إلى المستشفيات في الحال، ويتم التعليم عليه بالطباشير.

اقرأ أيضاً: ”ظل المنسي”.. تعرف على الشهيد محمد محمود الشهير بـ”هرم”

 

_ هل أصل جملة "يا وارث مين يورثك" زمن الكوليرا وانتشارها، ولماذا؟

بالفعل ذلك هو بداية انتشار الجملة، وتقال لكل بيت تدخله الكوليرا، لأنه كان يتسبب في موت شخص منه، وعندما يوزع الميراث يموت شخص آخر وهكذا، حتى إنه هناك أسر بأكملها مُحيت جراء إصابتها بفيروس كورونا المستجد.