الطريق
الجمعة 26 أبريل 2024 12:18 مـ 17 شوال 1445 هـ
جريدة الطريق
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب

محمد عبد العزيز يروي حكايات «بلاد العجائب»

يروي الكاتب محمد عبد العزيز في مجموعته القصصية، «بلاد العجائب»، والذي يحتفي بصدور الطبعة الثانية منها عن دار غراب للنشر، حكايات بلاد العجائب.

ويتساءل "عبد العزيز" في بداية روايته، هل سبق أن ذهبت إلى بلاد العجائب؟

ويجيب هو نفسه، قائلا: أنا قد أتيحت لي الفرصة أن أذهب في رحلة طويلة إلى بلاد العجائب، في رحلتي إلى هناك طفت بلدانا عديدة, قابلت الناس هناك, قابلت الكبار وقابلت الصغار وقابلت حتى بعض الحيوانات في الغابة تحدثت مع الجميع وسمعت منهم العديد من الحكايات العجيبة عن أحوالهم والمواقف العديدة التي مرت بهم.

اسمح لي أن أطوف بك هناك وأحكي لك جانبا من حكايات الناس في بلاد العجائب.

ومن أجواء الرواية، يقول "عبد العزيز"، إن الشجرة لا أحد يعلم عمر تلك الشجرة ولكنك إذا سألت العجائز من أهل القرية فسيخبرونك بأنها كانت موجودة من قبل ولادتهم.

وأضاف، كانت شجرة الصنوبر الكبيرة تقع في وسط حديقة واسعة، وحولها عدة أشجار صغيرة يتـندر أهل القرية بأن الشجرة الكبيرة قد أنجبتهم ليكونوا حرسا لها.

وتابع: كانت الشجرة هي محور حياة أهل القرية، فنظرًا لغزارة وجودة ثمارها كانوا يبيعونها بأسعار عالية لسكان القرى المجاورة ... وتحت أغصانها المتشابكة والممتدة كانوا يتجمعون ساعة العـصاري لاحتساء الشاي الممزوج بالصنوبر الذي جمعوه من تلك الشجرة بينما يتحاكون حتى يحل الغروب ... وعندها كانوا يعقدون حفلات الزواج لشباب وفتيات القرية في نهاية موسم جني الثمار.

كانت حياة أهل القرية تسير على ما يرام حتى استيقظوا ذات يوم على صوت ضوضاء عالية قادمة من ناحية الحديقة في وسط القرية. عندما هرعوا إلى هناك، وجدوا شخصا غريبا قد انقض على إحدى الأشجار الصغيرة وأخذ يجردها من الثمار ثم يهوي ببلطته على فروعها الواحدة تلك الأخرى ليحولها إلى كومة من الأخشاب.

التف أهل القرية في حلقة حول الشجرة الصغيرة وهم يصرخون "أنقذوا الشجرة ... أنقذوا الشجرة". مع صراخهم، كان الغريب مستمرا في هجومه على الشجرة حتى حل الغروب. جمع الغريب الثمار والأخشاب وانصرف بينما انفض أهل البلدة إلى بيوتهم بعد أن فقدوا إحدى الأشجار.

في اليوم التالي تجمع الناس حول شجرة أخرى وهم يصرخون بينما استمر الغريب في اعتدائه عليها حتى انتهى منها عند الغروب.

تكرر المشهد في الأيام التالية حتى أخذ البعض يعربون عن قلقهم أن تمتد الأيدي إلى شجرة الصنوبر الكبيرة، ولكن الأعيان وكبار أهل القرية أعلنوا بقوة أن الشجرة الكبيرة خط أحمر وأنهم لن يسمحوا بالاعتداء عليها.

بعد عدة أيام من الصراخ وتساقط الأشجار، صارت الحديقة خاوية على عروشها إلا من شجرة الصنوبر الكبيرة في قلب الحديقة. في اليوم التالي هاجم الغريب إحدى الأفرع بالشجرة الكبيرة ... عندئذ أعلن أهل القرية حالة الطوارئ وكثفوا جهودهم بعد أن تجاوز الغريب الخطوط الحمراء.

عند الحديقة ازدادت الأعداد المحتشدة حول الشجرة وعلا صراخهم ... في بيوت الأعيان تجمع كبار أهل البلدة يبحثون الأزمة... في الطرقات انتشر الشعراء ينثرون القصائد تمجيدًا في الشجرة ... في مدرسة القرية كتب الأطفال موضوعات التعبير عن أهمية شجرة الصنوبر الكبيرة.

وسط كل هذا الصخب، واصل الغريب نشاطه غير عابئ بما يحدث من حوله حتى سقطت أولى الأفرع في الشجرة الكبيرة... عندئذ صاح البعض "نحن أولى بثمار وأخشاب شجرتنا العظيمة" ... وعندما انتقل الغريب إلى الفرع الثاني لم يكن وحده ... شيئا فشيئا ازدادت أعداد الأهالي حول الشجرة وازدادت المنافسة بينهم على جمع الثمار والأخشاب حتى غطت أصوات البلطات الكثيرة على أصوات الصراخ... مع الوقت انقطعت أصوات الصراخ بعدما انضم الجميع إلى الهجوم على الشجرة الكبيرة.

سقط الفرع الثاني من الشجرة... وعندئذ هبط الغريب... ترك الشجرة الكبيرة ورحل في صمت.

هلل الأطفال فرحًا "رحل الغريب... رحل الغريب" ولكن أصواتهم تاهت وسط أصوات البلط المتعالية.

مع احتدام المنافسة، سقطت الأفرع الواحدة

تلو الأخرى واستمر الحال حتى غروب الشمس ... عندها توقف الجميع.

لقد سقطت شجرة الصنوبر الكبيرة.

نظر أهل البلدة حولهم ... كان الأطفال يقفون بعيدا ينظرون بدهشة ... اختفى الغريب، لم يعد له أثر بينهم ... شجرة الصنوبر العظيمة صارت كومة من الأخشاب المتبعثرة بينما البلطات في أيدي أهل القرية.