الطريق
الإثنين 29 أبريل 2024 02:52 مـ 20 شوال 1445 هـ
جريدة الطريق
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب

توقعات بزيادة أسعار الكهرباء عالميا وتخوفات من أزمات اقتصادية قادمة

أرشيفية
أرشيفية

ارتفعت أسعار الكهرباء عالميا في الآونة الأخيرة بشكل مثير للجدل، فإذا كان المواطن يدفع 10 دولار شهريا أصبح يدفع 15 دولار شهريا مقابل نفس الاستهلاك من الكهرباء، وتساءل الكثيرين عن أسباب هذه الإرتفاع الغير متوقع مما آثار أزمة كبيرة.

إرتفاع أسعار الغاز عالميا من أهم أسباب إرتفاع سعر الكهرباء

ارتفعت أسعار الغاز في الآونة الأخيرة على مستوى العالم، بسبب إنخفاض عرض المخزون من الغاز مقابل الطلب عليه مما أثر بشكل مباشر على إنتاج الكهرباء مما أدى إلى إرتفاع سعر الكهرباء عالميا، حيث أن الغاز ثاني أكبر مصدر طاقة لتوليد الكهرباء في العالم بعد الفحم، حيث أن أكبر المحطات العالمية لتوليد الكهرباء تعمل بالغاز، أيضا سوق الفحم في الآونة الأخيرة تعرض لأزمات كثيرة تسببت في عدم قدرة المحطات إنتاج الكهرباء بالأسعار القديمة، حيث إضطرت إلى رفع سعر الكهرباء على المواطنين بسبب زيادة تكلفة الإنتاج.

أيضا دخول فصل الشتاء يزيد من استهلاك المواطنين من الكهرباء مما ينذر بخطر بعدم قدرة المحطات بإنتاج الاستهلاك المطلوب للمواطنين مع ارتفاع أسعار الغاز وانخفاض المعروض منه في السوق العالمي، مما ينذر بارتفاع ملحوظ لأسعار الكهرباء عالميا.

وظهرت بوادر هذه الأزمة في دول أوروبا وبعض دول آسيا منها دولة الصين، وهناك توقعات أن تتوسع هذه الأزمة لأغلب دول العالم خلال أسابيع.

أظهرت التوقعات أن هذه الأزمة ستؤثر بشكل خطير على الدول الغير مصدرة للغاز، وشملت التوقعات أن هذه الأزمة قد تؤثر على الدول المصدرة للغاز ذاتها، ومنها الولايات المتحدة الأمريكية أكبر منتج للغاز الطبيعي في العالم ستتأثر بهذه الأزمة مما ينبئ بكارثة اقتصادية عالمية.

ومن التساؤلات التي آثارت الجدل في الآونة الأخيرة أنه منذ عام ونصف كان معروض الغاز متوفر بكثرة!! ففي مارس 2020 كان هناك عشرات السفن تحمل أطنانا من الغاز الطبيعي ولا يرغب أحد في شراء هذه الكم الكبير من المعروض، كما كان هناك أزمة في توفير أماكن لتخزين هذا الكم، مما كان يسبب أزمة للشركات والدول المصدرة للغاز، بسبب زيادة تكلفة الشحن على الشركات المصدرة، وكان السبب الرئيسي في ذلك هو تفشي فيروس كورونا الذي ساهم في تقليل الطلب على الغاز الطبيعي بعد قرارات الإغلاق، حتى انخفض سعر الغاز إلى 1.63 دولار/ مليون وحدة حرارية بريطانية BTU في يونيو 2020، فلماذا انخفض المعروض بشكل مفاجئ وارتفع سعره بشكل ملحوظ ليصل إلى 6 دولارات / مليون وحدة حرارية بريطانية BTU في 2021 بزيادة تخطت 350%؟ وكيف ستؤثر هذه الأزمة على أغلب دول العالم؟ ولماذا تقف روسيا وهي ضمن قائمة أكبر الدول المنتجة للغاز في موضع اتهام بأنها تتعمد تقليل إنتاج الغاز لرفع سعره؟ ولماذا لا تضاعف روسيا من نسبة الصادرات من الغاز الطبيعي والفحم لأوروبا رغم مطالبات أوروبا بذلك؟

أثرت أزمات متتالية منها زيادة الطلب في الدول بشكل مفاجئ على زيادة سعر الغاز الطبيعي، ففي ديسمبر 2020، زادت الصين وبعض الدول الأسيوية من حجم مشترياتها من الغاز الطبيعي، بعد انتهاء فترة الإغلاق وعودة الدول لتشغيل المصانع والشركات، بالإضافة إلى أنه مع بداية الشتاء كانت هناك توقعات بانخفاض درجات الحرارة بمعدل أعلى من السنوات الماضية، مما أدى إلى أن الحكومة الصينية من خلال اللجنة الوطنية للإصلاح إلى إصدار قرار بزيادة المشتريات من الغاز الطبيعي والفحم بأي شكل، حتى وصلت مشتريات الصين من يناير 2021 إلى يونيو 2021 إلى 21 مليار دولار مقابل 60 مليون طن من الغاز الطبيعي، مقابل 48.42 مليار دولار من يناير – يونيو 2020 بزيادة 24 % مما أدى إلى تحويل مسار السفن من أوروبا إلى الصين بسبب زيادة السعر الذي تدفع الصين من السعر الذي تعرضه أوروبا، في الوقت الذي كانت تعتمد فيه أوروبا على مخزونها من الغاز الطبيعي التي كانت تقترب من 3423 مليار قدم مكعب من الغاز في شتاء 2020، ولكن زيادة برودة شتاء 2020 تسبب في زيادة الاستهلاك للكهرباء مما استنزف كمية كبيرة غير متوقعة من المخزون، ففي شهر فبراير 2021 فقط استنزفت أوروبا 713 متر مكعب من الغاز الطبيعي، وهو أعلى معدل استهلاك في السنوات الماضية، وكان المخزون كافيا طوال شتاء 2021، ولكن الأزمة تفاقمت مع فصل الربيع الذي كانت درجة حرارته منخفضة جدا أيضا ففي أبريل 2021 كان أكثر الشهور برودة في أوروبا في آخر 140 سنة، مما أدى إلى استهلاك غير مسبوق في الكهرباء في عوامل التدفئة، مما أدى إلى زيادة طلب أوروبا للغاز الطبيعي بعد استنزاف مخزونها، في الوقت الذي تضاعف فيه الدول الأسيوية من مشترياتها من الغاز الطبيعي، وذلك بالتوازي مع زيادة طلب دول أمريكا اللاتينية المفاجئ من الغاز الطبيعي والتي كانت تعتمد على الطاقة الكهرومائية في توليد الكهرباء ولكن مع زيادة نسبة الجفاف اتجهت إلى الغاز الطبيعي مما زاد من أزمة الطلب عليه وزيادة سعره مع انخفاض نسبة الانتاج والتصدير.

وزادت الأزمة في توفير معروض كافي من الغاز الطبيعي مع زيادة الطلب انخفاض انتاج الولايات المتحدة الأمريكية بنسبة 7% من الغاز الطبيعي منذ فبراير 2021 بسبب تجمد الآبار مع انخفاض درجات الحرارة.

وزاد من أزمة توفير الطافة في العالم أيضا حريق منطقة ضخمة لمعالج الغاز الطبيعي في سيبريا مما خفض صادرات روسيا من الغاز في أغسطس 2021، كما اتجهت روسيا في الآونة الأخيرة إلى إعادة ملئ المخزونات المحلية من الغاز الطبيعي، لتعويض الاستزاف الذي حدث في الآونة الأخيرة.

كما تراجع نسبة التصدير من النرويج بسبب إجراءات الصيانة التي تتم بشكل دوري، هذا بالإضافة إلى حريق مصنع Equinor في سبتمبر 2020.

أيضا تراجع إنتاج توربينات الرياح للكهرباء في أوروبا ل43 % في 2021 بسبب هدوء الرياح بدلا من 48 % في 2020، وهي نفس المشكلة التي تعاني منها بريطانيا من انخفاض إنتاج الكهرباء من توربينات الرياح لـ7% فقط في 2021 مقابل 25% في 2020.

كما تواجه الصين أزمة أخرى في إنتاج الكهرباء، حيث أنها تستخدم الفحم في إنتاج 60% من احتياجاتها من الكهرباء، وتستورده من استراليا ولكن مع تواجد خلافات بين الصين واستراليا بسبب تصريحات رئيس الوزراء الاسترالي Scott Morrison التي أغضبت الرئيس الصيني Xi Jinping وأصدر قرار بوقف استيراد الفحم من استراليا، واستيراده من الهند وجنوب أفريقيا ولكن مع اختلاف نوعية وجودة الفحم أثر بالسلب على كفاءة المحطات المولدة للكهرباء، مما أجبر الحكومة الصينية على إيقاف مصانع مختلفة ومناشدة أخرى بتقليل الاستهلاك من الطاقة،بالإضافة إلى إغلاق الكهرباء في مقاطعات كثيرة في الصين لتوفير الطاقة، كل تلك الأسباب ساهمت في زيادة الطلب على الغاز الطبيعي مما أدى إلى تفاقم سعره، والذي يؤدي بدوره إلى زيادة سعر الكهرباء في أغلب دول العالم، حيث تتنافس الدول على طلب الغاز بأي سعر لمواجهة برودة الشتاء في حين تتباطئ الدول المنتجة لرفع سعره وتحقيق مكاسب أكبر سواء اقتصادية أو سياسية.

كما زاد سعر الكهرباء في أوروبا بشكل ملحوظ، ففي ألمانيا زاد سعر الكهرباء بنسبة 36% في سبتمبر الماضي، وفي فرنسا بنسبة 48 % وفي أسبانيا زادت الكهرباء بنسبة 46 %، كما أن بريطانيا من أكثر الدول المتضررة من أزمة الغاز الأخيرة فزادت الكهرباء بنسبة 250%، ولكن دول أوروبا تستطيع أن تواجه هذه الأزمة لقدرتها على دفع سعر الغاز رغم ارتفاعه الغير متوقع.

أما الدول النامية والفقيرة ستضطر إلى غلق اقتصادياتها منها باكستان بنجلاديش ولبنان التي تواجه بالفعل أزمة طاقة بغض النظر عن وضع السوق، وكل هذه الارتفاعات حدثت ونحن في فصل الصيف ولكن الأزمة ستتفاقم مع دخول فصل الشتاء، حيث وصل سعر الغاز الطبيعي المسال إلى 34.5 دولار / مليون وحدة حرارية بريطانية BTU، والتوقعات تشير إلى زيادة سعره إلى 100 دولار / مليون وحدة حرارية بريطانية BTU، مما سيؤثر على أغلب دول العالم حتى المنتجة منها للغاز الطبيعي لأن ارتفاعه سيؤثر على صناعات منها الأسمنت والصلب والألومنيوم والأسمدة والسيراميك وأغلب الصناعات التي تعتمد في انتاجها على الكهرباء مما ينبئ بكارثة اقتصادية أو كساد عام في اقتصاديات أغلب الدول.

فقد ارتفع طن الألومنيوم في الآونة الأخيرة بنسبة 14 % بقيمة 350 دولار، وهذه الزيادة المفاجئة بسبب أزمة الطاقة التي تعاني منها الصين والتي تنتج 57% من الألومنيوم في العالم.

والحل الوحيد المطروح في تلك الأزمة هو زيادة إنتاج الدول من الغاز الطبيعي لتحقيق توازن في السوق بين العرض والطلب، ولكن الدول المنتجة تتعنت بسبب توجهها إلى تخزين كمية آمنة للاستخدام المحلي ومنها أمريكا وروسيا التي تتهمها أوروبا أنها تستغل هذه الأزمة للضغط على ألمانيا لتشغيل خط Nord Stream2 وهو خط أنبوب لنقل الغاز الطبيعي والذي يبدأ من روسيا وينتهي في ألمانيا ويمر في طريقه على عدد من الدول الأوروبية والذي لم يبدأ تشغيله إلى الآن بسبب الخلافات السياسية وتدخل الولايات المتحدة الأمريكية، وتشغيل الخط يتوقف على قرار من الوكالة الفيدرالية الألمانية للشبكات، وتأكدت شكوك أوروبا في تعتنت روسيا للضغط عليهم في تشغيل الخط من خلال تصريحات المتحدث باسم الكرميلين في سبتمبر الماضي بأن تشغيل الخط سيضع نهاية لهذه الأزمة.

كما صرح "أنس بن فيصل الحجي" اقتصادي متخصص في مجال الطاقة أن المثير في الأمر أن السبب الرئيس للأثر الكبير عالمياً هو تخلص الدول المتقدمة من محطات الكهرباء العاملة بالفحم والطاقة النووية، في الوقت الذي لن تفي فيه الطاقة المتجددة باحتياجات هذه الدول، وهو السبب نفسه الذي جعل البعض يعتقد أن أسعار الغاز ستستمر بالارتفاع وستبقى في مستويات عالية، ويتضح من التطورات الأخيرة أن الدول المستوردة للغاز التي تخلصت من عقود الغاز المسال الطويلة المدة، وهي العقود المرتبطة بأسعار النفط، لصالح الشراء من الأسواق الفورية، ستدفع ثمن سياستها الخاطئة غالياً. وتأتي الهند في مقدمة هذه الدول إذ اشتكت دائماً من ارتفاع أسعار النفط، الذي رفع معه أسعار الغاز المسال، وضغطت على قطر إما لإنهاء العقود وإما لتغييرها للحصول على عقود أفضل، وقررت الشراء من الأسواق الفورية لأن الغاز المسال كان أرخص، وافتخر المسؤولون بنجاحهم الباهر، على الرغم من تحذيرات الخبراء من عدم التفاؤل المفرط وضرورة التعامل مع ملف واردات الغاز المسال كأنه ملف استثماري طويل المدى أحد أهدافه الرئيسة تقليل المخاطرة. ثم ضغط المسؤولون على الشركات الهندية لتفادي استيراد النفط والغاز من دول الخليج، والتركيز على الشراء من دول أخرى، ومن الأسواق الفورية، فارتفعت أسعار النفط الفورية، ودفعوا الثمن غالياً. وها هي ذي الصفعة الآن تأتي من أسعار الغاز، وإذا ارتفعت أسعار الغاز كما يتوقع البعض، فإن الهند ستكون أكبر الخاسرين، وسيندم المسؤولون على عدم توقيع المزيد من العقود الطويلة المدى مع قطر وغيرها.

وأضاف " الحجي" أنه بالنسبة إلى الولايات المتحدة، هناك نوعان من عقود صادرات الغاز المسال: الأول هو عقد إيجار، إذ إن محطة الغاز المسال تُسيل الغاز مقابل أجر، بينما تشتري الشركات العالمية، غالباً شركات كهرباء في آسيا، الغاز الأميركي بسعر السوق، ثم تدفع إيجار التسييل، ثم تنقل الغاز المسال إلى محطاتها الكهربائية في اليابان أو كوريا الجنوبية أو الصين، أو غيرها، وهذه الشركات مرتبطة بعقود طويلة المدى مع محطات التسييل الأميركية بسعة معينة، سواء قامت الشركة بتسييل الغاز أم لا.

وأشار إلى أنه من الواضح أن تركيا ستستفيد من سفنها التي تستخدم كمحطات كهرباء حول العالم، والتي تستخدم المنتجات النفطية وقوداً، لأن أسعار الكهرباء ستكون منافسة جداً في ظل أسعار غاز مرتفعة.

كما تستفيد بسبب عقودها مع دول آسيا الوسطى، بخاصة تركمانستان. والأهم من ذلك كله، أن ارتفاع أسعار الغاز سيجعل الاستثمار في حقول الغاز التركية التي يتم تطويرها حالياً، كما أن ارتفاع أسعار الغاز لها آثاراً اقتصادية وسياسية كبيرة، ليس لأنه يؤثر في إمدادات الكهرباء والنمو الاقتصادي فقط، ولكن لأنه يؤدي إلى زيادة انبعاثات الكربون بشكل كبير.