الطريق
الأحد 8 ديسمبر 2024 11:04 صـ 7 جمادى آخر 1446 هـ
جريدة الطريق
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب

‎دولار عيار 21

بفعل فاعل.. شهد سوق الذهب في مصر حالة من الفوضى، أدت إلى الاستيلاء على مدخرات ضخمة للمصريين -عيني عينك- بدعوى اللجوء إلى الملاذ الآمن، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه، قبل التعويم الثالث أو الرابع للجنيه.

هكذا روَّجت ماكينة الدعاية السوداء لتجار العملة الهاربين من ملاحقة البنك المركزي، إلى مغارة على بابا -سوق الذهب سابقًا- مستغلين عطلة عيد الفطر التي امتدت لأسبوع كامل، وتزامنت مع قرار البنك الفيدرالي الأمريكي برفع الفائدة على الدولار 0.5 الذي أدَّى عمليًا لانخفاض سعره.

في غيبة من حكماء هذه المهنة، سقطت تجارة المعدن الثمين أسيرة تجار الدولار، بينما كان يقضي عطلته داخل أروقة البنوك المصرية التي أحكمت قبضتها على سعره عند 18.44 جنيه للشراء، و18.52 جنيه للبيع تقريبًا، وصل سعره العلني في سوق الذهب إلى 23.5 جنيه.

‎هكذا أفلت المضاربون من الرقابة والقانون رقم 194 لسنة 2020 "يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن ثلاث سنوات ولا تزيد على عشر سنوات، وبغرامة لا تقل عن مليون جنيه ولا تجاوز خمسة ملايين جنيه، أو المبلغ المالي محل الجريمة، أيهما أكبر، كل من تعامل في النقد الأجنبي خارج البنوك المعتمدة أو الجهات التي رُخِّص لها، أو مارس نشاط تحويل الأموال دون الحصول على الترخيص وفقاً للقانون".

‎نعم 23.5 جنيه مقابل الدولار الواحد، هكذا نصبوا المزاد، وهُيِّئت لهم الأسباب، تسللوا إلى الصحف ووسائل الإعلام، وتبعت غيهم جهات شبه رسمية، ما كان لها أن تضع ثقة التجار والصناع والمستهلكين فيها -تحت تصرف تجار العملة- وتعلن أسعارًا يومية شبه خيالية للذهب، لا تتناسب مع السعر الحقيقي للمعدن الأصفر في البورصات العالمية، ولا تعبِّر إلا عن حالة من الجشع والاستغلال للمستهلكين الذين هرعوا لشراء السبائك والجنيهات الذهبية، فوقعوا في الفخ وتلقوا ضربة مُوجعة بتراجع لن يكون الأخير، بأكثر من 140 جنيهًا في سعر الجرام خلال أسبوع واحد، بينما غسل تجار الدولار أيديهم من هذه الجريمة بعد أن جمعوا الغنائم.

‎الكارثة تكمن في استمرار استنزاف مدّخرات المصريين، وتمرير تجارة الدولار السوداء، بدعوى خضوع أسواقه لقواعد السوق الحرة -العرض والطلب- الذي تندر أحد كبار المسؤولين عندما سمع هذا المبرر قائلًا "ليه هو بيتباع في سوق الخضار!"

فالذهب عملة ومخزن للقيمة، تلجأ إليه الدول كمستودع للقيمة، وضمان لتخليص الوعود، لدفع المودعين وحاملي الأوراق المالية أو أقرانهم التجاريين، أو لتأمين العملة، وسعره العالمي المعلن مرجّح وقائد لحركة تداوله العالمية، فلا يعقل أن يعلن سعر تداوله العالمي يوميًا، لا يُتَرجم هذا السعر بما يوازي السعر الحقيقي المعلن للدولار.

‎هذا ما أكده وأورده النائب محمد طلبة، عضو مجلس النواب في طلب إحاطته للحكومة، والذي دار جوهره عن الانفلات غير المبرر في أسعار معدن الذهب، وخلق سوق سوداء للبيع والشراء، لا تعبر عن قيمته الحقيقية التي تعلن يوميًا في البورصات العالمية، إنما ينطوي على أهداف تخريبية للاقتصاد المصري، ومحاولة التفاف على قرارات البنك المركزي، لوقف التداول غير الشرعي للعملات الأجنبية -الدولار- ويمثل استيلاء غير شرعي على أموال المواطنين الذين يعتبرون سلعة الذهب ملاذًا آمنًا لمدّخراتهم.

‎تحدّث طلب الإحاطة أيضًا عن تحالف خفي بين تجار العملة، وبعض تجار الذهب، لتعويم الجنيه والتعامل بسعر غير رسمي للدولار، الذي وصل سعره في سوق الذهب السوداء، إلى 23.5 جنيه متسائلًا: هل يُعقَل ألا يتجاوز سعر جرام الذهب عيار 21 في البورصة العالمية 970 جنيهًا، بينما تعلن الشعبة العامة لتجارة الذهب والمجوهرات، سعره اليومي على صفحتها الرسمية، بما يتجاوز 1150 جنيهًا، في غيبة الوزارات المعنية وأجهزتها الرقابية، وعلى رأسهم جهاز حماية المستهلك الذي لم يتدخل -ولو مرة واحدة- منذ بدء الأزمة للقيام بدوره و"حماية المستهلك"؟!

‎وبذات القدر من خسائر المستهلكين -ضحايا تجارة العملة- أعلم أن الشرفاء من صنّاع وتجّار الذهب في مصر، هم الضحية والمتضرر الأكبر من هذا الانفلات غير المبرر لسعر المعدن النفيس، فلم يُفلتوا من الركود الكبير الذي أصاب صناعة وتجارة المشغولات الذهبية، وعدم الثقة التي ولَّدتها الممارسات العبثية لتجار العملة ومحترفو غسيل الأموال في هذا القطاع الاقتصادي الحيوي.

وليس خفيًا على الجميع أن هناك أجهزة رقابية ‎قوية تتحرك لإعادة سوق الذهب إلى مساره الطبيعي وتحريره من تجار العملة الذين هبطوا إليه بالباراشوت، بعد حصار البنك المركزي لهم وإحكام سيطرته على أسعار الدولار في ظل أجواء اقتصادية عالمية مضطربة.

اقرأ أيضًا: بلد يحب المستريحين