بلد يحب المستريحين
استطاع مستريح أسوان الّذي شغل الرأي العام خلال الأيّام الماضية، بعدما جمع ملايين الجنيهات من أصحاب أحلام الثراء السريع، ووعدهم بفوائد خيالية، ثمّ أصبح فص ملح وذابَ، أن يصل إلى فهم سيكولوجية أهل القرى، وبناء عليها أعدّ خطته التكتيكية؛ ليبدو كأنه من أُولئك المستريحين، وبدأ يعزف على أوتار المظاهر الخداعة والسخاء المزيف لجذب ضحايا سذج خيلت لهم أنفسهم أن ينالهم من الحب جانب.
السيارة والجلباب المُكلّف والساعة الصفراء وتدخين السجائر الباهظة، وحضور المناسبات الاجتماعية التي تقام في القرى، ورش الأموال هنا وهناك، كلها أدوات نصب استخدمها المستريح في تثبيت فكرة أن «حالته مرتاحة»، وبمجرد نجاحه في ذلك أصبح كلامه مصدقًا وزادت شعبيته بين الناس وعلا شأنه وسط قومه، وراح يرشدهم إلى قدراته الهائلة في التجارة والاستثمار مع السيدة زينب من خلال توزيع اللحوم في الأعياد على البسطاء، فتوهم عشاق المظاهر بأن تجارته رابحة واشتروا الضلالة بالهدَىٰ فما ربحت تِّجارتهم وما كانُوا مُهتدين.
اللعب على تركيبة شخصية الضحايا ليست جديدة لكن كل مرة يطور المستريح أدوات مبتكرة للنصب، حسب تبدُّل الزمان والمكان، ففي مطلع الثمانينيات من القرن الماضي كان هناك ما يعرف بـ«الصحوة الإسلامية» التي تبنتها جماعة الإخوان، وانتعشت تيارات الإسلام السياسي الكامنة، وبدأت في احتلال المنابر وبث المفاهيم السطحية التي حصرت رجال الدين في اللحية والجلباب القصير، فسلم الناس أنفسهم لهؤلاء دون تفكير، وظهر الريان والسعد وغيرهما من النصابين الذين استولوا على أموال المودعين تحت ستار الدين، بعدما روجوا فتاوَى عبر أولئك الأفّاقين عن حرمة فوائد البنوك وأنّه لا بديل عن الاقتصاد الإسلاميّ.
الفكرة ذاتها مع بعض التعديل استخدمها المتهم مصطفى البنك مستريح المواشي، حينما أوهم الأهالي بأنّه ابن السيدة زينب، التي جاءته في المنام لمساعدة سكان جبال إدفو بأسوان، ليغرق بسطاء المعرفة في الأوهام وآمنوا بذاك النصاب دون أن يفكر أحدهم لماذا اختارت السيدة الشريفة بنت علي بن أبي طالب أهالي إدفو بالتحديد لمساعدتهم، أليس أهل حي السيدة الذي استقبل «زينب» بعدما نفاها معاوية أحق بالمساعدة إن كنتم تعلمون!
حب المظاهر آفة تأكل في مجتمعنا القروي، والمخدوعين فيها ضحايا أنفسهم والمجتمع، فلا أحد ينكر أنّ معظم الذين آمنوا بالمستريح لم يتلقوا نصيبًا من التعليم والتثقيف، نتيجة التهميش المتعمد الّذي عانى منه الصعيد طوال العقود المنصرمة، فباتت أسوان التي قامت فيها أكبر حضارة على ضفاف النيل منذ سبعة آلاف عام، وأنجبت الكاتب الموسوعي محمود عباس العقاد، أرض خصبة للنصب والاحتيال على أهلها الطيبين.
واقعة المستريح ينبغي ألا تمر علينا مرور الكرام، فهي جرس إنذار بأنّ ثمة خطأ من الواجب تصويبه من خلال بلورة استراتيجية؛ لمحو الأمية الثقافية لدى المجتمع القروي، وتسير جنبًا إلى جنب مع مبادرة حياة كريمة؛ لأنّ بناء إنسان دون ثقافة أشبه ببناء عقار من غير أساس.
أقرأ أيضًا: محمد عبد الجليل يكتب: شايفة يا شيرين إسرائيل مرعوبة رغم صمتك ازاى؟!