شحاته زكريا يكتب: من الذي يكتب سيناريو الشرق الأوسط؟.. عن خرائط السلاح وحدود الكلام

في اللحظة التي تطلق فيها أول صافرة إنذار في تل أبيب أو يُسمع دوي انفجار غامض في منشأة نووية إيرانية، تدور عجلة التاريخ في الشرق الأوسط من جديد ليس باعتبارنا شهودا على حدث عابر، بل لأنّ كل انفجار هنا يُعدّ سطرا جديدا في سيناريو طويل تُكتبه قوى كبرى وتُدفع فواتيره من حسابات شعوبنا.
الشرق الأوسط لم يكن يوما ساحة صراع عادية. هو رقعة الشطرنج التي تتواجه فوقها كل أدوات النفوذ: النفط، والغاز، والسلاح، والدين، والتكنولوجيا، وحتى الأكاذيب المصنوعة في معامل السياسة الغربية. وهنا تحديدا تكمن المشكلة.
فما بين التهويل الأمريكي من "الخطر الإيراني"، والتخويف الإسرائيلي من "الوجود الشيعي"، والتحذير الروسي من "التدخلات الأطلسية"، تتوارى الأسئلة الحقيقية: من الذي يملك القرار؟ من الذي يرسم الحدود الجديدة؟ ولماذا دائما نحن فقط من يدفع الثمن؟
ربما لم يعد السلاح هو العنصر الأخطر في هذه المعادلة. فهناك سلاح أشد فتكا: سلاح الإعلام، وسلاح الخرائط الذهنية، وسلاح الحروب النفسية. وما يحدث في فلسطين ولبنان والعراق واليمن وسوريا ليس فقط معارك نفوذ بل معارك وجود. معارك تصنعها العقول الباردة وتنفذها الأذرع الساخنة.
نحن نعيش زمن "الوكالة". لا حرب تُخاض بقرار محلّي خالص ولا سلام يُعقد بإرادة وطنية نقية. الكل يخوض حربا نيابة عن أحد أو يُستدرج إلى مائدة مفاوضات تُرتّب على مقاسات غيره في هذا السياق تفقد الدولة معناها ويفقد المواطن صوته وتتحوّل الشعوب إلى ظلال تائهة في مشهد غامض الإخراج.
لكن وسط كل هذا لا يزال هناك أمل. أمل في أن تدرك العواصم العربية الكبرى أن زمن الترقب انتهى. وأنه لا بد من مقاربة جديدة: مقاربة تؤمن بأن الأمن القومي ليس مجرد بند في بيانات القمم بل هو مشروع تكاملي لا يقبل القسمة على اثنين.
القاهرة والرياض وأبو ظبي وبغداد ودمشق والدوحة والرباط كلها عواصم تملك ما يكفي من أوراق القوة الناعمة والصلبة فقط ينقصنا قرار واحد: أن نكتب نحن سيناريو منطقتنا لا أن نؤديه بالنيابة عن سوانا.
لقد آن الأوان أن ننتقل من "ردّ الفعل" إلى "صناعة الفعل" من منطق الدفاع إلى منطق المبادرة. ومن حدود الكلام إلى خرائط الفعل الحقيقي.
فالتاريخ لا يرحم المتأخرين، ولا يُنصف المتفرجين.