الطريق
الإثنين 29 أبريل 2024 03:23 صـ 20 شوال 1445 هـ
جريدة الطريق
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب

خاص| الإساءة إلى الرسول تطارد الهند.. هل يجبرها تفاعل الداخل والخارج على الاعتذار؟

تكثّف الهند استهدافها للمسلمين
تكثّف الهند استهدافها للمسلمين

رغم موجة الغضب والانتقادات الواسعة التي اجتاحت منصات التواصل الاجتماعي في الدول العربية والإسلامية، وما رافقها من حملة مقاطعة للمنتجات الهندية كانت أشعلتها الكويت، ما زالت حكومة مودي المتطرفة ترفض حتى الآن تقديم اعتذار رسمي.

وسط تصاعد حالة الكراهية ضد الإسلام والمسلمين في الهند، نشر كل من رئيس الوحدة الإعلامية بالحزب الحاكم في الهند نافين جيندال، والمتحدثة باسم الحزب نوبور شارما، تغريدات مثيرة للجدل على حسابيهما الرسميين بموقع «تويتر» بشأن زواج النبي محمد بالسيدة عائشة، مما أثار غضباً وانتقادات واسعة في الدول العربية والإسلامية.

وعلى الرغم من أن حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم في الهند أعلن تعليق عمل المتحدثة باسم الحزب نوبور شارما، وطرد زميلها نافين كومار جيندال، إثر تعليقاتهما المسيئة للنبي محمد، لم تتوقف منصات التواصل الاجتماعي في دول عربية وإسلامية عدة عن تداول وسم هاشتاج «إلا رسول الله يا مودي».

المتاجرين بالأديان

ووصف الأزهر الشريف، المتحدث باسم حزب بهاراتيا جاناتا في الهند بعد تطاوله في الحديث عن الرسول، بالجاهل المستهتر بعظماء الإنسانية سخفًا من القول الذي يُردِّدُه بين الحين والآخر كل حاقد على الإسلام والمسلمين.

وأكد الأزهر أن مثل هذا التصرف هو «الإرهاب» الحقيقي بعينه، الذي يمكن أن يُدخل العالم بأسره في أزمات قاتلة وحروب طاحنة، ومن هنا فإن على المجتمع الدولي أن يتصدَّى بكل حزمٍ وبأس وقوَّة لوقف مخاطر هؤلاء العابثين.

ودعا الأزهر العالم المتحضر أن يقف بالمرصاد لأمثال هؤلاء المتاجرين بالأديان والمقامرين بالقيم الإنسانية العليا في بورصة الانتخابات والسياسة.

زيادة حدة الكراهية

وأعربت منظمة التعاون الإسلامي، التي تضمّ 57 دولة، عن إدانتها واستنكارها الشديدين للإساءات الأخيرة الصادرة عن مسؤول في الحزب الحاكم بالهند إزاء النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

وأكدت أن هذه الإهانات تأتي في سياق من زيادة حدة الكراهية والإهانات للإسلام في الهند والمضايقات الممنهجة التي يتعرض لها المسلمون هناك، مشددة على أن سياسة رئيس الوزراء ناريندرا مودي العنصرية ضد المسلمين هي التي أذكت تلك الحالة.

وفي سياق تلك الظروف، قال الشيخ أبو اليزيد سلامة، الباحث الشرعي بالأزهر الشريف، إن الاعتداء على مقام النبي أو الإساءة للرسول لا يمكن أن يندرج تحت حرية الرأي، فحرية الرأي لابد أن تحترم المقدسات الدينية سواء للمسلمين أو غير المسلمين.

سن قوانين

وأضاف سلامة، لموقع «الطريق»، أنه لا بد على المجتمع الدولي سن قوانين تحرم وتجرم الاعتداء على مقدسات المسلمين وغير المسلمين، وهي الدعوة التي أطلقها الأزهر الشريف لدول العالم.

وأشار إلى أنه لا يجوز لأحد أن يعتدي أو يسيء إلى النبي الكريم، ويجب على الجميع وقف خطاب العنف والكراهية، الذي يلجأ إليه بعض المسؤولين السياسيين من إساءة للإسلام وإلى نبيه الكريم.

وأكد أن هؤلاء يهدفون من ذلك لكسب تأييد أصوات في انتخابات الأحزاب، وتهييج مشاعر أتباعهم ضد المسلمين، وهو ما يعد دعوة صريحة للتطرف وبث الكراهية والفتنة بين أتباع الأديان والعقائد المختلفة، وهو أمر لا يصدر إلا من دعاة التطرف وأنصار الكراهية والفتنة؛ وأعداء سياسة الحوار بين أتباع العقائد والحضارات والثقافات المختلفة.

دعوات للمقاطعة

على الصعيد السياسي، استدعت دولتا الكويت وقطر سفيرَي الهند لديهما وسلمتهما مذكرة احتجاج رسمية تطالب بالاعتذار العلني عن واقعة الإساءة للنبي محمد، فيما أعلنت الخارجية السعودية استنكارها التصريحات الهندية ورفضها المساس برموز الدين الإسلامي.

رداً على حملة الإساءة الأخيرة للنبي محمد في الهند، أشعلت الكويت حملة مقاطعة للبضائع الهندية بدأت، الأحد، بإزالة جمعية العارضية التعاونية، جنوب غرب مدينة الكويت.

وتقدر حجم التجارة الهندية مع دول مجلس التعاون الخليجي بنحو 90 مليار دولار في الفترة ما بين عامَي 2020 و2021.

ووفق مركز كارنيجي الأمريكي، يبلغ عدد المواطنين الهنود المقيمين في الدول الخليجية نحو 8.5 مليون شخص، يُعتبرون مصدراً لـ55% من تحويلات المغتربين المالية السنوية إلى الهند.

هل تعتذر الهند؟

على الرغم من مطالبة عديد من الدول العربية والإسلامية باعتذار هندي رسمي عن الإساءة للنبي محمد، فإن الحكومة الهندية حتى اللحظة لم ترفض ذلك وحسب، بل قالت إن الإدانات والبيانات العربية والدولية «لا مبرر لها».

واعتبر المتحدث باسم الخارجية الهندية أريندام باغشي أن التغريدات المسيئة للرسول صدرت عن أفراد معينين، وأن هؤلاء الأشخاص لا يعبرون بأي شكل عن وجهات نظر حكومة نيودلهي، وأنه اتُّخذت بالفعل إجراءات قوية ضدهم من قبل الهيئات ذات الصلة.

ورغم حملات المقاطعة الآخذة في التوسع والانتشار في دول عربية وإسلامية، فإن حكومة مودي المتطرفة ما زالت مصرَّة على تصعيد حملة الاضطهاد المتطرفة ضد الجالية المسلمة بالهند، حيث يُعَدّ استهداف الإسلام جزءاً متجذراً في آيديولوجيا الحزب الحاكم للبلاد منذ عام 2014، رغم حاجتها الاقتصادية الحساسة إلى الدول العربية الإسلامية، خصوصاً الخليجية.

زيادة الشعبية

وبدوره، أوضح الدكتور جايمن فيشناف، المحلل السياسي الهندي، والأستاذ بجامعة مومباي، أنه ظاهريا يبدوا أنّ الحكومة الهندية تحترم الإسلام، لكن في الحقيقة فإنّ الحزب والنظام لا يحترمون محمد أو أتباعه.

وأضاف فيشناف، لموقع «الطريق»، أنّه قبل ساعات قليلة اتخذ رئيس الوزراء قرارا ضد الاثنين الذين أهانوا النبي محمد، فأحدهما تم طرده من الحزب والآخر علقت عضويته، وهذه الخطوة خطوة ظاهرية فقط لتهدئة الأوضاع في الهند بعد خطاب الكراهية الذي ظهر ضد المسلمين والأقليات.

وذكر أنّ المناخ السياسي في الهند تم شحنه وتجدد بالكراهية ضد المسلمين، خاصة وأنّ البعض يدرك جيدًا إفلاته من العقاب، حال خروجه في أي خطاب يحرض ضد المسلمين.

ونوه فيشناف إلى أنّهم في الهند لا أحد يتحمل المسؤولية أو العقاب على هذه الموجة من السخرية والإهانة للمسلمين والأقليات الأخرى.

وتابع المحلل السياسي الهندي أنّ الأمر وصل إلى السينما، فالأفلام في بوليوود بدأت تستفيد هي الأخرى من الخطابات التي تشحن ضد المسلمين والأقليات الأخرى، وفي الأيام الماضية استهدفوا المسلمين عبر تعزيز خطاب الكراهية ضدهم خاصة من الهندوس، وغالبا خلال الأيام القادمة سيستهدفون أقليات أخرى غير المسلمين.

استهداف المسلمين

ويبلغ تعداد المسلمين في الهند 172 مليون نسمة، أي يمثلون ثالث أكبر تجمُّع للمسلمين في العالم بعد إندونيسيا وباكستان، ويشكلون أكبر أقلية دينية في الهند، وأكبر الأقليات الإسلامية في العالم بلا منازع.

تشهد الهند حالة متصاعدة من الإسلاموفوبيا بعد قرارات بمنع الحجاب في المدارس والمؤسسات التعليمية وعمليات هدم لممتلكات مسلمين، إضافة إلى حالات عنف بارزة ضدهم، لاقت استنكاراً عالمياً.

وعانى المسلمون من حملة ممنهجة منذ تولي حزب بهاراتيا جاناتا الهندوسي المتطرف الحكم، وهو الحزب الذي اكتسب شعبيته قبل الوصول إلى الحكم، عبر التحريض على المسلمين، وبعض قادته متهمون بالتورط في مذابح ضد المسلمين، ومن ضمنهم رئيس الوزراء الحالي ناريندرا مودي الذي تلطّخت سمعته بسبب الجدل الذي أثير عندما كان كبيراً للوزراء في ولاية غوجارات، وذلك خلال أعمال الشغب الطائفية التي شهدتها الولاية في عام 2002 وأسفرت عن مقتل مئات المسلمين.

وعقب وصول مودي إلى السلطة، شنت جماعات هندوسية يمينيةٌ هجمات على أقليات بدعوى أنها تحاول منع التحول الديني، وأقرت عدة ولايات هندية، وتعمل أخرى على دراسة، قوانين مناهضة لحق حرية الاعتقاد الذي يحميه الدستور، كما تم إلغاء الوضع الخاص لإقليم كشمير؛ ذي الأغلبية المسلمة، وتشريع قوانين وصفت بأنها عنصرية وتستهدف المسلمين.

اقرأ أيضا: الإساءة للنبي محمد تُهدد علاقات نيودلهي بالعالم الإسلامي