الطريق
الإثنين 29 أبريل 2024 05:48 صـ 20 شوال 1445 هـ
جريدة الطريق
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب

ضرر اقتصادي ومناخي وسياسي.. «حرب الغاز» الروسية تهدّد استقرار الاتحاد الأوروبي

الدول الأوروبية تبحث عن بدائل للغاز الروسي
الدول الأوروبية تبحث عن بدائل للغاز الروسي

يزيد الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الضغوط على الاتحاد الأوروبي بقطع شحنات الغاز المتجهة إلى بعض أفضل العملاء لروسيا، في ظل غضب شديد من العقوبات المفروضة على بلاده بعد غزو أوكرانيا.

وتمارس موسكو ضغوطاً سياسية هائلة على الحكومات، وتهدد بترك الأوروبيين في حالة تجمد إذا كان الشتاء المقبل بارداً، ومن المحتمل أن يقوّض أهداف الكتلة المناخية، إذ تستبدل البلدان الطاقة التي تعمل بالغاز بالفحم، وحتى أنه يمكن أن يدفع القارة إلى الركود.

وفي سياق مخاوف أوروبا، حذر المدير التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية فاتح بيرول، من «كارثة» قد تلحق بعدد من الدول الأوروبية إذا لم تنجح بتوفير بدائل للغاز قبل الشتاء المقبل، مؤكدا أن كافة الجهود المبذولة في الوقت الراهن لم تفض إلى نتائج ملموسة ولا يكفي على الإطلاق الاعتماد على إمدادات الغاز من مصادر غير روسية، هذه الإمدادات هي بكل بساطة غير متوفرة بالكميات المطلوبة لتكون بديلا عن الإمدادات الروسية المفقودة.

«كارثة» الشتاء أبرزتها وكالة الطاقة الدولية على لسان بيرول -عبر الموقع الرسمي- إذا أشار إلى أن «هذا ما سيكون عليه الوضع حتى إذا تدفقت إمدادات الغاز من النرويج وأذربيجان بأقصى قدرة، وإذا بقيت الإمدادات الواردة من شمال إفريقيا تقارب مستوى العام الماضي، وإذا بقي الإنتاج المحلي للغاز على منحاه الأخير، وإذا ازدادت إمدادات الغاز الطبيعي المسال الواردة بالمعدل القياسي المماثل لما سجّل في النصف الأول من العام».

ووصف المحلل السياسي الألماني حسين خضر، سياسات روسيا بأنها «ابتزاز الطاقة»، مؤكداً أن الأزمة الراهنة التي تمر بها أوروبا بسبب نقص إمدادات الغاز خطيرة للغاية.

وقال خضر في تصريحات لموقع «الطريق»، إن نسبة انكماش منطقة اليورو العام المقبل 1.7% إذا أوقفت روسيا الإمدادات بالكامل، ويتوجب على دول الاتحاد الأوروبي العمل بشكل جاد وسريع خلال الفترة الحالية لتوفير الاحتياجات اللازمة من الغاز قبل الشتاء.

وبحسب تحليل لوكالة الطاقة الدولية، تحتاج دول الاتحاد الأوروبي إلى تعبئة مخزوناتها بنسبة 90% خلال الأشهر القليلة المقبلة لكي تتمكن من تخطي فصل الشتاء من دون أن تواجه نقصا.

ويتدفق 40% من الغاز على طول خط أنابيب «نورد ستريم»، الممتد من روسيا إلى ألمانيا تحت البحر، ما يؤثر في عمليات التسليم إلى فرنسا وإيطاليا والنمسا، وكذلك ألمانيا.

وأوقفت شركة «جازبروم» الروسية، التي تحتكر تصدير الغاز جميع عمليات التسليم إلى بولندا وبلغاريا وهولندا، وفنلندا والدنمارك، بعد أن رفضت شركات الطاقة في تلك البلدان الانصياع لمطالب الكرملين بدفع تكاليف التسليم بالروبل.

أعلنت شركة يونيبر الألمانية للطاقة، أكبر مستورد للغاز الروسي، أن شركة جازبروم الروسية الحكومية للطاقة بررت النقص في توريد كميات الغاز المتفق عليها مع عميلها الألماني بظروف خارجة عن إرادتها.

وكانت روسيا تصدّر 65% من الغاز الطبيعي الذي تستورده ألمانيا حتى وقت سابق من العام الجاري، لكن ذلك انخفض إلى أقل من 40%.

وخلال العام الماضي، جرى استيراد حوالي 53 في المئة من الفحم من روسيا، لكن من المقرر خفض ذلك إلى الصفر مع بدء سريان الحظر الذي فرضه الاتحاد الأوروبي على واردات الفحم من روسيا في أغسطس المقبل.

بدائل الغاز الروسي

وعلى وقع تفاقم أزمة إمدادات الطاقة، تبحث الدول الأوروبية عن بدائل للغاز الروسي، حيث تخطط حاليا لإطلاق محطات طاقة تعمل بالفحم.

وأكدت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك، خلال افتتاح حوار بطرسبورج للمناخ في برلين أمس الإثنين، أنه مع الحرب التي بدأها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ضد أوكرانيا ستضطر ألمانيا إلى إعادة تنشيط محطات الطاقة التي تعمل بالفحم كاحتياطي طارئ لفترة قصيرة.

حرق الفحم

وفي سياق تلك الظروف، تخطط النمسا لاستئناف عمل محطة توليد الكهرباء لحرق الفحم مرة أخرى، كما تخطط بولندا لدعم الفحم المستخدم في تدفئة المنازل، بينما قررت هولندا، الأسبوع الماضي، إلغاء خطط سابقة للحد من الإنتاج في أربع محطات طاقة تعمل بالفحم.

وعقدت الحكومة الإيطالية اجتماع أزمة، وأمر رئيس الوزراء، ماريو دراجي، بتشغيل وحدتين لإعادة تحويل الغاز الطبيعي المسال إلى غاز طبيعي، كما يسعى لتوقيع اتفاقات لتوريد الغاز مع دول من بينها قطر وأنجولا والجزائر، في محاولة يائسة لتأمين الإمدادات في حالة حدوث انقطاع من الجانب الروسي.

ويعد الاندفاع إلى حرق الفحم لتأمين إمدادات الطاقة أمراً محرجاً بالنسبة للأوروبيين المهتمين بالمناخ وسط توقعات بأن يؤدي ذلك إلى إبعاد الاتحاد الأوروبي أو الدول الأعضاء، بعيداً عن المسار في جهودهم لخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.

وفي ألمانيا، يُصر المسؤولون على أن العودة إلى الفحم ستكون قصيرة الأجل ولن يعرّض ذلك للخطر مسار البلاد نحو التخلص من طاقة الفحم بحلول عام 2030.

وسيعمل الفحم كإمداد احتياطي طارئ لقطاع الطاقة، ما يسمح للبلاد بتأمين احتياجاتها قبل الشتاء.

وفي غضون ذلك، تخطط الحكومة الألمانية تكثيف جهودها لتوسيع الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة بسرعة.

ويدرس البرلمان الألماني 10 تدابير لكفاءة الطاقة والطاقة المتجددة، حيث يتمسك الائتلاف المكون من ثلاثة أحزاب على نطاق واسع، بشأن أهمية إزالة الحواجز أمام الطاقة الخضراء.

وقال مجيب لطيف الخبير الألماني في مجال الأرصاد والمناخ، إنه «لا توجد خطة على الإطلاق، في دولة ألمانيا، حالياً، لوضع تاريخ انتهاء استخدام الفحم».

توترات سياسية

وأكد لطيف في تصريحات لموقع «الطريق»، أن الحاجة إلى التغيير السريع في مسار التخلص من الفحم تزيد من حدة التوترات السياسية في ألمانيا.

وفي برلين، انتقدت المعارضة الألمانية المحافظة، وزير الاقتصاد روبرت هابيك، والمستشار الألماني أولاف شولتس لسماحه بزيادة استخدام الفحم، بينما استبعد إبقاء محطات الطاقة النووية الثلاث المتبقية في ألمانيا قيد التشغيل، بعد نهاية هذا العام.

وقال نائب رئيس حزب الديمقراطيين المسيحيين في البرلمان، ينس سبان، الأسبوع الماضي: «لا أفهم كيف تسمح الحكومة لمزيد من محطات الفحم بالعمل لفترة أطول، بدلاً من محطات الطاقة النووية المحايدة كربونياً».

وكانت سياسة «التخلي عن الطاقة النووية»، إحدى السياسات التي تبنتها الزعيمة السابقة لحزبه، أنجيلا ميركل.

كما تُسبب هذه السياسة ضغوطاً داخل الائتلاف الحاكم في ألمانيا (الاشتراكي الديمقراطي والخضر والديمقراطي الحر).

وقال الأمين العام للديمقراطيين الأحرار الليبراليين، بيجان جير سراي: «الشيء الضروري الآن، هو الحفاظ على تشغيل محطات الطاقة النووية الثلاث المتبقية لفترة أطول، وهذه حقيقة لا يمكن لوزير الاقتصاد روبرت هابيك تجاهلها ببساطة».

وأوضح «هابيك» أن الاعتراف بالخطوة كان «كسراً للمحرمات»، مشددا على أن الفحم لايزال أفضل من إحياء الطاقة النووية.

وأكد أن التغيير في السياسة النووية سيكون له تأثير، فقط، في نهاية العام المقبل؛ أي بعد فوات الأوان للمساعدة هذا الشتاء.

وأيده المستشار الألماني أولاف شولتس، إذ قال إن «الطاقة النووية لن تساعدنا، الآن، وليس في العامين المقبلين، وهو ما يهم».

ترشيد الاستهلاك

وفي إطار تعزيز إمدادات الطاقة، تعمل الحكومات الأوروبية على ترشيد استهلاك الطاقة، وخفض استخدام الغاز، وزيادة مستويات التخزين للسماح للقارة بالتغلب على انقطاع الغاز الروسي الشتوي، وكملاذ أخير، فإنهم يفكرون في تقنين الغاز.

ومن شبه المؤكد أن توقّف إمدادات الغاز من شأنه أن يدفع الكتلة الأوروبية إلى الركود.

انكماش منطقة اليورو

وحذر البنك المركزي الأوروبي من أن منطقة اليورو ستنكمش بنسبة 1.7%، العام المقبل، إذا أغلقت روسيا الصنبور بالكامل.

وقال البنك: «من المرجح أن تتطلب اضطرابات إمدادات الطاقة والاحتمالات المنخفضة لإحلال فوري لإمدادات الغاز من روسيا بعض التقنين وإعادة تخصيص الموارد، ما يؤدي إلى انخفاض الإنتاج في منطقة اليورو، لاسيما في القطاعات ذات الاستهلاك الكبير للطاقة»، متوقعا أنه إذا حدث ذلك، فإن اقتصاد الكتلة سيتعافى العام المقبل.

ولكن البنك المركزي الأوروبي حذر، أيضاً، الرئيس الروسي فلاديمير بوتين «في ما يتعلق بالاقتصاد الروسي يتميز السيناريو بركود حاد مع انكماش في الإنتاج، على غرار الانكماش الذي حدث عندما انهار الاتحاد السوفييتي».

اقرأ أيضا: لا استغناء لأوروبا عن الغاز الروسي

موضوعات متعلقة