الطريق
الثلاثاء 16 أبريل 2024 09:32 صـ 7 شوال 1445 هـ
جريدة الطريق
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب

قصف زابوريجيا الأوكرانية يعيد فصول تشيرنوبل.. ورقة ضغط أم كارثة نووية قادمة؟

تتبادل كييف وموسكو الاتهامات باستهداف محيط المنشأة
تتبادل كييف وموسكو الاتهامات باستهداف محيط المنشأة

ضربات استهدفت محطة زابوريجيا النووية في جنوب أوكرانيا التي تعتبر الأكبر في أوروبا خلال الأيام الأخيرة، وفجرت سيلا من الاتهامات المتبادلة بين روسيا وأوكرانيا، وموجة واسعة من التنديد والتحذير أيضا، وسط مخاوف من وقوع كارثة نووية على بعد 500 كيلومتر فقط من موقع كارثة تشرنوبيل -أسوأ حادثة نووية شهدها العالم- التي وقعت عام 1986.

وحذر الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريش، من «الانتحار النووي» في زابوريجيا، مشددا على ضرورة «إخراج السلاح والعسكريين من المحطة».

ودق التصعيد الحالي ناقوس الخطر ورفع منسوب المخاوف إلى أقصاها من خطر حدوث كارثة «تشيرنوبيل أخرى» في أوكرانيا.

ورغم الجهود الدولية المبذولة لإنهاء الحرب عبر السبل الدبلوماسية، إلا أن ذلك لم يفلح في تهدئة المخاوف المتفجرة منذ بدء قصف المحطة النووية الأوكرانية الخاضعة للسيطرة الروسية.

ورفضت موسكو في وقت سابق دعوات دولية لإنشاء منطقة منزوعة السلاح حول المحطة، التي لا يزال يديرها مهندسون أوكرانيون تحت السيطرة الروسية.

وتقع محطة الطاقة على الضفة الجنوبية التي تسيطر عليها روسيا لحوض نهر ضخم في إنيرهودار، وتسيطر القوات الأوكرانية على الضفة الشمالية.

اتهامات متبادلة

وتبادلت روسيا وأوكرانيا الاتهامات خلال الليل بقصف مناطق مدنية قريبة من المحطة كما فعلتا على مدى أيام.

وتتهم أوكرانيا روسيا باستخدام المحطة درعاً لقواتها لشن ضربات عبر حوض النهر على المدن التي تسيطر عليها كييف، وهو ما تنفيه موسكو.

وسقطت محطة زابوريجيا للطاقة النووية الواقعة في جنوب أوكرانيا، في أيدي الروس منذ الأيام الأولى للحرب، وبقيت في قبضة قوات موسكو منذ ذلك الحين.

وأدت الضربات إلى إلحاق أضرار بوحدة ضخ وتدمير جزئي لإدارة الإطفاء المسؤولة عن أمن محطة الطاقة النووية.

ما المخاطر؟

وقال الدكتور يسرى أبو شادي، كبير مفتشى الوكالة الدولية للطاقة الذرية الأسبق، إن أكبر خطر على المفاعلات ينشأ من انخفاض إمدادات المياه، ويستخدم الماء المضغوط لنقل الحرارة بعيداً من المفاعل، ولإبطاء حركة النيوترونات لتمكين اليورانيوم 235 من مواصلة تفاعله المتسلسل.

وأوضح أبو شادي في تصريحات لموقع «الطريق»، أنه إذا جرى قطع المياه وفشلت الأنظمة المساعدة مثل المولدات التي تعمل بالديزل في الحفاظ على برودة المفاعل، بسبب هجوم على سبيل المثال، فإن التفاعل النووي سيتباطأ، لكن حرارته ستزداد بسرعة كبيرة.

ونوه إلى أنه في مثل هذه الحرارة المرتفعة يمكن انطلاق الهيدروجين من طبقة الزركونيوم، ويبدأ المفاعل في الذوبان، مؤكداً أن المبنى الذي يضم المفاعلات مصمم لاحتواء الإشعاع وتحمل الضربات الكبيرة، مما يعني أن خطر حدوث تسرب كبير لا يزال محدوداً.

وأضاف خبير الطاقة النووية: «لا أعتقد أنه سيكون هناك احتمال كبير لحدوث خرق لمبنى الاحتواء، حتى لو أصيب بطريق الخطأ بقذيفة متفجرة، أما احتمالات تضرر المفاعل نتيجة ذلك فهي أقل بكثير، وهذا يعني أن المادة المشعة محمية جيداً».

وتابع أنه إلى جانب المفاعلات الستة هناك أيضا منشأة التخزين الجاف للوقود النووي المستنفد في الموقع يتم فيها تجميع الوقود النووي بعد استخدامه، وكذلك أحواض في كل موقع من مواقع المفاعلات الستة لتبريد الوقود المستنفد.

وأشار أبو شادي إلى أن أحواض الوقود المستنفد ليست سوى أحواض كبيرة بها قضبان من وقود اليورانيوم، تكون حرارتها مرتفعة للغاية بحسب مدة بقائها هناك.

مأساة محلية

وذهب خبير الطاقة النووية إلى أن التحذير الصحيح ينبغي أن يكون من كارثة شبيهة بفوكوشيما وليس تشيرنوبل، أي أن المأساة قد تكون محلية وليست عالمية.

وفوكوشيما هي كارثة تطورت بعد زلزال اليابان الكبير في 11 مارس 2011 ضمن مفاعل فوكوشيما 1 النووي، حيث أدت مشاكل التبريد إلى ارتفاع في ضغط المفاعل، تبعتها مشكلة في التحكم بالتنفيس نتج عنها زيادة في النشاط الإشعاعي.

وأرجع أبو شادي طرحه إلى ضعف أنظمة تبريد محطة زابوريجيا النووية الأوكرانية، حيث تستخدم بركة رش للتبريد، ما يعني رش الماء في الهواء الخارجي لخفض درجة حرارته، وهذا ما يجعل هذه الأجزاء أهدافا محتملة للقصف.

وأشار إلى أنه في حال استهداف أنظمة التبريد وانهيار المفاعل فإن احتمالا مماثلا لن يجعل الأضرار تتجاوز قطرا بنحو 60 كيلومتر، أي أنها ستكون كارثة للسكان المحليين فقط، ولن تشمل الأضرار أوروبا المرعوبة.

مخاطر محدودة

رغم الاتهامات المتبادلة والتحذيرات المتواترة من هنا وهناك، إلا أن الخبير بالشأن الروسي نبيل رشوان، قلل من المخاوف، معتبراً أن الحديث عن كارثة نووية أمر قد يكون مبالغا فيه.

وقال رشوان في تصريحات لموقع «الطريق»، إنه رغم أن هناك حوالي 500 جندي روسي يرابط في تلك المحطة و50 قطعة من المعدات الثقيلة، لا يبدو أن مستوى الخطر بلغ الدرجة التي تعكسها تصريحات المسؤولين.

وأكد أن مخاطر القصف تظل محدودة لأنه من الصعب أن تصل القذائف إلى مفاعلات محمية بنحو 10 أمتار من الخرسانة، مشيرا إلى أن هذا الطرح يظل قابلا للاستبعاد في حال تعرضت المفاعلات لوابل من القصف.

ونوه رشوان إلى أن الاحتمال الأخير يظل بدوره غير وارد، لأنه لا يمكن لأي من الجانبين سواء الأوكراني أو الروسي، المجازفة بخطوات ستكلفهما فاتورة باهظة على كافة الأصعدة.

وأوضح الخبير بالشأن الروسي أنه حتى في حال استهداف مواقع تخزين الوقود المستنفد، فإن تسرب أي مادة مشعة لن يمكنه الانتقال لمسافة تتجاوز العشرين كيلومتر، وهذا عامل إضافي لخفض المخاوف.

ورقة ضغط

بالنسبة لأوكرانيا، قد يساعد الخوف من كارثة جديدة في زيادة الدعم العسكري الأوروبي والغربي عموما بالنسبة لأوكرانيا، علاوة على الحصول على تعاطف شعبي في الداخل وحول العالم، كما أنه يعتبر أحد أعمدة الحرب الإعلامية الضرورية في الصراعات بين الدول.

وتعول كييف أيضا على هذه الورقة لترفع منسوب الضغط الدولي على موسكو، لإن الإيهام بكارثة نووية في الأفق سيدفع بلا عناء نحو اصطفاف أكبر ضد روسيا وإلى تحركات ملموسة تنهي أمد الحرب بأقل الخسائر بالنسبة لها.

وباللعب على وتر المخاوف، واستعادة حقبة مظلمة من تاريخ البشرية، سيكون بحوزة أوكرانيا سلاح فعال يمكن أن تشهره كلما اختلت موازين القوى على الأرض.

ما محطة زابوريجيا؟

وتعتبر زابوريجيا الأكبر من بين أربع محطات للطاقة النووية في أوكرانيا، توفر مجتمعة حوالي نصف الكهرباء المحلية.

وتضم المحطة النووية 6 مفاعلات صممها الاتحاد السوفيتي السابق، يتم تبريدها بالماء وتهدئة نيوتروناتها أيضا بالماء، وتعمل باليورانيوم 235.

بدأ العمل بتشييدها في 1980 وجرى توصيل مفاعلها السادس بالشبكة في عام 1995، وتعد الأكبر في أوروبا والتاسعة على مستوى العالم.

وبحسب بيانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، تمتلك كل وحدة من وحدات زابوريجيا الست سعة صافية تبلغ 950 ميجاواط كهربائية، أو ما مجموعه 5.7 جيجاواط كهربائية.

ماذا حدث حتى الآن؟

تعرضت المحطة للقصف في مارس لكن لم يحدث تسرب إشعاعي ولم يلحق بالمفاعلات أي ضرر، وتبادلت روسيا وأوكرانيا اللوم في تلك الضربة.

وفي يوليو، اتهمت روسيا القوات الأوكرانية بقصفت محيط المحطة بشكل متكرر باستخدام طائرات مسيرة وصواريخ.

وفي الخامس من أغسطس، قُصفت المحطة مرتين، وتضررت خطوط الكهرباء، كما أصيبت منطقة قرب المفاعلات، واتهمت شركة الطاقة النووية الأوكرانية المملوكة للدولة (إنرجواتوم)، روسيا بإطلاق قذائف صاروخية على المحطة.

وأفادت روسيا بأن لواء المدفعية 45 الأوكراني قصف أيضاً محيط المحطة بقذائف من عيار 152 مليمتراً من الضفة الأخرى من نهر دنيبرو.

وفي السادس من أغسطس، تجدد القصف مرتين وأصيبت منطقة مجاورة لمنشأة التخزين الجاف للوقود النووي.

أما في السابع من أغسطس فقُصفت مرة أخرى مما ألحق أضراراً بأحد خطوط الجهد العالي، وتجدد هذا القصف في 11 أغسطس.

اقرأ أيضا: روسيا تضاعف قصفها لأوكرانيا وأوروبا تضغط بالعقوبات

موضوعات متعلقة