الطريق
الخميس 9 مايو 2024 11:05 صـ 1 ذو القعدة 1445 هـ
جريدة الطريق
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب

وليد عوض يكتب من غزة.. حتما سننتصر

وليد عوض
وليد عوض

منذ يوم الأحد التاسع عشر من نوفمبر الجاري، وهو اليوم الخامس والاربعين لحرب تدمير قطاع غزة وإبادة سكانها، تعرض القطاع الذي تغيرت ملامحة كلياَ مع العدوان كما الاراضي الفلسطينية، لمنخفض جوي حاد ما زالت تأثيراته مستمرة، حمل معه عواصف رعدية مرعبة تشابكت مع القصف المتواصل من الجو والبر والبحر في ظل هبوب رياح عاتية وهطول أمطار غزيرة بغزارة الرصاص الذي ينهمر مدراراً على المواطنين.

غزة هذه التي أصلاَ بنيتها التحتية تعاني بالأساس من عجز في التعامل مع المنخفضات الأقل حدة من الحالي، ومع كل واحد منها كانت الشوارع تطفوا بمياه، والبيوت تغرق وسقوف بيوت الفقراء في المخيمات تتطاير. اليوم ومع التدمير الكامل الذي طال الشوارع والابراج السكنية والبيوت ومحطات الصرف الصحي وشبكات المياه والكهرباء والاتصالات، إنهارت كل مقومات الحياة بعد أن شُلت تماماً كافة المؤسسات والمنشآت الخدمية التي كانت بالكاد تتعامل بصعوبة مع هكذا ظروف، فغدت غزة ومدينتها كما شمالها وجنوبها، تغرق وكأنها تعرضت لـ"تسونامي" رهيب تعجز قدرات البشر على معالجته أو النجاة من مخاطره إذا ما اشتد.

المنخفض الجوي هذا أصاب النازحين في الكبد، وهم الذين دمرت بيوتهم واضطروا لمغادرتها، سواء ممن اتجهوا جنوباً للجوء عند أقاربهم أو الذين أقاموا في الخيام التي نصبت خصيصاً لاستيعابهم دون أي مقومات، فضلاً على الذين آثروا البقاء فوق ركام بيوتهم أو بمحاذاتها وأقاموا في مراكز إيواء غير معترف بها في محافظتي غزة والشمال.

هؤلاء جميعاً غادروا منازلهم تحت وحشية القصف وشدته، لم يحملوا معهم حينها أي شيء، وظنوا أنها عملية عسكرية يمكن ان تمتد لأيام أو اسبوع يمكن تحمله، خاصة قبل حلول فصل الشتاء، إلا أن الأمر قد طال وأمتد ولا أفق قريب، هؤلاء الذين افترشوا بلاط المدارس والمستشفيات والأندية والمدارس ولاحقتهم آلة الموت، أمضوا لياليهم العصيبة على قطعة من الكرتون أو على المقاعد الخشبية في الأندية والجمعيات والمدارس وحتى في سياراتهم الخاصة، التحفوا بقطع قماش ربما بالية، يبحثون عن بضعة لترات من الماء يغسلون بها وجوههم بين يوم وآخر، يعدون طعامهم وخبزهم على الحطب، يتدبرون بصعوبة أمور البقاء بعد أن شارفت أو نفذت كل البضائع والسلع الأساسية.

عاشوا هذه الليلة وما زالوا بفعل المنخفض والقصف المستمر، أوقاتاً صعبة وأوضاعاً مزرية، نخر البرد فيها عظامهم فاستكت أسنانهم ببعضها البعض، وتكوروا يحتضنون بعضهم بعضاً بحثاً عن حنان ودفئ بانتظار الموت الذي تحمله في كل لحظة قذيفة دبابة، أو صاروخ طائرة، أو رشقة رصاص من قناص متحصن في دبابته أو على سطح عمارة مجاورة لم تهدم بعد.

ينتظرون خبرٍ من هنا ومعلومة من هناك تتردد عن هدنة مؤقته، عكف على صياغة بنودها أناس ينعمون بكل سبل الرفاهية والراحة والحسابات الخاصة فوق كل شيء. هدنة لأيام يتمكن فيها ضحايا العدوان الدموي من أبناء وبنات شعبنا، من الذهاب لمنازلهم المدمرة، أملاً في العثور على فرشة أو بطانية وبضعة ملابس وبقايا طعام، ينتشلونها مع بقايا أشلاء الشهداء المفقودين من تحت الانقاض والنهوض من تحت الرماد.

ورغم شدة المحنة وصعوبة الحياة التي يعيشها شعبنا، فإن الأمل ينبعث من الألم حتى في مراكز الإيواء الغير معترف بها خاصة في غزة، فشعبنا ما زال يحتفظ بروح التكافل والتعاون إلى جانب العزيمة والاصرار على الحياة وفق قول درويش "على هذه الارض ما يستحق الحياة". فتجد العديد من الأسر والجيران يقدمون بروح أخوية مما لديهم من فائض يزيد عن حاجتهم أو حتى يقتطعون منها لمقاسمة بعضهم البعض، والمساعدة في تخطي المحنة وتحمل المعاناة معاً بما يحمل رسالة واضحة، مفادها "أن الشعب الذي يتقاسم كسرة الخبز أيام القحط حتماً سينتصر".

* عضو المكتب السياسي لحزب الشعب الفلسطيني.