وحيد حامد.. عاشق مصر والناس الغلابة
عاش المبدع وحيد حامد وسط الناس وكتب عنهم وأحس بهم وعبر عن أحلامهم وآلامهم، وعاني معهم، مليء الشاشة بالحكايات التي لا تنتهي عن البسطاء، لديه قدرة علي الاستحواذ، والتي جعلت منهم أهم كاتب سيناريو ظهر خلال الفترة الماضية، خط بقلمه تفاصيل حكاية المواطن المصري، بكل آلامه وطموحاته وأحزانه، لم يهادن يوماً ولم يتنازل عن مبادئه التي حافظ عليها، ولم يتراجع عنها، منذ أول أفلامه «طائر الليل الحزين»، وأول مسلسل «أحلام الفتي الطائر»، ما بين أول عمل درامي وسينمائي له إلي أخر عمل له قبل رحيله «سري للغاية» عام 2021، ومن قبله الجماعة الجزء الثاني «2017» كان كما هو لم يتغير وحيد حامد، بالإضافة إلي ظهوره مرة واحدة علي الشاشة الصغيرة في فيلمه «اللعب مع الكبار» 1991، رجل الطاولة في المقهي.
عام 1944 كان موعد مجيء وحيد حامد إلي الدنيا في قرية بني قريش التابعة لمنيا القمح محافظة الشرقية، ودرس في مدرسة تحمل اسم شنبارة، جاء إلي القاهرة في عام 1962 بعد المرحلة الثانوية، علي أمل الدراسة في كلية التجارة لكنه تراجع والتحق بكلية الآداب قسم اجتماع في عام 1965، خلال هذه الفترة بهرته أضواء المدينة حفظ أسماء شوارع القاهرة، يقف أمام أي حوار يحدث بين أشخاص لا يعرفهم، يحتفظ بالتفاصيل في مخيلته، علي أمل كتابتها في يوم ما.
الكاتب الكبير يوسف إدريس أشار عليه أن يغير من طريقة إبداعه، عندما التقوا في كافتيريا بجوار مبني الإذاعة والتليفزيون علي كورنيش النيل، قائلا له: مستقبلك في ظهرك، وعندما التفت وحيد حامد إلي الخلف وجد مبني ماسبيرو وراءه ومن هنا بدأت رحلة وحيد حامد مع الإبداع السينمائي.
لم يكن بالكاتب السهل، لديه طقوس لا يغيرها أبداً، الترابيزة التي تحمل أسمه في الفندق المطل علي «نيل جاردن سيتي» محجوزة له، ومقعد لا يغيره مهما كان السبب فهو علي قناعة بأن المكان الذي يجلس فيه مهبط وحي أفكاره، عبقريته تكمن في إصراره علي الكتابة وقدرته الهائلة علي المقاومة، صاحب رؤية وهدف لابد أن يصل إليها، أحد الأساتذة الكبار، فهو لايعرف الخوف أو الإرتعاش في التصوير والتفسير والتحليل و الوصول إلى جوهر الأمور، لا يكتفي بالإشارات والرموز، كل عبارة يكتبها في السيناريو تحمل رؤية واضحة وهدف معين يريد الوصول إليه، في كل مرة يظهر له عمل علي الشاشة يحمل معه كمية مشاكل لا حصر لها، مسلسل «العائلة» واجه غضبا من مؤسسة الأزهر الشريف، ومسلسل «أوان الورد» أغضب البعض في الكنيسة المرقسية، وغيرها من الأعمال التي لا تعرف الهوادة.
الكثير من كتاب السيناريو وقعوا فريسة التكرار والملل، لكن بقي وحيد حامد قادرا علي الإمتاع والإقناع فكلاهما يسيران معاً، رحلته بدأت منذ عام 1977 لتستمر أكث من أربعة عقود من الزمان، كان فيها هو السيد بدون منازع.
تعاون وحيد حامد مع العديد من المخرجين من بينهم سمير سيف، وعاطف الطيب، وشريف عرفة، وخيري بشارة، ويسري نصر الله، ويحيي العلمي، ومحمد عبد العزيز، وعمر عبد العزيز، ونادر جلال، ولم يبتعد وحيد عن مخرجين في بداية حياتهم مع الإخراج منهم المخرج محمد ياسين، ومروان حامد، ومحمد علي، وتامر محسن، وشريف البنداري، وغيرهم، بالإضافة إلي النجوم الذين احتلوا مكانة كبيرة في قلوب الملايين علي رأسهم عادل إمام، وأحمد زكي، ونور الشريف، ومحمود عبد العزيز، ويسرا، ونبيلة عبيد، وليلي علوي، وإلهام شاهين، ومني زكي، كل هؤلاء كان لهم مكانة خاصة في تاريخ وحيد حامد الدرامي.
عادل إمام تعاون مع وحيد حامد في الكثير من الأعمال السينمائية، ففي عام 1981 تألق الزعيم عادل إمام في فيلمين انتخبوا الدكتور عبد الباسط، إخراج محمد عبد العزيز، «والإنسان يعيش مرة واحدة»، للمخرج سيمون صالح، بالإضافة إلي فيلم «الغول»، و«الهلفوت» والأفلام الخمسة التي جمع الثلاثي وحيد حامد وعادل إمام والمخرج شريف عرفة، بداية من «اللعب مع الكبار»، 1991 و«الإرهاب والكباب»، و«المنسي»، و«طيور الظلام»، و«النوم في العسل»، و«عمارة يعقوبيان» 2006 للمخرج مروان حامد.
ساهم وحيد حامد في زيادة شعبية النجم عادل إمام في عام 1978 من خلال المسلسل الدرامي الأول «أحلام الفتي الطائر»، إخراج محمد فاضل، ولم يكن وحيد حامد يرضخ لطلبات النجوم أبدا، فعندما تم عرض سيناريو فيلم «أضحك الصورة تطلع حلوة» للمخرج شريف عرفة كان من المفترض أن يجسد الشخصية الرئيسية في الفيلم عادل إمام لكنه اعترض، وتم أسناد الشخصية إلي أحمد زكي، كما حدث ذلك في فيلم «معالي الوزير»، وكان من المفترض أن يقوم بالشخصية محمود عبد العزيز وطالب تغير مشاهد الموت والمقابر وكان يخشاها جداً وبعد عدة لقاءات لم يقتنع وحيد حامد بما قاله محمود عبد العزيز، وتم استبداله بأحمد زكي وغيرها من الأعمال السينمائية التي وصلت إلي «86» عمل فني.
تاريخ وحيد حامد مع الرقابة ممتد فلم يخلو سيناريو إلا وهناك رفض ومشاكل تلاحقه العمل الفني، ومن بين الأفلام التي تعرض للكثير من المشاكل فيلم «البريء»، إخراج عاطف الطيب، وبطولة أحمد زكي، ومحمود عبد العزيز، شاهد الفيلم قبل عرضه في دورالسينما أربعة من الوزراء عام 1986، البعض رأه فيلماً تحريضياً لحساسية الطرح الذي قدمه وحيد حامد لذلك أقيم عرض خاص في مدينة السينما بالهرم لأربعة من الوزراء، وهم المشير عبد الحليم أبو غزالة وزير الدفاع، وصفوت الشريف وزير الإعلام، والدكتور أحمد هيكل وزير الثقافة، وأحمد رشدي وزير الداخلية، بعدها تمت الموافقة علي عرض الفيلم لكن مع حذف بعض المشاهد، ومع مرور الزمن تم عرض الفيلم كاملاً بالمشاهد المحذوفة، كما أن فيلم «الراقصة والسياسي» المأخوذ من رواية للكاتب الكبير إحسان عبد القدوس، تسبب في الكثير من المشاكل مع الرقابة بسبب جرأته وما جاء فيه من عبارات في السيناريو، بالإضافة إلي فيلم المستور، وأيضا فيلم «عمارة يعقوبيان»، وغيرهم من الأعمال السينمائية.
ومن بين الأفلام المهمة التي تعتبر علامة في تاريخ وحيد حامد الفني، وهي فيلم «التخشيبة» بطولة نبيلة عبيد وإخراج إخراج عاطف الطيب و«البريء» بطولة أحمد زكي وإخراج عاطف الطيب، وفيلم «حد السيف» بطولة محمود مرسي وإخراج عاطف سالم، وفيلم «اللعب مع الكبار» بطولة عادل إمام وإخراج شريف عرفة و«والإرهاب والكباب، والنوم في العسل وغيرهم من الأفلام التي تعتبر علامة في تاريخ السينما المصرية والعربية.
رحل وحيد حامد عن الدنيا في 2 يناير عام 2021 لكن بقيت أعماله شاهد عيان علي مبدع ترك بصمة مضيئة.