عبد الناصر يطالب بوقف الحملة فورا والاعتذار للحكيم
هل اقتبس توفيق الحكيم كتبه عن الحمير من كاتب أوربي؟.. جريدة الجمهورية تشن حملة عليه
في البدء كان الإنسان وبجانبه الحمار ومن بعده جاءت المخلوقات جميعا، والحمير أشكال وألوان منها الأبيض والأسود والمخطط، فلا تخلو قرية أو مدينة إلا والحمار موجود.
بعض الشعوب استعملت الحمير للأكل، والبعض الأخر للركوب، والمثقفون استعملوه للكتابة عنه، وأشهر الحمير، حمار بوريدان، لم يركبه أحد، بالإضافة إلي حمار الفيلسوف الألماني شوبنهور، ومن أشهر الحمير العربية حمار الحكيم الذي أثار حوله الكثير من المشاكل.
والحمير من الكائنات "حمالة الآسية" في الغيط والدار تلاقيها، وفي عربيات الكارو تجرها، ومن كثرة توافرها استعملها بعض أصحاب محلات المأكولات لرخصها وباعوها لحمة مشوية، وعلي لسان من أكلوها وصفوا لحمها بالمسكرة.
توفيق الحكيم وأنيس منصور وثالثهم الحمار
توفيق الحكيم له تاريخ مع الحمير، وقام بتأليف ثلاث كتب تحمل أسماء "حماري قال لي"، و"حمار الحكيم" و"حماري وعصاي والأخرون" فما هو سر تقديسه لهم، وما سبب الحملة التي قادتها جريدة الجمهورية ضده متهمه إياه بسرقة كتبه المرتبطة بالحمير.
البداية كانت عندما إراد شراء حمار من سوق إمبابة، وطلب من الكاتب الكبير أنيس منصور أن يصطحبه معه في سيارته إلي السوق لشراء حمار، وبالفعل رضخ أنيس له وذهبوا إلي السوق وفي الطريق صرخ الحكيم، وقال " نزلني هنا، نزلني هنا، دي مصيبة كبيرة كبيرة قوي.
رد عليه أنيس منصور، ليه يا أستاذ
-بلا أستاذ بلا هباب، نزلني هنا.
أوقف أنيس السيارة ونزل توفيق الحكيم ينفض ملابسه محاولا خلع البنطلون بعد أن ملآ النمل جسده، وظل ينظف نفسه من النمل.
ليرد عليه أنيس منصور: الله يخرب بيت حمدي غيث
وكان حمدي غيث قد أهدي أنيس علبة كعك بالسكر، ووضعها في السيارة، وعرف النمل طريقه إليها، ليسكن في بنطلون الأستاذ الحكيم.
وبعد محايلات من أنيس قرر الحكيم أن يركب مرة أخري حتي وصلوا إلي السوق فأعجبه جحش صغير وقبل أن يفاصل، سأل أنيس، الأستاذ توفيق الحكيم، كيف تعود به فأجاب: نربطه بالسيارة بس إنت تمشي علي مهلك شوية.
وربطوا الحمار في السيارة من الخلف، وعليه صاحبه الذي اشتراه منه الحكيم، وبعد أن تحركت السيارة انفلت الحمار من الخلف وقفز صاحبه من عليه، وسرقه وهرب.
مصور الأهرام يلتقط صورة للحكيم والحمار
ومن الصدف الغريبة أن يراهم المصور الصحفي في جريدة الأهرام محمد يوسف ويلتقط لتوفيق الحكيم وأنيس منصور والحمار المربوط في خلف السيارة صورة، وبعد محايلات من توفيق الحكيم للمصور الصحفي تمكن من الحصول علي الصورة حتي لا ينشراها أحد.
بعدها بأيام صدر كتاب توفيق الحكيم، "أنا وحماري" عرضها مصطفي أمين وكان رئيس تحرير مجلة الاثنين علي عدد من الصحفيين والفنانين للتعليق علي غلاف الذي يظهر فيه الحكيم جالسا إلي جوار حماره.
قالت أم كلثوم: كل الأحبة اثنين اثنين
محمد عبد الوهاب قال: أنا مش شايف غير صفين لولي
كامل الشناوي قال : حمار وحلاوة
محمد التابعي قال: جيكل وهايد
وقال علي أمين: اللي أوله حكيم أخره حمار
وقال مصطفي أمين: اختبر ذكائك أيهما توفيق الحكيم؟.
هجوم جريدة الجمهورية وتتهمه بالسرقة
بعد صدور الطبعة الأولي من كتاب أنا وحماري للحكيم، شنت الصحف حملة عنيفة علي الحكيم، وخصوصا في صحيفة الجمهورية، واتهام الحكيم بأنه سرق أفكار وقصص الأخرين، وكتبوا حتي حمار الحكيم مسروق من الشاعر الأسباني "رامون خمينيز الحائز علي جائزة نوبل في الأدب سنة 1956، حيث كان له كتاب أصدره عام 1911 بعنوان "الحمار وأنا" أو "بلاتير وأنا" وبالتيرو اسم الحمار.
وقاد الصحفي أحمد رشدي صالح سلسلة من المقالات في الجريدة الورقية، ضد الحكيم، وقام بمقارنة بين الكتابين.
ورواية الأسباني كتبت بصيغة شعرية مكونة من 138 نصا قصيرا، حول الرواي وحماره، وهما يجوبان قرية " موغير" مسقط رأس المؤلف الأسباني، وظل المؤلف الأسباني يصف جمال قريته وتعاقب الفصول، وهو يتسكع مع حماره.
في حين تدور رواية الحكيم التي ظهرت في عام 1940 إلي شراءه لحمار صغير وجده في يد قروي، ليبدأ هو وحماره في وصف القري المصرية.
الرئيس عبدالناصر يطالب بوقف الحملة
وظل رشدي يهاجم الحكيم، مؤكدا أنه سرق صفحات من الكتاب، وظلت الحملة حتي عاد الرئيس جمال عبد الناصر الذي كان في رحلة عمل إلي روسيا، وفؤجي بالحملة الشرسة علي توفيق الحكيم، فتضايق جدا، وقال: إن كان قد قال، إنه وجدهم في روسيا ينسبون كل الاختراعات إليهم، فهم الذين اخترعوا التليفون وليس الأمريكي، بل وهم من الذين اخترعوا الراديو وليس الإيطالي، ماركوني، وهم الذين اخترعوا القطار اليس الإنجليزي ستيفنسون، وإنهم الذي اكتشفوا الميكروبات وليس الفرنسي باستير، وأن الروس يجردون العلماء الأجانب من كل اختراعاتهم وينسبونها إلي علمائهم، بينما نحن نجرد أديبنا الكبير توفيق الحكيم من كل إبداعاته وننسبها للأخرين.
بعدها علي طول توقفت الحملة التي قادتها جريدة الجمهورية ضد الحكيم، وكان الحكيم سعيدا بهذه النهاية، لكنه كان زعلان لأن الذين هاجموه تقاضوا أجراً علي ذلك، فلماذا لا يتقاضي تعويضا علي هذه البهدلة وهو ما يعادل مرتبات كل الذين هاجموه.
قاله كامل الشناوي: لم يتقاضوا أجراً
قال الحكيم عشان كده بيهاجموني طيب ما تقولوا للرئيس يدفع لهم إيه حاجة.
وجاءه مصطفي أمين: وقال له إن الرئيس أمر لك بمكافأة عشرة آلاف جنيه.
رد عليه : شهريا
-سنويا
-كل البهدلة دي بعشرة آلاف جنيه بس
-مصطفي أمين يرد عليه: أحسن من مفيش
ليرد عليه الحكيم: لا مفيش أحسن كنت أستمتع بالشتيمة لأنهم كانوا يتناولون جانب غريبة من مؤلفاتي، وأشياء لا تخطر علي بالي، حتي فكرت أني أكتب مسرحية بعنوان"مدرسة الفضائح الجديدة" بشرط أن يقررها الرئيس في المدارس، فإذا فعلت كسبت من وراءها عشرات الألوف.
قال له مصطفي أمين: الرئيس عبد الناصر أعجبته الفكرة.
رد عليه توفيق الحكيم متشككا: تقول أعجبته الفكرة إذن هذا مقلب منك أنت، وبدلا من أن أتخانق مع النقاد أتخانق مع الرئيس، فتكون النهاية، النقاد أرحم.