الطريق
الثلاثاء 1 يوليو 2025 03:35 صـ 6 محرّم 1447 هـ
جريدة الطريق
رئيس التحريرمحمد رجب
رئيس التحريرمحمد رجب
جمعية الدكتور مصطفى محمود عضو التحالف الوطني تُوقع عقد تشطيب صرحها الطبي الجديد بأكتوبر وزير السياحة والآثار يترأس اجتماع مجلس إدارة المجلس الأعلى للآثار رئيسة الجمهورية الناميبية تستقبل السفير المصري مراسلة «القاهرة الإخبارية»: هجوم صاروخي يعطل مطار كركوك ويتسبب بأضرار واسعة وحالة ذعر وزير الثقافة والمحافظ يفتتحان الدورة الأولى لمعرض الفيوم للكتاب ضمن احتفالات الوزارة بثورة الـ 30من يونيو مجلس إدارة نادي الزمالك يوجه الشكر للكابتن أيمن الرمادى علي الفترة التي قضاها مع الفريق الخارجية السورية: قرار ترامب برفع العقوبات نقطة تحول مهمة من شأنها دفع البلاد نحو مرحلة جديدة من الاستقرار تفاصيل الاجتماع الفني للبطولة العربية لسيدات كرة السلة بالقاهرة وزير الاتصالات: 30 يونيو لحظة فارقة أثبت فيها الشعب المصري قدرته على حماية هويته محافظ الغربية يجوب شوارع المحلة الكبرى القاهرة الإخبارية: هجمات شرسة من المستوطنين الإسرائيليين على المدنيين الفلسطينيين في كفر مالك بالضفة الغربية وكيل تعليم كفر الشيخ: إجراء المقابلات مع المتقدمين للتجديد للوظائف الإشرافية

عبدالحليم قنديل يكتب: «وديعة السيد حسن»

عبد الحليم قنديل
عبد الحليم قنديل

قد يعد اختيار الشيخ "نعيم قاسم" أمينا عاما لحزب الله تطورا مثيرا ، وقد يبقى "قاسم"ـ حماه الله ـ فى منصبه الجديد طويلا ، أو تسبق إليه يد الغدر ، لكن لا "قاسم" ولا غيره ممن قد يخلفه ، يستطيع أن يملأ فراغا هائلا تركه استشهاد السيد "حسن نصر الله" .
فلم يكن "نصر الله" مجرد أمين عام لحزب الله ، وقد سبقه إلى العنوان ذاته الشيخ "صبحى الطفيلى" ، وخليفته السيد "عباس الموسوى" ، وكان الأخير صنوا ورفيقا للسيد حسن فى مقام حملة العمائم السوداء ، وولد كلاهما من النسل النبوى الشريف ، ومن أحفاد الإمام الحسين سبط النبى الأكرم (ص) ، ومن حفظة عهد الشهيد "الحسين" ، فقد ذهب الحسين جسدا ، لكنه بقى ذكرا وأبدا ومثالا باهرا للإسلام النقى عند ينابيعه الأولى ، وهكذا كان "عباس" ، الذى استشهد مع زوجته وأطفاله بصاروخ قاتل من طائرة هليكوبتر إسرائيلية فى 16 فبراير 1992 ، ولم يكن مضى على توليه منصبه سوى شهور ، وقتها جاءوا بالسيد حسن من رحلة التعليم الدينى الثانية فى "قم" ، وكان "عباس" قد رافق وأرشد ورعا "حسن" فى رحلة التعليم الدينى الأولى إلى "النجف الأشرف" ، ولم يكمل السيد حسن تعليمه الدينى إلى نهايته فى الرحلتين ، فقد دهمته مطاردات السياسة فى العراق ، ثم نادته استدعاءات السياسة فى حزب الله بعد رحيل السيد عباس ، وأجمعوا على اختياره أمينا عاما فى مجلس الشورى ، رغم أنه كان وقتها الأصغر سنا فى القيادة ، كان اختياره وفاء للشهيد عباس ، وتوقيرا لصحبة جمعتها فى طلب العلم وطلب الشهادة ، كان عمر السيد حسن وقتها 32 سنة ، وقضى فى قيادة الحزب مثلها ، وإلى أن كان استشهاده فى سن الرابعة والستين ، أرادت له أقدار الله ألا يكمل تأهيله العلمى الدينى ، وكان كثيرا ما يعبر عن ألمه فى هذه النقطة ، وإن كان وجد فى سيرة السيد عباس دليله الشخصى ، كان السيد عباس إبنا لبيئة شيعية لبنانية متفتحة ، وعابرة للاختناقات والتحوصلات الطائفية ، وساعية لوحدة المسلمين ، ومتأثرة باجتهادات المرجع "آية الله حسين فضل الله" ، الذى حرم مبكرا سب الصحابة والسيدة عائشة ، وحرم العدوان على سيرة الشيخين "أبى بكر" و"عمر" ، وفى فيديو نادر حفظ كلمات للسيد عباس ، أشاد فيها بالخليفة الثانى "عمر بن الخطاب" ، وفتح "القدس" فى عهده ، وتجريمه العدوان على الكنائس والأديرة ، ورفضه الصلاة فى كنيسة القيامة ، حتى لا تكون سنة عدوان للمسلمين من بعده ، واستن "العهدة العمرية" الخالدة فى مجرى الضمير الدينى ، وتوقير الانبياء المعصومين جميعا دون تفرقة بين أحد منهم ، لم يكن "عمر بن الخطاب " فقيها متبحرا كالإمام "على" ، وكان كثيرا ما يقول "أصابت إمرأة وأخطأ عمر" ، وكانت خشيته الباكية لله وازعه فى كل تصرفات خلافته ، ولم يكن السيد حسن قد بلغ مبلغ فقه دليله السيد عباس ، لكنه كان صنوه وتابعه على طريق وعقيدة "الإسلام الفلسطينى" إن جاز التعبير ، وهى عقيدة لا تلتزم بدول ولا بحدود صنعها الاستعمار فى (سايكس ـ بيكو) وما بعدها ، وتقدس "القدس" ومسجدها الأقصى ، كما تقدس مكة والكعبة وقبر الرسول الأعظم ومرقد الإمام والمسلم الأول "على ابن أبى طالب" ، وتفهم أن ما جرى فى الفتنة الكبرى ، لم يكن خلافا على الإسلام بل فيه ، وكما قال الإمام "على" نفسه ، فلم يكن الأمر خلافا فى عقيدة التوحيد الإلهى ، بل كما قال الإمام فى حومة الوغى "لقد التقينا وربنا واحد ، ونبينا واحد ، ودعوتنا إلى الإسلام واحدة" ، بل كان الخلاف فى التاريخ والحكم والعدالة والسياسة ، ومع تدهور القرون ، التبست الأصول وبهتت وبليت معادنها الأولى ، وزاد ثقل الأساطير وركام التخاريف ، وعميت الأبصار ، وبدا الأمر كما لو كان فراقا فى أصل الدين نفسه ، وكان السيد حسن واعيا بما جرى من آثام المغالين ، ومحذرا من استخدام الغزاة لهم كمعاول هدم وفتنة وتفريق ، وكان تأثيره الكاريزمى أقوى فى ناسه "الشيعة" من أثر المراجع وآيات الله ، وإن لم تخل أحاديثه من تواضع نادر ، كان يقول "أنا مقلد ، ولست مرجع تقليد" ، وكان التعبير فى معرض بيان انحيازه لوحدة المسلمين ، وتأكيده على تقليده الدينى لمرجعية "الولى الفقيه" الإمام الخمينى والإمام الخامنئى من بعده ، واختار التركيز على تحريم شتم الصحابة والخلفاء الراشدين ولعان السيدة عائشة رضى الله عنها ، ثم كان فهمه الناضج لما جرى فى صدر الإسلام من انحيازات دنيوية لا دينية ، وانحيازه هو الآخر لسيرة آل البيت وسادتهم الشهداء الأبرار ، وكان ضنينا بعظات دم الإمام الحسين ، أن يجرى امتهانها فى عادات وطقوس مبتذلة ، وانتقد جرح الصدور وإسالة الدماء بشدة الحزن على النهاية "الكربلائية" لسيد شباب أهل الجنة ، وكان يقول ما معناه ، وفروا الدماء واذهبوا بها لتحرير فلسطين ، كان واجب الوقت دليله الدينى ، ولم يكن ذلك سهلا على الإطلاق فى بيئة الطوائف اللبنانية ، ولا فى الصيغة المريضة لحكم لبنان ، ومع كل هذا التعقيد المقعد ، الموروث منه والمستجد ، كانت مهمة السيد تبدو مستحيلة .
وعبر 32 سنة من قيادته لحزب الله ، وقد كان من مؤسسيه الأوائل ، خاض السيد حسن معارك وملاحم كبرى ، وقفز بجماعة المقاومة الصغيرة إلى جيش تحرير حقيقى وجاد ، وخاض الصدامات الكبرى مع جيش الاحتلال الإسرائيلى ، من معركة 1993 إلى معركة 1996 ، وإلى تحرير الجنوب اللبنانى كله أواخر مايو 2000 ، ومن دون توقيع صك استسلام ولا اتفاق تطبيع ، وإلى حرب 2006 ، التى كانت إلى حينها الحرب الأطول زمنا من نوعها ، ولم يكن الرجل يؤمن بدعاوى لبنان المعزول أو لبنان المحايد بضعفه ، بل جعل من "حزب الله" أكبر خطر وجودى إلى الشرق على كيان الاحتلال الاستيطانى "الإسرائيلى" ، الذى أراد ويريد ضم أجزاء واسعة من لبنان إلى كيانه الاحتلالى ، وفعلها فى حملات غزو همجى تعددت فى 1978 و 1981 و 1982 ، أى قبل ظهور "حزب الله" نفسه ، وقبل الزحف الإيرانى إلى دور إقليمى بعد ثورة الخمينى ، وكان السيد حسن صادقا مقنعا صريحا ، وقالها مرات بوضوح قاطع ، قال أن "أكل وشرب وسلاح حزب الله يأتى من الجمهورية الإسلامية فى إيران" ، كان صدق السيد حسن علامته وآيته وطريقه إلى قلوب الناس ، وكان صادما لأصحاب المصالح والأهواء ، وكان صدقه عن الدعم الإيرانى الحصرى من عناوين اللحظة التى ولد ونما فيها "حزب الله" ، وشهدت خذلانا مخزيا شاملا من كافة الكيانات العربية لمعنى المقاومة وجماعاتها ، وقد رآه الرجل بأم عينيه ، وقت أن كان شابا لايزال ، ولم يكن من بديل عنده ولا عند غيره عن الدعم الإيرانى المستعد ، إن أراد أحد أن يقاوم هذه "الإسرائيل" ، وصحيح أن إيران دولة لها مصالحها وأولوياتها وتداعيات نفوذها المتضخم فى المنطقة ، بل فى الروح الطائفية التى نفخت فيها من نارها ، وإن كانت تمددت فى خلاء عربى موحش مخيف ، وأوقعت السيد حسن نفسه فى أخطاء وخطايا سحبت من وهج قيادته ، وأفقدته تعاطف قطاعات واسعة فى المشرق العربى المحطم بالذات ، على طريقة توريط "حزب الله" فى المستنقع الطائفى وحروبه النتنة ، كما جرى فى العراق وسوريا مثلا ، وكان ذلك مما خدش ـ ربما شرخ ـ صورة الحزب وزعيمه التاريخى ، لكن الرجل للإنصاف ، ظل مع ما جرى من نفاد أرصدة ، ظل الزعيم السياسى الأكثر تأثيرا فى ضمائر العرب العاديين ، فلم يتح لأحد منذ رحيل القائد الأعظم جمال عبد الناصر ، أن يهتم العرب بالاستماع إلى خطاباته ، كما جرى فى سيرة السيد ، الذى ظل قادرا على عبور حدود الطوائف والأقطار ، واستعاد مع "طوفان الأقصى" الفلسطينى كثيرا من تألقه الأقدم ، وكثيرا من انجذاب الناس إلى كاريزميته وبلاغته ومصداقيته ، وحتى إلى "لثغته الرائية " المحببة ، وكانت حساباته هذه المرة محررة من كل قيد ، رغم أنه لم يحط بعلم مسبق عن خطة "حماس" وأخواتها انطلاقا من "غزة" ، ولم تعلم إيران هى الأخرى ، وكان بوسعه التنصل من الأمر كله ، غير أنه لم يتنكر أبدا لإيمانه الفلسطينى ، ووسع فى هوامش استقلالية قراره عن الاعتبارات الإيرانية ، وأدخل "حزب الله" فى حرب مع كيان الاحتلال ، تطورت وقائعها الدامية من "حرب إسناد" لغزة إلى حرب وجود "إسرائيلى" مع حزب الله نفسه ، وظل الرجل ثابتا راسخا على اختياره إلى ساعة استشهاده ، وترك وديعته إلى "حزب الله" من بعده .