العارف بالله طلعت يكتب: هجرة الرسول واختيار الصديق الوفي

الهجرة النبوية تمثل حدثا مهما في التاريخ الإسلامي والبشري، لأن بالهجرة تم قيام الدولة الإسلامية على أسس قوية، وتمّ فيها توثيق الصلة بالله ببناء المسجد وتوثيق الصلة بين المسلمين بالمؤاخاة وتوثيق الصلة بالآخر في صحيفة المدينة.
وبالهجرة أرسى النبي صلى الله عليه وسلم العديد من القيم الإسلامية في مقدمتها الصلة بالله، والارتباط به والاستمرار في معيّته فإن من كان في معيّة الله لا يخشى أحدا سواه بل يظل في رعاية مولاه وفي عناية ربه فلا يخاف ظلما ولا هضما ولا يخاف من العدو بخسا ولا رهقا. وقد رأينا أثر المعية الإلهية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في غار حراء وأبو بكر الصديق رضي الله عنه يقول له: يا رسول الله لو نظر أحدهم تحت قدميه لأبصرنا، فيجيبه رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلا: «ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟ لا تحزن إن الله معنا».
ومن بين القيم التي أرستها الهجرة النبوية أنها أوضحت للبشر كافة عظمة هذا الدين، وأنه يرعى الحقوق ويصون الأمانات ورغم أن المسلمين أخرجوا من ديارهم بغير حق، وبرغم ما صنعه المشركون معهم من الإيذاء ومن أخذ الأموال فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما هاجر استخلف علي بن أبي طالب ليرد الودائع لأصحابها، وليعطي الناس أماناتهم ونفائسهم التي كانوا قد تركوها عند رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومن القيم العظيمة التي أبرزتها الهجرة النبوية الحفاظ على الأمة من الأخطار ومن عدوان الأعداء والحرص على اجتماع الشمل، وتجلت هذه القيمة في هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم فلم يكن أول المهاجرين، ولم يكن وسطهم ولا معهم بل كان من آخر المهاجرين، فقد أذن لأصحابه أولا بالهجرة بعد ان اطمأن على أمنهم وسلامهم وطمأنينتهم حيث تمّ عقد بيعة العقبة الأولى والثانية، وأرسل بعض المبعوثين من قبله لأهل المدينة وهو مصعب بن عمير رضي الله عنه ليعلم الناس هناك أمور الإسلام وعباداته ومهّد الحياة للمهاجرين واطمأن على سلامتهم وجعلهم يهاجرون سرا حتى لا يتعرض أعداء الإسلام لهم بالإيذاء، وبعد أن اطمأن على هجرتهم هاجر هو بعد ذلك ومعه أبو بكر الصديق رضي الله عنه.
حيث تعلمنا الهجرة أن الإنسان إذا تنازعت فيه النوازع الأرضية والنداءات السماوية، عليه أن يؤثر الجانب الأسمى والأبقى فلا أحد يستطيع أن ينجيه من عذاب الله، فالهجرة في حقيقتها هجران للباطل وإنتماء للحق، وابتعاد عن المنكرات، وفعل للخيرات، وترك للمعاصي، وإنهماك في الطاعات.
وتعلمنا الهجرة من خلال الخطة المحكمة التي رسمها النبي صلى الله عليه وسلم، أن استحقاق التأييد الإلهي، لا يعني التفريط قيد أنملة في استجماع أسبابه، وتوفير وسائله، لقد وضع النبي صلى الله عليه وسلم خطة محكمة لهجرته، حيث كتم تحركه، وقصده واستأجر دليلا ذا كفاءة عالية، وحدّد لكل شخص مهمة أناطها به، فخصص واحدا لتقصّي الأخبار، وآخر لمحو الآثار.
كانت الحكمة من الهجرة النبوية هو وضع القيم العظيمة التي تساهم في بناء المجتمع المسلم، وحسن التوكل على الله واليقين به والعمل على تحقيق الأهداف.
وهناك العديد من الدروس والعبر التي يمكن أن يتعلمها المسلمين من هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم، ومنها حسن التوكل على الله والإيمان بأقداره واختيار الصديق الوفي الذي يمكن الأخذ برأيه ومشورته والثبات وتحمل الصعاب والثبات من أجل الوصول للنجاح والاعتماد على المرأة الصالحة التي تساعد في نشر الدعوة والتحمل والصبر واليقين بالله.
ضرورة التخطيط والترتيب ؛ويجب الأخذ في الاعتبار الدروس والعبر المستفادة منها وتطبيقها حياتنا اليومية اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم.
ويعد الدعاء من أبرز مظاهر التعبد في مثل هذه المناسبات، إذ يقبل المسلمون على التوجه إلى الله بأمنيات شخصية وأسرية ومجتمعية، سائلين الخير والهداية والسلام في عامهم الجديد.
«اللهم اجعله عام تغاث فيه قلوبنا بالعوض اللهم اجعله عام تفرج فيه الكربات وتتسع فيه الأرزاق وتجبر فيه الخواطر وتفرج فيه الهموم ونقضي فيه الحاجات اللهم إنا نسألك خير هذا العام ونعوذ بك من شره.
اللهم اجعل العام الهجري الجديد شفاء لكل مريض وفرج لكل مهموم وسعادة لكل حزين يا رب العالمين، وصلى الله وسلم على سيدنا وحبيبنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم إنا نسألك في عامنا الهجري الجديد، أن تفيض بالخيرات على عِبادك المسلمين، وأن تجعلها سنة الخير المباركة التي طال انتظار قلوبنا لفرحتها؛ اللهم نسألك أن تجعل هذا العام الهجري الجديد عاما خيرا وعطاء على جميع المسلمين.