الدكتور أحمد راشد لـ (الطريق): الآثار المستنسخة تسحب من رصيد الأصل
تتعرض الآثار المصرية الفرعونية منذ قديم الأزل للنهب والسرقة على يد أشخاص أقرباء وغرباء من أبناء هذا البلد للأسف ومن الأجانب على كافة صنوفهم.. بل أن نهب وسرقة الآثار والتراث المصري الفرعوني تحديدا يمتد ليشمل دول عدة لا تجد غضاضة في أن تستثمر في هذه الآثار على مرأى ومسمع من العالم أجميع.
وبالنظر إلى أعرق المتاحف في العالم تجد الآثار المصرية شامخة تمثل الجزء الأكثر إقبالا في هذه المتاحف والمعارض ولا نبالغ إن قلنا أنها الأيقونة الذهبية لأي متحف شهير وتحظى بإقبال مؤثر على ايرادات هذه المتاحف.
في مصر ينتبه بعض العلماء والمتخصصين الوطنيين لهذه الخروقات الدولية والسرقات العالمية يحاولون قدر جهدهم وبما يفوق امكانياتهم لاستعادة هذه الثروات المنهوبة ليعود الحق لأهله رغم القوانين العاجزة والأعراف التي اصبحت مسلمات دون أساس أو جه حق.
من هؤلاء الوطنيين العالم الدكتور أحمد راشد أستاذ العمارة بالجامعة البريطانية في مصر، ومؤسس معهد حقوق حضارة في الولايات المتحدة الأمريكية والذي نلتقيه هنا على صفحات الطريق ليحدثنا عن (معهد حقوق حضارة) وأهدافه وما يسعى إليه وكيف واجه المعوقات والصعوبات المختلفة في هذا الطريق الشائك.. ودوره في محاولة استعادة الآثار المهربة خارج مصر وعلى رأسها حجر رشيد، والربح من الأثار المصرية بشكل مختلف والعديد من الأمور الخاصة بالحضارة المصرية.
** في البداية سألت الدكتور أحمد راشد: ما هو الدافع وراء إنشاء معهد حقوق حضارة وكيف بدأت الفكرة؟
- فأجاب: منذ سنوات بعيدة سمحت لي الظروف وأنا طالب أن أكون خارج مصر وتم دعوتي في مدرسة ثانوية في هولندا للحديث عن حضارة مصر وفوجئت أنهم يعرفون تفاصيل التفاصيل عن حضارة مصر ولم استطع مجاراتهم في معلوماتهم وأسئلتهم فشعرت بضرورة أن يكون كل مصري سفير لحضارته حتى إذا لم يكن من المفترض أن يكون لديه تلك المعلومات وكانت هذه هي بداية المسئولية.
** وهل هذه الحادثة هي التي جعلت مهتم بشأن الحضارة المصرية؟
- ليست هذه الواقعة بمفردها ففي واقعة أخرى كنت في الولايات المتحدة ووجدت نفسي بين مجموعات والحضارة المصرية هي الحضارة الزاهرة التي يتحدثون عنها وكنت وقتها كنت تخصصت في قسم العمارة بكلية الهندسة وبدأت دراسة الحضارات كتاريخ نظري وزرت الأقصر وبدأت التركيز في تلك الأمور، وسافرت لمرة الثالثة وأنا طالب في الفرقة الثالثة من قسم العمارة في كلية الهندسة ومعي طلاب من 20 جنسة، وكانت الحضارة المصرية أيضا هي من تفرض نفسها خلال الأحاديث بتلك الزيارة.
** ولكن هناك كثيرون يواجهون نفس المواقف والأحداث ولا يتأثرون.. فكيف جاءت الفكرة ل (حقوق حضارة)؟
- يجيب الدكتور راشد: بعد تعييني معيدا بدأت التفكير في الموضوع الذي سأعمل عليه في دراستي واخترت الأقصر والحفاظ على الطابع الحضاري للمدن التراثية- دراسة تطبيقية الأقصر، وحاولت التعرف على كل الإشكاليات والمشاكل الموجدودة بالأقصر وتزامن مع انتهاء دراسة الماجستير اعتبار الأقصر مدينة ذات طابع خاص وكان هناك اهتماما موازيا من الدولة للتعامل مع الأقصر بشكل خاص.
وبعد البدء في الدكتورة قررت إكمال المشوار وكانت دراستي هي "المشاركة الشعبية في الحفاظ على البيئات التراثية..دراسة تطبيقية الأقصر" ومن وقتها بدأ الحديث أننا كلنا مسئولين وأنه إذا كانت الدولة تفكر من القمة للقاعدة لابد أن يكون لدينا أفكار من القاعدة للقمة ومع انتهاء الدكتوراة كان هناك مشروع التنمية الشاملة في الأقصر بتمويل من الأمم المتحدة وكنت أتولى مجموعة البيئة والسياحة والتراث فبدأت توظيف هذا الأمر، وكنت حريصا على أن يكون المواطن العادي مسئولا عن الحضارة في الأقصر مثل المسئول الرسمي.
** وماذا عن كيفية التربح من الحضارة المصرية في الخارج.
- في عام 1999 كنت معارا في جامعة الإمارت ولما تحدثت مع احد المشرفين عن الدكتوراة التي احملها وهي عن الاقصر رحب بأن يزور الأقصر بصحبتي وتم هذا بالفعل وكان لدي إحساسن الفخر الشديد والغصة في ذات الوقت أثناء الزيارة، بسبب سؤال بسيط وهو.. لماذ العالم كله يستفيد ويتربح من حضارتنا ونحن لا نفعل ذلك؟
فهناك مشاريع تعيش على ارث حضارتنا وتربح المليارت وهي استنساخ لهذه الحضارة علما بأن هذا الاستنساخ يأخذ الأرباح من أصل الحضارة وأصبح بديلا لكثير من الناس فيقوموا بزيارة المستنسخ بدلا من الأصل، ووقتها كان هناك انتفاضة عالمية حول الملكية الفكرية وتم عمل بحث علمي طرح في الأرجنيتين للحديث عن التراث الأصلي والمستنسخ.
فقمت وقتها بعمل بحث عن الملكية الفكرية وأنه لابد أن يعود جزء من أرباح المستنسخ على الأصل وبدأ هذا الأمر بعد عودتي لمصر يصنع حالة جدلية وتم طرحه في الإعلام ولكن كان هناك من يرد بأننا نبالغ في الأمر ويجب أن نترك من يتربح يتربح ويكفي أن هذا دعاية لمصر!!
** وكيف واجهت هذا الرأي؟
- كان ردي أن ما يحدث يمثابة وضع للسيف على رقبتنا لأن وجود حجر رشيد في الخارج بهذا المنطق خير دعاية لمصر ورأس نفرتيي خير دعاية لمصر فبذلك يجب أن أدفع أموالا مقابل الدعاية بالخارج في حين أنه من العدل أن أحصل على أرباح من تلك الآثار وأن هناك شيء خاطيء.
كانت هذه بداية التساؤلات واستمرت لفترة حتى قيل أن قانون الأثار سيأخذ ببند الاستنساخ وتم توجيه الشكر لي على اجتهادي لكن في النهاية يأتي البند ليقول أن مصر تطالب بحقها في كل من يستنسخ أثارها ولكنه يكمل بجملة "على أن يكون المستنسخ طبق الأصل" وهو ما يخيب الآمال لأن القانون بهذه الصيغة يفقدنا حقوقنا وكان لابد من إكمال المسيرة.
** وهل استسلمت ورضيت بما حدث؟
- لا.. بعدها قامت الثورة واجريت ابحاث كثيرة كانت تؤكد فكرتي وعندما كنت أدعى في الخارج للحديث عن الحضارة كنت أؤكد على "حقوق حضارة" وعندما كنت اتحدث عنها في إيطاليا بدأ معي الدكتور محمود صقر رئيس أكاديمية البحث العلمي نقاشا في 2016 عن كيف يكون هذا ملف من ملفات أكاديمية البحث العلمي ودخلنا من مدخل السياحة وتقدمت بأكثر من مقترح حتى وصلنا لأن يكون هناك منتج علمي وأن تكون بدلا من ملكية فكرية تصبح "حقوق حضارة" وتطور مفهوم حضارة خلال سنوات وتم نشره وهناك علماء تدخلوا حتى ما بعد مرحلة كورونا وشعرت أنه لابد أن يكون الأمر عالميا لأنه أمر قومي لمصر لكن حقوق حضارة أصبحت تتحدث عن كل حضارات العالم، حتى حضارة الولايات المتحدة الأمريكية والتي لم تتعدى 300 عاما.
** وماذا عن معهد حقوق حضارة؟
- عندما سافرت إلى الولايات المتحدة مع شركاء قبل فترة قمنا بتأسيس معهد "حقوق حضارة" بأوراق رسمية تماثل أوراق (ناشيونال جرافيك) ونحن الآن في مرحلة التكون والتكوين ولدينا فعليا عدة أنشطة ودورات وتقدمنا بملف لعودة حجر رشيد وربطناه بالتغير المناخي وال17 معيار للأمم المتحدة للمطالبة بعودة حجر رشيد.
** وهل تعتقد أن هذه المطالبة ستؤتي ثمارها؟
- لدينا الآن 3 قنوات رئيسية للإلحاح في مطالباتنا وهي "حقوق وحضارة" وعلم جديد يؤسس له حاليا هو علم "تأصيل الحضارات" بالإضافة إلى مفهوم نطلق عليه "تعافي الحضارة" ونحاول التعاون مع علماء أجلاء في ذلك علما بأن كل ما نطرحة مبادرات علمية فقط ولا نمتلك سلطة أو قرار ولكن نملك وضع فرضية علمية ونسعى إلى إثباتها وهو ما يحدث منذ سنين ونأمل في الاستمرار حتى تحقيق الهدف فالحضارة تستحق وهي مسئولينا ولا تتطلب التوسل ولا التسول ولكن تتطلب الثبات على المبدأ وما ينطبق على الحضارة المصرية ينطبق على جميع الحضارات.
** وكيف ترى قيمة الحضارة المصرية؟
- الحضارة المصرية ظلمت عندما تم تأريخها بالأسرات والملوك ولم تأرخ بالعلماء والانتقال العلمي من كل مرحلة لمرحلة فتركنا الفرصة لحضارات أخرى تدعي أنها صاحبة علوم مختلفة كالفلسفة والفيزياء وغيرها رغم أن هذه العلوم علوم مصرية أصيلة لأنه بدون أن تكون هذه العلوم مطبقة في الحضارة المصرية ما تم صناعة هذه الحضارة التي هي قبل تلك الحضارات وهو أمر مثبت ومعلوم وواضح.
** تتحدث عن الحضارة والاستدامة والتغير المناخي فما هو الرابط بينهم؟
- طبعا هناك علاقة وثيقة بينهم ويجب أن نسأل أنفسنا: هل كان من الممكن أن تبنى الحضارة المصرية دون علم الاستدامة؟ بالطبع لأ فوجود هذه الحضارة حتى الآن يثبت أنه كان لديهم علم الاستدامة وعندما فكروا في هذا العلم فكروا في الوصول إلى مرحلة ما بعد الحياة البشرية كما أن وجود الموميات يدل على اعتقاد علم الطب المتأصل وعلم العمارة حتى يكون مكان للجسم بعد التحنيط، فهناك وجود لعلم الاستدامة لدى القدماء المصريين.
بل ان هناك دعوات وعرائض لعودة حجر رشيد فعودة الحجر سبب للتنمية المستدامة في برج رشيد وهي منطقة نقطة التقاء البحر المتوسط مع النيل ولها تاريخ مرتبط بمدينة رشيد التاريخية ولابد أن نضع في هذا الأمر كل طاقتنا علما بأن هناك من يعمل على الشق القانوني في هذا الموضوع.
علما بأن المتحف البريطاني أطلق عام 2022 "مشروع رشيد" والهدف الرئيسي تجميع مليار جنيه استرليني لأن من يزور المتحف البريطاني ولديهم أثار به يقولون أن أثارنا الموجود في المتحف البريطاني مع الوقت والاستدامة ستتعرض لكوارث لأن المتحف غير معد لاستدامة الأثر فتم عمل المباردة لتجميع هذا المبلغ لعمل مكان أخضر يعمل على استدامة الأثار فاختاروا اسم مشروع رشيد ليكون عنوانا للمبادرة.
** هل ترى أن عودة حجر رشيد يحتاج لدعم إعلامي؟
- بالطبع نعم.. بل أن السؤال هو لماذا لا نسوق لمشروع عودة حجر رشيد في العالم كله؟ فهذا سيخلق الكثير من الفرص الاستثمارية وبالفكرة التي نطرحها وهي سياحة حقوق وحضارة بأن يتم زيارة الأماكن التي تم اغتصاب أثارنا منها في ربوع مصر ببرنامج تحت مسمى "سياحة حقوق وحضارة" نتحدث عن من أغتصب الأثار وما هي الاثار التي اغتصبت وقصة اغتصابها ونربطها من خلال التكنولوجيا بمكانها الأصلي فمن يكون في برج رشيد يرى مكان الأثر في المتحف البريطاني ومن يجلس في المتحف البريطاني يرى مكان اكتشافه الأصلي في برج رشيد.. وهناك خطة ودراسات متعددة نعد لها لتقديمها كما نعد لعدد من المشروعات ليست لجيلنا فقط لكن للأجيال القادمة.
** ماذا عن المتاحف العالمية والأثار المهربة وكيفية عودتها؟
- "حقوق حضارة" طرح سؤال وهو هل كل القوانين الوضعية التي تتعامل مع الحضارة في بيئتها الأصلية وفي متاحف العالم والمؤسسات الدولية يمكن تغييرها؟ ووجدنا أن ذلك ممكن بالطبع ففي عام 1962 كان هناك قانون العبودية وقامت عليه ثورة بعد 100 عام وبعدها نبتت حقوق الإنسان، وهنا نطالب كل المتاحف بأن تتفهم ضرورة العمل على تغيير تلك القوانين.. كما يمكن التحالف مع دول لها حضارة قديمة كبيرة ومنها اليونان والصين التي لها اثار في الخارج وهناك توافق وجده معهد"حقوق حضارة" بين أصحاب تلك الحضارات ولكن هناك وقت ونظام وتحديات ويجب البدء بمتحف واحد ونحن بدأنا بالمتحف البريطاني والمطالبة بعودة حجر رشيد وكل محافظة ستكون لها حجر رشيد الخاص بها فمثلا المنيا لها رأس نفرتيتي وهكذا باقي المحافظات وهناك مسئولين في العراق يسعون لتكرار خطوات استعادة حجر رشيد لاستعادة آثارهم.
** وهل تعتقد أن هذه الجهود ستسفر عن نتائج إيجابية؟
- نأمل ذلك ولكل مجتهد نصيب.