الطريق
الجمعة 24 يناير 2025 06:25 صـ 25 رجب 1446 هـ
جريدة الطريق
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب

تامر أفندي يكتب: خمرُ وشِعرُ ودمُ في كأس الوليد بن يزيد «2»

تامر أفندي
تامر أفندي

كان يا ما كان يا سعد يا كرام، ولا يحلى الكلام إلا بالصلاة على النبي العدنان، كان فيه تاريخ ومن الحكمة قراءة ما مضى من الأيام وما كتبته الأقلام حتى لا يتكرر "زلف" الأقدام.. إليكم الحدوتة الثانية من تاريخ الأمويين، عن كأس الوليد بن يزيد وما كان فيه من خمر وشعر ودم..

أُحبُ الغِناءَ وَشُربَ الطِلاءِ
وَأُنسَ النِساءِ وَرَبَّ السُوَر
وَدَلَّ الغَواني وَعَزفَ القِيانِ
بِصَنجٍ يَمانٍ قُبَيلَ السَحَر

كنا وقفنا في "الحدوتة" السابقة عن الدولة الأموية عند صلب زيد بن علي ابن زين العابدين، على يد عاشر خلفاء بنى أمية هشام بن عبد الملك بن مروان بن الحكم بن أبى العاص بن أمية.

لم يكتف بن عبد الملك، بإخراج جثة زيد من قبره وصلبه عرياناً، على جذع شجرة لكنه أمر بإحراقها، فكانت شهادته والتمثيل به حدثاً مروعاً هز وجدان الأمة الإسلامية، وأزكى فيها روح الثورة، ويمكن القول بأنه عجل سقوط الحكم الأموى، إذ لم يمض على استشهاده أكثر من 11 عاماً مليئاً بالثورات والأحداث والانتفاضات غير أن بعض الروايات التاريخية تنسب قتل زيد وصلبه ليوسف بن عمر الثقفي، وأن هشام بن عبد الملك قال ليتني كنت أستطيع أن أفتديه.

يا أَيها السائل عن دينِنا
نحن على دينِ أَبي شاكر
نَشرَبُها صِرفاً وَمَمزوجَةً
بِالسُخنِ أَحياناً وَبِالفاتِرِ

بعد موت هشام تولى الحُكم الوليد بن يزيد، وكعادة كتبة التاريخ هناك روايتين حول فترة حكمه الأولى وهي الأضعف من محبيه، أنه كان "مستهتر" قبل الخلافة، لكن حينما أصبح خليفة رفع رواتب الجند وزاد في أعطيات الناس وسار في الخير، أما الغالب عنه في كتب الرواة والتاريخ أنه وصل به الفجور إلى شرب الخمر فوق سطح الكعبة، ومما يحكى عنه أنه استفتح فألاً في المصحف فكان : «واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد.. فألقى المصحف ورماه بسهم وقال تُهددني بجبار عنيد، إذا ما جئت ربك يوم بعث، فقل له يارب خرقني الوليد».. ومما كتب:

تَلَعَّبَ بِالخِلافَةِ هاشِمِيٌّ
بِلا وَحيٍ أَتاهُ وَلا كِتابِ
تُذَكِّرُني الحِسابَ وَلَستُ أَدري
أَحَقّاً ما تَقولُ مِنَ الحِسابِ
فَقُل لِلَّهِ يَمنَعُني طَعامي
وَقُل لِلَّهِ يَمنَعُني شَرابي


قُتل الوليد بن يزيد في جمادى الآخرة بعد أن حاصره الناس لأيام في قصره وكان يصيح ويقول لهم: «ألم أزد في أعطياتكم؟ ألم أرفع المؤن عنكم؟.. فيردوا: ما ننقم عليك في أنفسنا إنما لانتهاكك ما حرم الله وشرب الخمر ونكاح أمهات أولاد أبيك واستخفافك بأمر الله.

اسقِني يا زَيدُ صِرفاً
اسقِني بِالطِرجَهارَة
اسقِنيها مُزَّةً
تَأخُذُني مِنها اِستِدارَة
اسقِنيها كَي تُسَلّي
ما بِقَلبي مِن حَرارَة

الغريب في أمر الوليد شيئين بالنسبة لي ولا أدري هل تتفقوا معي أم لا، أولهما أنه كان شاعراً عظيماً في الخمر والعتاب، سطا الشعراء على معانيه في هذه
الأبواب، كأبي نواس ومسلم بن الوليد وغيرهم من فحول هذه الصناعة، ليس هذا فحسب بل كانت له جولات في الغزل تدل على سمو خياله ورقة عاطفته..

قد كنت أَحسبُ أَنني جلد القوى
حتى رأيت كواعباً أَتراباً
يَرفُلنَ في وَشيِ البُرودِ عَشِيَّةً
مِثل الظباء وَقَد مُلِئنَ شباباً
قَرَّبن حَوراءَ المَدامِعِ طَفلَةً
أَربَبنَ مِن عُجبٍ بِها إِربابا
تِلكَ الَّتي لا شكَ حقا أَنها
خلِقَت لِحينِك فِتنَة وعذاباً

"ها معايا إنه مكنش له في الغزل حل.. نيجي بقى للأمر التاني"..

لقد قال من كان يشهد في ملاعبه وشربه عنه بمروءات في طهارته وصلاته، فكان إذا حضرت الصلاة يطرح الثياب التي عليها المطايب المصبغة، ثم يتوضأ ويحسن الوضوء، ويؤتى بثياب نظاف بيض فيلبسها ويصلي فيها، فإذا فرغ عاد إلى تلك الثياب فلبسها، واشتغل بشربه ولهوه، «طعاً دي شهادة لبعض الناس إن الرجل يعني مكنش وحش أووي، وطبعاً ليس لنا حكم في علاقة العبد بربه.. بس حاجة غريبة إن دي كانت تكوينة عقل خليفة للمسلمين.. لكن ولا غريبة ولا حاجة ما هو كانت الخلافة بالوراثة».

أما ما قيل عنه في المشهد الأخير لحياته، أنه قال لقومه: «إن فيما أحل الله سعة عما ذكرتم، ورجع إلى الدار، وقال يوم كيوم عثمان، وصعدوا على الحائط وقتلوه، واحتزوا رأسه وسيروه إلى يزيد، فطيف به في دمشق، ثم نصب على رمح، ثم دفعه إلى أخيه سليمان.

في الحلقة القادمة نتحدث عن يزيد ابن الوليد، الذي تولى الحكم بعد قيامه بانقلاب على ابن عمه إذ تحرك من ضاحية «المزة» إحدى ضواحي دمشق وسيطر على المسجد الجامع وكالعادة قال «ما خرجت حرصا على الدنيا، ولا رغبة في الملك، ولكن خرجت غضبا لله ولدينه، وداعيا إلى كتاب الله وسنة نبيه».