كامل عبد الفتاح يكتب: مصر التي في خاطري
أي نظام حكم يعي مسئولياته، عليه أن لا يتجاهل حقيقة أن درعه القوي ضد أي تهديدات داخلية أو خارجية هو شعبه.
ولكي يكون الشعب – أي شعب – على درجة عالية من الوطنية الحقة، فلا بد من إشراكه في صنع القرار، واحترام كرامته، وتحقيق العدالة بين أفراده دون تمييز على أساس الطبقة أو النفوذ أو العرق أو الدين.
الشعب المصري نسيجة التاريخي نادر، حيث لم يعرف هذا التقسيم الفسيفسائي الذي يهدد وجوديا شعوبا كثيره.
على مدى التاريخ الممتد لآلاف السنين ويتعرض المصريون لمظالم محتليهم، ومع استقلال بلادهم منتصف القرن الماضي انتقلت المظالم من الحاكم الأجنبي للحاكم الوطني. ولأن النسيج الوطني بالقوة التي أشرت إليها فإن الحكام أجانب ومصريين لم يتبين لهم مثلا الفرق بين مسلم ومسيحي، وجنوبي وبحري، والسيناوي وأبناء الواحات الغربية. بعكس مثلا بلد مثل لبنان الذي استدعي خبير الاقتصاد البلجيكي فان زيلاند نهاية أربعينيات القرن الماضي لحل مشاكله المستعصية، وبعد أسبوع من المهمة ذهب الرجل لدولة رئيس الوزراء اللبناني وقتها السيد رياض الصلح وقال له " لقد فشلت مهمتي دولة الرئيس .. كيف لي أن أعرف أن التفاح في بلادكم ماروني، والبرتقال مسلم سني، والزيتون أرثوذوكسي، والتبغ شيعي، والعنب كاثوليكي، ولو اخبرتني بذلك قبل مجيئي إلى لبنان لما غامرت بسمعتي وجئت لبلد كل ثمرة فيه تنتسب لطائفة.."
أعظم مصادر القوة بالدولة المصرية هي التركيبة السكانية المتجانسة – هذا تاريخيا – اليوم أستشعر أنا شخصيا أن هذه الخاصية الفريدة هي الهدف المرصود من قوى داخلية وخارجية، لإحداث نوع من التحلل الجيني لطبيعة التركيبة والشخصية المصرية ، والعبقرية الكامنة بهذه الشخصية والتي تناولها بعبقرية أكبر العلامة د " جمال حمدان " الذي لا يعرفه معظم طلبة الجامعات والمدارس لأن التعليم في مصر منفصل عن حقائق الأمن القومي واحتياجاته.
أثق بلا أي تردد في أن الرئيس السيسي كحاكم مصري أتت به ثورة 30 يونيو رجل وطني وشريف وجاد، وقد استجاب كوزير دفاع عام 2013 لإرادة ملايين المصريين الداعية للتخلص من حكم جماعة تؤمن ضمن مسلماتها بأنها أكبر من الوطن، وأهم منه. من حسن حظ الرئيس السيسي أنه وصل الحكم بإجماع شعبي لم يحظ به رئيس سابق، ولكن – ومن سوء المقادير – أنه يواجه منذ توليه السلطة أنواء متغيرات وأحداث حولنا بالإقليم وفي العالم، لا يمكن إنكار تداعياتها الاقتصادية والسياسية على صانع القرار. أنظمة تتساقط، قريبا منا جدا، ونيران تشتعل في كل مكان، والقتل والعنف تنقله الشاشات بأسرع من وتيرة عرض مباريات كرة القدم.
السؤال : هل هذا الظرف العربي والإقليمي والدولي شديد الحساسية يعني أن يضحي أي نظام سياسي بأبسط قواعد الحكم الرشيد بدعوى أنه من الترف والعبث التفكير بشكل مختلف عما هو سائد.؟ بالتأكيد لا : ليس من الحكمة إطلاقا مقايضة حرية الناس وكرامتهم بعرض مايسمي " نعمة الأمن والاستقرار . لما لا ينعم الناس بحريتهم وكرامتهم وأمنهم واستقرارهم معا. ليس من الحكمة أن تدار السياسة بمنطق السمسرة – اعطني صمتك وخنوعك وعزوفك عن المشاركة، أضمن لك الأمن والأمان . من بديهيات مسئوليات أي حاكم اختاره شعبه بإرادة حرة أن يكون مسئولا عن حماية الأمن القومي لهذا البلد، والحفاظ على أمن الناس وممتلكاتهم وأعراضهم بالتطبيق القوي والناجع للقانون دون ما تفرقة على أي أساس معوج، والاحترام الكامل للدستور، لا العبث به.
الرئيس الذي يعي هذه الأبعاد وأهميتها – وأعتقد أن الرئيس السيسي يملك من حصافة الوطني المخلص الكثير من ذلك – يدرك الآن أكثر من أي وقت مضى أن اصطفاف الناس خلفه، أمر مفروغ منه بالمشاركة والمساواة وتكافؤ الفرص واحترام الحريات العامة، وليس بفرض الولاءات ، وابتداع الكيانات السياسية الوهمية.
فتح المجال العام وبكل العقل والحكمة والثقة، ومخاطبة الناس بشكل منتظم ومقنن وبدون إسراف في تعظيم النفس أو الترهيب من الغير، ومشاركة الناس في الكثير من شئون المجتمع والاقتصاد والتعليم والثقافة- كل هذا وغيره بنفس أهمية القوة العسكرية لأي بلد – بل تفوقها وقت الأزمات العاصفة.
مصر بلد كبير بناسه وتاريخه وقيادته، ولا يجب أبدا تصدير مشاعر خوف من عالم مضطرب – لا أحد بعيد في هذا العالم عن حالة الاضطراب تلك – وصحيح أن الشرق الأوسط، وخاصة المشرق العربي في مرمي نيران وخطط الاستعمار – الجديد القديم - ولكن مصر ستظل مصر التي عندما تسقط الكثير من بوابات الممانعة والمقاومة تحت وطأة هجمات استعمارية، تنكسر هذه الهجمات على حدود مصر، وامام منعتها التاريخية وصلابتها وسرها الدفين.