شحاتة زكريا يكتب: العقل العربي بين الإبداع والسكون

في زوايا الفكر العربي تتجلى ملامح الحيرة بين الإبداع والسكون ، بين الانطلاقة نحو آفاق جديدة والبقاء أسير الماضي. ولعل هذا الصراع ليس وليد اللحظة بل هو امتداد لجذور عميقة ترسخت بفعل الثقافة، السياسة، وحتى الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي مرت بها المنطقة لعقود.
الحديث عن الإبداع في سياقنا العربي يضعنا أمام تساؤلات جوهرية: هل نحن فعلا أمة تسعى للتجديد ، أم أننا نكتفي بتمجيد أمجاد ماضٍ غابر دون أن نصنع مستقبلا يليق بهذه الأمجاد؟ الواقع يشير إلى مفارقة مذهلة. في الوقت الذي تفيض فيه العقول العربية بأفكار خلاقة نجد أن قلة فقط تحظى بفرصة التعبير عن هذه الأفكار وتحويلها إلى واقع ملموس.
الإبداع لا يقتصر على الفنون والآداب بل يمتد إلى كل المجالات: العلوم، التكنولوجيا، التعليم، وحتى الإدارة والسياسة. ولكن التحدي الأكبر يكمن في غياب البيئة الحاضنة التي تؤمن بحرية الفكر وتشجع على الاختلاف والتجريب. في أغلب الأحيان يصبح الإبداع العربي ضحيةً للبيروقراطية، وصراع المصالح، وتغليب الحسابات الآنية على الرؤية بعيدة المدى.
أحد أبرز مظاهر السكون هو اعتمادنا المفرط على استيراد الحلول الجاهزة من الخارج، بدلا من استثمار طاقاتنا المحلية. فبدلا من أن نصنع المعرفة ونصدرها، نجد أنفسنا في موقع المستهلك. هذه الظاهرة ليست فقط نتيجة لنقص الموارد ، بل تعكس غياب رؤية واضحة تعترف بأهمية البحث العلمي والابتكار كركيزة أساسية للتقدم.
لكن رغم كل هذه التحديات ، لا يمكن إنكار أن هناك نقاط ضوء تُبقي شعلة الأمل مشتعلة. نماذج عربية أثبتت أن العقل العربي قادر على تحقيق إنجازات عالمية إذا أُتيحت له الفرصة. شباب في مجالات التكنولوجيا، والطب، والهندسة يحققون نجاحات مذهلة على مستوى العالم. السؤال الذي يجب أن نطرحه هنا: لماذا ينجحون في الخارج بينما يعانون في الداخل؟
الجواب بسيط ومعقد في آنٍ واحد. هناك فجوة بين الأفراد والمؤسسات. عندما يجد العقل العربي الدعم والحرية، يتحول إلى محرك للتغيير. لكن في بيئة يغلب عليها القمع الفكري والخوف من الجديد، يصبح الإبداع عبئاً على صاحبه.
لذلك، إذا أردنا أن ننهض كمجتمعات ، علينا أن نعيد النظر في طريقة تفكيرنا. الإبداع ليس رفاهية ، بل ضرورة. يجب أن ندرك أن المستقبل لن يُبنى إلا بأيدي أبنائنا وأن الاعتماد على الآخرين لن يكون حلاً مستداماً.
إذن ما الحل؟ يكمن في بناء منظومة تشجع على الإبداع منذ مراحل التعليم الأولى وتحفز الطلاب على التفكير النقدي والتجريب. علينا أيضا أن نتعلم من تجارب الأمم الأخرى، ولكن دون أن نفقد هويتنا. الموازنة بين الأصالة والمعاصرة هي مفتاح النجاح.
في النهاية العقل العربي ليس قاصرا ولا عاجزا. هو كنزٌ دفين ينتظر من يكتشفه. لكن السؤال الحقيقي: هل نحن مستعدون للقيام بهذه المهمة، أم أننا سنظل أسرى السكون؟ الإجابة تعتمد علينا.