محمد عبدالمجيد هندي يكتب: أصحاب المعاشات بين مطرقة الفقر وسندان الإهمال: متى يتحرك مجلس النواب؟

يعيش أصحاب المعاشات في مصر اليوم واحدة من أقسى فترات حياتهم، تحت وطأة ارتفاع غير مسبوق في أسعار السلع والخدمات، وتدهور مستمر لقيمة الجنيه أمام الدولار، مما جعلهم في مواجهة مباشرة مع الفقر والعوز دون دعم أو سند حقيقي. وفي ظل هذا الواقع المرير، يظل السؤال الأكثر إلحاحًا: لماذا لم يبادر أعضاء مجلس النواب بتعديل قانون التأمينات والمعاشات رقم 148 لسنة 2019 ليواكب هذه التحديات؟
هذا القانون، الذي وُضع قبل سنوات قليلة، يفتقر اليوم إلى العدالة الاجتماعية التي يحتاجها أصحاب المعاشات، حيث حدد علاوة سنوية بحد أقصى 15%. هذه النسبة أصبحت غير ذات معنى في ظل معدلات التضخم المتصاعدة التي تجاوزت في بعض الأحيان 45%. كيف يمكن لشخص أن يواجه هذه الظروف بمبلغ زهيد بالكاد يكفي لتلبية احتياجاته الأساسية؟
أعضاء مجلس النواب، الذين يُفترض أنهم ممثلون عن الشعب، يتجاهلون هذه المأساة اليومية لأصحاب المعاشات. هل يعقل أن يغيب عنهم الواقع المؤلم الذي يعيشه الملايين من كبار السن الذين أفنوا حياتهم في خدمة هذا الوطن؟ أم أن هناك أولويات أخرى تمنعهم من الالتفات إلى هذه القضية المصيرية؟
المعاشات بين النصوص الجامدة والواقع المتغير
إن قانون التأمينات والمعاشات، رغم أنه قُدم في وقت كان يُعتقد فيه أنه خطوة إصلاحية، أصبح اليوم عائقاً أمام حياة كريمة لملايين المصريين. فمن غير المقبول أن يبقى هذا القانون جامداً دون تعديل، رغم المتغيرات الاقتصادية الكارثية التي أثرت على كل بيت مصري.
إن توفير معاش عادل يتناسب مع الأوضاع الاقتصادية هو حق أصيل يكفله الدستور والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان. لكن يبدو أن هناك فجوة هائلة بين نصوص القانون والواقع المعيش.
مسؤولية النواب أمام التاريخ
أعضاء مجلس النواب أمام مسؤولية وطنية وأخلاقية لا يمكن التهرب منها. فالسكوت عن هذا القانون المجحف يعني ببساطة التخلي عن ملايين المصريين الذين يعيشون تحت خط الفقر. وإذا كان مجلس النواب عاجزاً عن القيام بدوره في تعديل القوانين التي تخدم المواطنين، فما جدوى وجوده؟
على النواب أن يدركوا أن الأزمات الاقتصادية تتطلب تشريعات مرنة تستجيب بسرعة للمتغيرات، لا قوانين جامدة تُترك دون مراجعة حتى تفقد قيمتها وتأثيرها.
دعوة إلى التحرك الفوري
أدعو أعضاء مجلس النواب، وكل مسؤول في هذا الوطن، إلى مراجعة قانون التأمينات والمعاشات فوراً، وإجراء التعديلات اللازمة لضمان حياة كريمة لأصحاب المعاشات. يجب أن تشمل هذه التعديلات:
1. رفع النسبة السنوية للزيادة في المعاشات لتتوافق مع معدلات التضخم الحقيقية.
2. ربط قيمة المعاشات بالدولار أو بسلة عملات لضمان ثبات قدرتها الشرائية.
3. إقرار مساعدات إضافية للأكثر تضرراً من أصحاب المعاشات المنخفضة.
4. إعادة النظر في أسس احتساب المعاشات بحيث تعكس القيمة الحقيقية للعمل الذي قدمه أصحابها خلال سنوات خدمتهم.
ختاماً
إن تجاهل معاناة أصحاب المعاشات هو تجاهل لفئة كانت يوماً العمود الفقري لهذا الوطن. هؤلاء الناس الذين أفنوا حياتهم في خدمة مصر يستحقون كل احترام وتقدير، وليس الإهمال أو التهميش.
أدعو جميع المسؤولين إلى أن يتذكروا أن التاريخ لن يرحم أحداً، وأن الظلم الواقع على هذه الفئة سيظل وصمة عار على جبين كل من تخاذل عن نصرتهم. الوقت لا يحتمل التأجيل، والأزمات لا تنتظر المساومات السياسية. المطلوب هو قرار شجاع يضع مصلحة أصحاب المعاشات فوق كل اعتبار، ويعيد لهم كرامتهم وحقهم في الحياة الكريمة.
محمد عبدالمجيد هندي القيادي العمالي المستقل
مؤسس ورئيس المجلس القومي للعمال والفلاحين تحت التأسيس