محمد عبدالمجيد هندي يكتب: مصر.. التحدي الأكبر لكسر الهيمنة الأمريكية إلى الأبد

في عالم تحكمه المصالح، وتتصارع فيه القوى الكبرى لإخضاع الشعوب ونهب ثرواتها، تقف مصر شامخة كالسيف المسلول، تتحدى الهيمنة الأمريكية والغربية، وتتصدى بكل ثبات للمخططات التي تستهدف المنطقة العربية والإفريقية. ورغم الضغوط التي تُمارس لإضعافها، تظل القاهرة حجر الزاوية في معادلة التوازن الإقليمي، والقلعة الحصينة التي يستحيل اختراقها، مهما حاولت قوى الاستعمار الجديد فرض إرادتها على الأمة.
إن المعركة التي نخوضها اليوم ليست معركة تقليدية، وإنما هي صراع وجودي بين مشروع الهيمنة الأمريكي الصهيوني، وبين إرادة الشعوب الحرة التي ترفض أن تكون مستباحة أو تابعة. ولطالما كانت مصر، بحكم موقعها وتاريخها وحضارتها، رأس الحربة في التصدي لمخططات الاستعمار، منذ الحملات الصليبية وحتى الاستعمار الحديث، مرورًا بكل المحاولات الغربية لإخضاع الأمة ونهب مقدراتها. واليوم، تستمر مصر في لعب دورها التاريخي، رغم كل المحاولات المستميتة لإضعافها اقتصاديًا وعسكريًا وسياسيًا.
الهيمنة الأمريكية والإبادة الجماعية: فلسطين نموذجًا
لا يمكن الحديث عن تفكيك الهيمنة الأمريكية دون التطرق إلى القضية الفلسطينية، التي تمثل جوهر الصراع، والمرآة التي تعكس حقيقة المشروع الصهيوني الغربي في المنطقة. فالولايات المتحدة لم تكتفِ بدعم إسرائيل سياسيًا، بل حولتها إلى آلة حرب متقدمة، تمارس الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين، وسط صمت عالمي مخزٍ، بل ومشاركة فعلية من الأنظمة الغربية التي تدعي الدفاع عن حقوق الإنسان، بينما تغض الطرف عن المجازر الوحشية التي تُرتكب ضد شعب أعزل، يُقتل ويُشرد أمام مرأى العالم بأسره.
إن ما يحدث في فلسطين اليوم ليس مجرد حرب، بل هو مخطط أمريكي صهيوني لإعادة رسم خريطة المنطقة، عبر إشعال الفوضى، وتقويض أي دولة عربية تمتلك مقومات الاستقلال، وإخضاعها لشروط مذلة تجعلها مجرد تابع للإملاءات الأمريكية. وهذه السياسة ليست وليدة اللحظة، بل هي امتداد لاستراتيجية استعمارية قديمة، تهدف إلى إبقاء المنطقة في حالة ضعف دائم، حتى لا تنهض أبدًا.
مصر والسد المنيع في وجه التدخل الأجنبي
وسط هذه العواصف، تبقى مصر السد المنيع، والقلعة الأخيرة التي يستحيل إسقاطها. ورغم الأزمات التي تواجهها، فإن قوتها الحقيقية تكمن في شعبها الواعي، وجيشها القوي، وموقعها الاستراتيجي الذي يجعلها قلب العالم العربي والإفريقي. ولأن مصر تدرك جيدًا حجم المخاطر التي تحيط بها، فإنها تعمل بكل حكمة وصلابة على مواجهة التحديات، دون أن تنحني أمام الضغوط أو تفرط في سيادتها وقرارها الوطني المستقل.
لكن هذه المواجهة تتطلب دعمًا عربيًا وإسلاميًا غير محدود، لأن المعركة التي تخوضها مصر ليست معركتها وحدها، بل هي معركة كل دولة ترفض أن تكون رهينة الهيمنة الأجنبية. فبدون دعم مصر، لن يكون هناك توازن قوى حقيقي في المنطقة، وسيواصل المشروع الصهيوني الأمريكي ابتلاع الأرض، وفرض أجندته بالقوة العسكرية والاقتصادية والسياسية.
التسليح والردع: ضرورة لا خيار
إن الحديث عن تسليح مصر بأحدث التقنيات العسكرية، بما في ذلك الأسلحة النووية وتقنيات الردع المتقدمة، لم يعد رفاهية، بل أصبح ضرورة وجودية، في ظل عالم لا يحترم إلا لغة القوة. فكما تمتلك إسرائيل ترسانة نووية تهدد بها أمن المنطقة، يجب أن تمتلك مصر ودول التحالف العربي والإسلامي قوة ردع حقيقية، تجعل العدو يُعيد حساباته ألف مرة قبل التفكير في تهديد أمننا القومي.
ولا يمكن تحقيق ذلك إلا عبر تحالف استراتيجي عربي وإسلامي، يضع مصر في موقعها الطبيعي كقوة عظمى، قادرة على الدفاع عن نفسها وعن شعوب المنطقة. فبدلاً من إنفاق المليارات على الاستثمارات الغربية التي تخدم اقتصادات المحتل، يجب أن يتم توجيه هذه الأموال نحو إقامة مشاريع عسكرية ضخمة، تضع العالم العربي والإسلامي على خريطة القوى النووية الكبرى، وتعيد رسم معادلة القوى لصالحنا.
حان وقت الحسم: إما أن نكون أو لا نكون
لقد آن الأوان لإدراك أن الأمن القومي العربي والإفريقي لن يتحقق بالاستجداء أو بالرهان على الغرب، بل بالقوة الرادعة التي تفرض احترامنا وتجعلنا قادرين على الدفاع عن مصالحنا دون الحاجة إلى وساطة من أحد. وأي تأخير في هذا المسار لن يكون في صالح الأمة، بل سيمنح العدو مزيدًا من الوقت لتنفيذ مخططاته، بينما نظل نحن في موقع الدفاع، بدلاً من الانتقال إلى موقع الفعل والمبادرة.
إن مصر ليست مجرد دولة، بل هي درع الأمة وسيفها، وقوتها ليست خيارًا بل مصير حتمي. وأي محاولة لإضعافها تعني إضعاف الأمة بأكملها. لذلك، فإن دعم مصر ماليًا وعسكريًا ليس مجرد واجب، بل هو التزام استراتيجي يجب أن تتبناه كل دولة عربية وإسلامية، لأن سقوط مصر – لا قدر الله – يعني سقوط الجميع.
الخاتمة: مصر رأس الحربة ضد الاستعمار الجديد
لقد فشلت كل محاولات إخضاع مصر على مدار التاريخ، وستفشل كل المحاولات القادمة، لأنها دولة ولدت لتكون عظيمة، ولشعبها من الوعي والإرادة ما يكفي لجعلها قوة لا تُكسر. لكن هذا لا يعني أن ننتظر حتى تصل التهديدات إلى أبوابنا، بل يجب أن نتحرك الآن، وبكل الوسائل، لبناء قوة عربية إسلامية متماسكة، قادرة على حماية وجودها، واستعادة قرارها المستقل.
إن كسر الهيمنة الأمريكية ليس حلمًا، بل هو هدف قابل للتحقيق، إذا امتلكنا الشجاعة الكافية لاتخاذ القرارات الصحيحة، وتوفير الدعم اللازم لمصر، لتبقى السد المنيع الذي يحمي الأمة، ويعيد رسم موازين القوى العالمية، لصالح الشعوب التي تريد أن تكون سيدة قرارها، لا رهينة لمشاريع الاستعمار الجديد.
مصر ستظل صامدة، وستنتصر، لأنها ليست مجرد وطن، بل عقيدة، وتاريخ، ومستقبل لأمة بأكملها.
قيادي عمالي مستقل، مؤسس ورئيس المجلس القومي للعمال والفلاحين تحت التأسيس