شحاتة زكريا يكتب: حين يصبح القرار ضرورة!

في عالم يضج بالتحولات والمتغيرات لا تملك الدول رفاهية التردد أو الانتظار حتى تتشكل المواقف من تلقاء نفسها. الأحداث تتسارع، والأزمات تتفاقم والمشهد الإقليمي والدولي يزداد تعقيدًا، بحيث لم يعد هناك مجال لترف الحسابات الضيقة أو الانتظار خلف ستائر الصمت. في لحظات كهذه يصبح القرار ضرورة ، والتوافق حاجة ملحة لا يمكن تأجيلها.
لا يمكن لأحد أن يتجاهل أن المنطقة العربية تمر بمنعطف تاريخي خطير حيث تتوالى التحديات من كل جانب وتتشابك المصالح الإقليمية والدولية بطريقة غير مسبوقة. القوى الكبرى تعيد ترتيب أوراقها والتحالفات تتغير والمصالح تتحرك وفق قواعد جديدة لا ترحم المترددين. وسط هذا كله، يظل العرب أمام خيار واحد: إما أن يتخذوا موقفًا موحدًا يستند إلى رؤية استراتيجية واضحة، أو أن يظلوا أسرى ردود الأفعال المتفرقة التي لم تحقق في الماضي إلا مزيدا من التراجع والتشرذم.
إن التجربة التاريخية تؤكد أن العالم لا يحترم إلا القوي ، ولا يعترف إلا بمن يمتلك القدرة على التأثير. وهذا لا يتأتى بالشعارات أو البيانات الإنشائية ، بل بتحرك عملي مدروس يعتمد على استثمار كل الأدوات المتاحة ، من دبلوماسية وسياسية واقتصادية وحتى إعلامية وشعبية. فلم يعد مقبولًا أن تظل التحركات مقتصرة على الغرف المغلقة واللقاءات البروتوكولية بل يجب أن يمتد العمل العربي إلى كل الساحات ، من أروقة المنظمات الدولية إلى الشارع العالمي ، ومن دوائر صنع القرار إلى الرأي العام الذي بات عنصرا حاسمًا في تشكيل المواقف.
ولا يمكن في هذا السياق إغفال دور القوى المدنية من مفكرين ومثقفين وأحزاب ونقابات وجمعيات أهلية، في تحريك المشهد وتعزيز الصوت العربي على المستويات كافة. فالتغيير لم يعد حكرًا على الحكومات بل أصبح مسؤولية كل من يمتلك القدرة على التأثير والإقناع. إن ما يجري اليوم من عدوان وانتهاكات وممارسات إجرامية ضد الشعب الفلسطيني وما يحاك للمنطقة من مخططات ، لا يمكن مواجهته إلا بمنظومة متكاملة من التحركات الرسمية والشعبية تنطلق من رؤية موحدة لا تخضع للاعتبارات الآنية أو الحسابات الضيقة.
لقد بات واضحا أن المشهد الدولي لم يعد كما كان وأن موازين القوى لم تعد ثابتة ، ما يفرض على العرب أن يتحركوا بوعي وإدراك للفرص والتحديات. فلا مجال لمواقف رمادية ولا فائدة من انتظار الآخرين ليحددوا مصير المنطقة. إما أن يكون للعرب موقفهم الواضح والصريح ، وإما أن يظلوا مجرد متفرجين على مستقبل تُرسم ملامحه بعيدًا عنهم.
إن القرار في هذه اللحظة لم يعد خيارا ، بل ضرورة وجودية. فالوقت ليس في صالح من يتردد ، والتاريخ لا يرحم من يفوّت الفرص.