أيمن رفعت المحجوب: السياسة المالية وأثرها في حياة المواطن

إن الأدوات التي تستخدمها السياسة المالية في مصر تؤدي الى إعادة توزيع الدخل القومي ظاهرياً هذه الأدوات من طبيعتها أن تفيض إلى تغيرات توزيعية "كلية"، لا تظل ثابتة بل تتغبر من وقت إلى وقت أخر (حسب الظروف الاقتصادية المعاصرة)، وأنها بالتالي تؤدي الى تغيرات " حدية " في التوزيع، أي تؤدي إلى اثر توزيعي حدي. وأمام هذا الوضع المركب يمكن أن نواجه إذن نوعين من قياس إعادة التوزيع على المجتمع.
أولهما؛ قياس الآثار التوزيعية الكلية للأدوات المالية من إعادة توزيع الدخل القومي، وهو ما يستلزم لقياس أثره التوزيعي ، مقارنة التوزيع ونقصد هنا ما تؤدي إليه وجود الأدوات المالية النهائي بالوضع المالي المحايد ( الذي لا تمارس فيه الأدوات المالية إعادة التوزيع أي لا تدخل اي تعديلات تذكر على التوزيع الأول).
وهو المعنى الذي ينصرف في مصر إلى أن من يحصل على منافع النفقات العامة من أفراد وفئات، هم من يتحملون العبء العام ( الضرائب).
ثانيهما؛ قياس الآثار التوزيعية الجديد ، ونقصد هنا ما تؤدي إليه وجود هذه الأدوات المالية من إعادة توزيع حقيقي للدخل القومي.
حيث ينصرف القياس هنا إلى المقارنة بين وضعين ماليين تمارس فيها الأدوات المالية أثارها الحقيقية في إعادة التوزيع بعد مدة معينة قبل وبعد حدوث هذا التغيير (وهو ما ينقضهما في مصر حتى الآن).
ومما سبق تتضح لنا أن المقصود بالتوزيع الأول يختلف تبعاً لما إذا كان قياس الآثار التوزيعية "الحدية" فالفرق واضح فقياس أثار التوزيعات الكلية في ظل الوضع المالي المحايد في مصر، لا تمارس فيها الأدوات المالية دوراً في إعادة التوزيع، أي تتساوى فيها منافع النفقات العامة ( الخدمات)
والأعباء العامة (الضرائب) بالنسبة للفرد أو الفئة.
أما قياس أثار التوزيعات الجديد، تنصرف إلى وضع مالي تمارس فيه الأدوات المالية دوراً فعالاً في إعادة التوزيع وهو ما تفتقده مصر الآن وهذا يرجع إلى صعوبة الفروض المتطلبة لمقارنة قياس الآثار التوزيعية الكلية عن تلك المتطلبة لقياس الآثار التوزيعية الجديد وذلك لأن هذين النوعين من القياس (الكلي والحدي) يواجهان موضوعين مختلفين بحيث لا يمكن لأحدهما أن يغني عن الأخر، لأن أثر التوزيع الكلي، يقيس إعادة التوزيع في مجموعهما على المجتمع (وهذا معيار ظالم) يعرف
"بالفكر النفعي" أما اثر التوزيع الحدي فيذهب إلى قياس الآثار المترتبة على تغيير معين في النظام المالي بأدواته (وهذا معيار عادل) ويعرف " بالفكر التعويضي " للفرد والفئة.
وعلى الرغم من أن هذين النوعين من القياس لا يمكن لأحدهما
أن يغني عن الأخر ، كما ذكرت ، إلا أن هناك صعوبة في القياس (ولكن الأمر ليس بمستحيل) وذلك لصعوبة قياس الآثار التوزيعية الكلية على كافة أفراد وفئات المجتمع، ولأهمية التغييرات الحديثة، والتي تهم الفرد أو الفئة المستهدفة في الفترة القصيرة.
وذلك لان ما يهم الفرد والمجتمع فى الحقيقة هو ما يحدث من التغييرات التي تحدث من السياسة المالية وتمسي حياته اليومية ومستوى معيشته وأدواتها أكثر من تفكيره في وجود هذه الأدوات في حد ذاتها .
لأن المواطن غير متخصص ولا يعنيه أنواع وأشكال الأدوات المالية في ظاهرها ، بل يعنيه في المقام الأول مضمون هذه السياسات والأدوات في إعادة توزيع الدخل القومي بشكل عادل محقق لحياة كريمة لكل أفراد المجتمع.
فاستحداث أدوات مالية أو تغييرها أمر فني لا يشغل المواطن كثيراً ، بل الأثر النهائي لكل السياسات العامة هو مضمون حياتنا اليومية ، التي يجب أن ترقى برقي هذه السياسات من أجل مجتمع أفضل.