الطريق
الجمعة 13 يونيو 2025 06:33 صـ 17 ذو الحجة 1446 هـ
جريدة الطريق
رئيس التحريرمحمد رجب
رئيس التحريرمحمد رجب
رسالة سلام من الباليه الوطنى الروسى للعالم علي المسرح الكبير بالأوبرا مسؤول أوكراني لـ”إكسترا نيوز”: روسيا سجلت مليون خسارة بشرية.. وتريد مواصلة الحرب ”أفشلت عملية التهجير”.. أونروا” تشيد بمصر: لو فتحت الحدود لما كانت هناك قضية فلسطينية وزارة الصحة اللبنانية: شهيد إثر غارة إسرائيلية استهدفت دراجة نارية في النبطية الفوقا جنوبي البلاد تعرف علي مشوار منتخب مصر للسيدات لكرة السلة فى بطولة “باكو 2025” المقامة في النمسا فيديو| إعلامي تونسي: لا نقبل بتشويه دور مصر التاريخي في دعم القضية الفلسطينية إسرائيل تحدد الأهداف ومواقع المنشآت النووية الإيرانية ومن ضمنها أهداف تحت الأرض نادي الزمالك يفتتح فرعين جديدين للأكاديمية فى محافظة الشرقية جهاز تنمية التجارة الداخلية: 42% من طلبات السجل التجاري تُقدم عبر منصة ”مصر الرقمية” في إطار خطة الدولة للتحول الرقمي المشرف على المجلس القومي لذوي الإعاقة تستعرض في نيويورك تجربة مصر في تمكين الأشخاص ذوي الإعاقة من خلال التمويل المبتكر وزير الشباب والرياضة ومحافظ دمياط يتفقدان الطرح الاستثماري ومشروع الموهبة والبطل الأوليمبي بمركز شباب فارسكور ترامب: يوجد احتمال نشوب صراع كبير وقد يحدث شيء قريباً

قصة أطول ليلة في تاريخ قصر عابدين

 حين دعت بريطانيا الملك فاروق لتشكيل حكومة «النحاس باشا» بالقوة الجبرية

بريطانيا تحاصر القصر بالدبابات و600 فرد مدرب.. والمدرعات تغلق الطرق المؤدية إليه

المتظاهرون يحطمون واجهات المحال ويضربون الأهالي المتعاطفين مع الحلفاء

«بي بي سي» والصحف المصرية: تغيير الحكومة تم من خلال موافقة إجماعية من جانب الملك والبرلمان

الحياة فى القاهرة هذه الأيام تنذر باحتمالات كثيرة، جميعها ليست في صالحها.

مصر تدار من الكواليس عبر الاحتلال البريطانى، وقوات ألمانيا النازية بقيادة روميل اجتاحت منطقة العلمين وتمركزت فيها، والشعب المصرى لا يكاد يرى من جبل الثلج إلا قمته فقط!.

الأجواء مشحونة حقًا، وآلة الحرب العالمية الثانية دخلت عامها الثالث لتسحق أى تحرك دبلوماسى، واللغة المشتركة بين دول المحور والحلفاء هى الحرب ولا شىء غيرها

فى مساء 4 فبراير عام 1942، زحفت عشرات الدبابات والمجنزرات الإنجليزية فى طريقها إلى قصر عابدين وحاصرته، للضغط على الملك فاروق وإلزامه بتشكيل حكومة برئاسة مصطفى باشا النحاس، أو إسقاط الملك بجرة قلم وإجباره على تنحيه عن الحكم.

قبل هذا التاريخ بعام واحد، شهدت البلاد أزمة حادة فى السلع التموينية، وكان الناس يهجمون على المخابز للحصول على الخبز، ويتخطفونه من حامليه، وأوشكت الأزمة أن تصل حد المجاعة، وبعد حادث حصار القصر بعشر سنوات، سيتحتم على الملك فاروق أن يستجيب لضغط الجيش المصرى بقيادة الضباط الأحرار بأن يغادر البلاد، بعدما تبين أن الضابط الوحيد الذى قدم استقالته فى حادث محاصرة القصر هو نفسه الذى يقود الانقلاب ويدعى محمد نجيب.

إذًا، نحن أمام حادث كبير، وليس مجرد ذكرى عابرة للاعتبار والتدبر، ستقوم عليها «مصر أخرى» غير التى عرفها الشعب المصرى، ولذا سأسعى لاستعادتها عبر مذكرات السير مايلز لامبسون، السفير البريطانى فى القاهرة وقتها ومهندس جميع الأحداث التى جرت فى حادث اقتحام القصر وما قبله وبعده، ودراسة الكاتبة البريطانية المخضرمة أرتيميس كوبر، التى وضعتها تحت عنوان «القاهرة فى الحرب العالمية الثانية».

 

قبل الحصار

تأزم الصراع فى مصر، فما بين عدو يلاحق الإنجليز فى مستعمراتهم، وشعب يتوق للخلاص من احتلالهم، وملك يرى فيهم عقبة تحول دون بسط نفوذه وسلطانه، كان يتعين على إحدى القوى المتصارعة أن يضغط أكثر للوصول إلى نتيجة ترجح كفته.

كان الملك فاروق لايزال يتمتع بشعبية نسبية آنذاك، ما جعل قرار عزله عن العرش مغامرة غير مأمونة العواقب بالنسبة للإنجليز، ومن ثم كانت تدخلاتهم تتم على استحياء لإقصاء على ماهر، رئيس الوزراء، ورجاله من الحكومة والديوان، فضلًا عن مطالبتهم برحيل الإيطاليين من الحاشية الملكية، ما أشعل غضب فاروق عليهم لتدخلاتهم السافرة.

فى هذا السياق، بدأ سير «مايلز لامبسون»، السفير البريطانى لدى القاهرة ومن قبل المفوض السامى البريطانى لمصر والسودان، حملته ضد الملك فاروق وعلى ماهر، بأن طلب طرد الإيطاليين من السراى ومعهم عبدالوهاب طلعت الذى كان يعمل فى الديوان الملكى، وكان بمثابة العميل الأكبر لعلى ماهر. هذه الخطوة قصدت توجيه ضربتها إلى قلب مركز القوة الذى يستند إليه على ماهر فى مصر.

وبدعم غير معلن من جانب الملك فاروق، اتصل على ماهر بالشيخ المراغى، شيخ الجامع الأزهر، فى نهاية يناير 1942 لحشد «المتطرفين الوطنيين» فى اتحاد الطلبة وزيادة الاضطراب العام إلى حافة الخطر، وكان الغرض من ذلك تحقيق هدف مزدوج: إسقاط الحكومة وزيادة السخط إلى درجة محمومة تصل بالعناصر المتطرفة المعادية لبريطانيا فى حزب الوفد إلى درجة الغليان. حينئذ لن يكون بوسع قيادة الوفد أن تمارس السيطرة على أتباعها، وبالتالى تخسر ثقة البريطانيين الذين سيضطرون للاتجاه نحو السراى لتشكيل حكومة يمكنها استعادة الأمن والنظام.

فوق هذا كله، فالتقدم الألمانى كان يسبب درجة من الذعر الشديد، وقد ذكر راديو المحور أن الاستيلاء على بنغازى يوم 28 يناير أدى لسقوط عدد كبير من الدبابات البريطانية فى أيدى روميل، وساد الشعور بأن البريطانيين سيعجزون عن الاحتفاظ بمصر تمامًا كما كان شأنهم بالنسبة لليونان.

وفى الزقازيق، قام الطلبة المتظاهرون بتحطيم واجهات المحال وضربوا الأهالى المعروف أنهم قاموا بتوزيع دعايات الحلفاء، وفى 1 فبراير انطلق طلاب الأزهر إلى الشوارع وقد تجدد هياجهم بتشجيع من على ماهر والشيخ المراغى، وعندما اكتشف حسين سرى من الذى يقف خلف هذه المظاهرات، أدرك أن الملك قد تخلى عن تأييده وأنه ليس أمام حكومته أمل فى استعادة السيطرة، ومن ثم قدم استقالته يوم 2 فبراير، بينما كان الطلاب فى مصر يهتفون «نحن جنودك يا روميل»، «يحيا فاروق».

هكذا نجح على ماهر فى الإطاحة بحسين سرى، لكنه لم يستطع حمل الوفد على المشاركة فى الاضطرابات والمظاهرات.

أراد الإنجليز تأمين وجودهم فى مصر عن طريق حكومة تحظى برضا الشعب، وتعمل على الوفاء بالالتزامات التى قطعتها مصر فى معاهدة 1936، وما من وزارة تؤمن لهم ذلك سوى وزارة الوفد بزعامة مصطفى باشا النحاس، لكنهم لم يطالبوا بذلك صراحة، بل اكتفوا بضرورة تشكيل حكومة ائتلافية يتزعمها الوفد، وهم يعلمون برفض النحاس القاطع لهذا المطلب، فالوزارات الائتلافية محكوم عليها بالفشل منذ خلافات سعد زغلول وعدلى يكن فى العشرينيات.

دعا الملك فاروق القوى والأحزاب السياسية للتشاور من أجل تشكيل الحكومة فتوافقوا على زعامة الوفد للحكومة الائتلافية، فيما رفض النحاس وأصر على أن تكون الحكومة الجديدة وفدية خالصة.


4 فبراير الأسود

في صباح هذا اليوم الأسود، اجتمعت لجنة الدفاع البريطانية، ووضع لامبسون مسودة إنذار موجه إلى الملك فاروق يقول: «إذا لم أعلم قبل الساعة السادسة مساء هذا اليوم أن النحاس باشا قد دعى لتأليف وزارة، فإن الملك فاروق يجب أن يتحمل تبعة ما يحدث».

في الساعة السادسة والربع مساء، أى بعد ربع ساعة من انتهاء أجل الإنذار، وصل أحمد حسنين، رئيس الديوان الملكى، إلى السفارة البريطانية ومعه ورقة كتبها 17 من أبرز الزعماء المصريين بمن فيهم النحاس باشا، الذين كانوا قد استدعوا إلى السراى لإسداء النصح للملك، جاء فيها أن «الإنذار البريطانى يشكل تعديًا على استقلال مصر وتدخلًا فى شؤونها الداخلية وانتهاكًا لأحكام المعاهدة الإنجليزية المصرية، وعليه فمما يتجاوز سلطات الملك قبول الشروط التى تمس استقلال البلاد».

هنا نأتى لمربط الفرس، فكيف تدفع بريطانيا بالنحاس باشا لرئاسة الوزراء رغمًا عن الجميع، ويوقع النحاس باشا بخط يده عريضة ترفض انصياعه شخصيًا لهذا الابتزاز؟.

الإجابة لدى السير لامبسون نفسه، حين سأل أمين عثمان باشا، الذى كان بمثابة واسطة بينه وبين النحاس، ما إذا كان النحاس سيتولى الحكومة فى حالة إجبار الملك على التنازل عن العرش أو عزله، فأقسم أمين بكل الأيمان المغلظة بأن النحاس سوف يقبل. وبدا هذا مؤشرًا على أن زعيم الوفد كان على بينة من أن البريطانيين ينتوون ارتكاب انتهاك أفدح بكثير للسيادة المصرية متمثلًا فى عزل الملك فاروق نفسه.

غلق الطرق

كان بصحبة مايلز لامبسون حين وصل إلى قصر عابدين الجنرال ستون واثنان من الضباط المساعدين، وقد تبعت سيارة السفير فصيلة من مدرسة تدريب الضباط، بينما رابط حول ميدان عابدين كتيبة من القوات البريطانية قوامها نحو 600 فرد، بينما اتجهت عدة عربات مدرعة من منطقة مصر الجديدة فعبرت المدينة من شارع عماد الدين لكى تغلق جميع الطرق المؤدية إلى القصر.

وفى الوقت الذى ظهرت فيه سيارة السفير كان الحرس الملكى قد أغلق بوابات القصر، فتقدم ضابط بريطانى وأطلق الرصاص على الأقفال من مسدسه، ودخلت السيارة الأولى إلى ساحة القصر، وكانت سيارة الضابط الذى يقود الفصيلة، إلا أن سائقه أخطأ فى الدوران فحطم البوابة.

دخلت سيارة السفير إلى المدخل الرئيسى، وكتب السير مايلز فى مذكراته أن السعاة والتشريفاتية كانوا يبدون وكأنهم دجاجات مذعورة، ثم صعد سلالم القصر ومعه الجنرال ستون، وبعد دقائق قليلة استقبله الملك فى غرفة المكتب، وكان حسنين باشا يقف خلف كرسى الملك مباشرة.

تلا السفير بيانًا اتهم فيه الملك بمساعدة العدو، وانتهاك التزامات مصر تجاه بريطانيا العظمى، وبأنه اتبع مسلكًا ينقصه الإخلاص ويسوده الاستهتار والرعونة، وأنهى سير مايلز قراءته بقوله إنه لم يعد مناسبًا للجلوس على العرش، ثم سلمه صك التنازل عن العرش فقرأه فاروق فى صمت مطبق وقد بدا مرتجفًا، طبقًا لرواية مايلز نفسه.

قيل إن الملك فاروق كان على وشك التوقيع عليها، عندما مال عليه حسنين يهمس فى أذنه باللغة العربية، فتردد الملك وطلب من مايلز منحه فرصة أخرى، ثم قال إنه على استعداد لاستدعاء النحاس وتكليفه برئاسة الوزارة.

هذه هى الرواية البريطانية لتلك الليلة الكابوسية، وأراها أقرب للحقيقة، بينما روى الملك فاروق رواية أراها أقرب لأحلام اليقظة بلا مبالغة!.

قال فاروق إنه عامل مايلز طوال هذه الليلة باحترام يشوبه الجمود والجفاء، وإنه حشا مسدسه الشخصى زاعمًا أنه كان على استعداد لاستخدامه، وأن حرسه كانوا يختبئون من خلف ستار ولديهم أوامر بالقتل إذا ما لمسه أحد.

حفلة في السفارة

شهدت ليلة 4 فبراير حفلًا صاخبًا فى أرجاء السفارة البريطانية، عقب هذا الحادث المؤسف، أقامه الكسندر كيرك، الوزير الأمريكى المفوض.

تصف سيدة المجتمع ديانا، زوجة دف كوبر وزير الدولة فى بريطانيا ما دار فى تلك الليلة وصفًا دقيقًا فتقول: «وجدت بهو السفارة البريطانية وكأنه برج بابل حافلًا بجماعات مضطربة من البشر، فضلًا عن كثرة من الضباط المساعدين والسكرتارية العسكرية.. خرج صاحب السعادة (السفير البريطانى) من عرينه يرتدى بدلة فراك رمادية وقد شبك ذراعه فى ذراع النحاس باشا، وعلى وجهيهما ابتسامة عريضة».

كان النحاس باشا قد تلقى تكليفًا من الملك فاروق بتشكيل الوزراء، وتوجه بسرعة إلى السفارة بناء على أوامر من فاروق.

وتمضى ديانا فى شهادتها قائلة: «وجدنا معظم اللاعبين الرئيسيين فى بهو السفارة يناقشون ما حدث فى ذلك المساء، تمامًا شأن الذين يناقشون الليلة الأولى من عرض إحدى المسرحيات، حيث لا سبيل للتأكد ما إذا كانت المسرحية ناجحة أم فاشلة».

وفى نهاية تلك الليلة الطويلة المشحونة، أفادت هيئة الإذاعة البريطانية بأن تغيير الحكومة فى مصر تم من خلال موافقة إجماعية من جانب الملك والبرلمان، وأجبرت الرقابة المفروضة على الصحف المصرية على ذكر نفس صياغة الخبر.

أما الصاغ محمد نجيب، أول رئيس لمصر فيما بعد، فقد كتب مذكرة إلى الملك فاروق يقول فيها: «بما أن الجيش لم تتح له فرصة الدفاع عن جلالتكم، فإننى بت أخجل من أن أرتدى بدلتى العسكرية، وبهذا أطلب منكم الإذن بالاستقالة من الجيش المصرى».