شحاتة زكريا يكتب: مصر في مرمى الأكاذيب.. صمود ضد التهجير وابتزاز الحرب

في خضم واحدة من أكثر الحروب تعقيدا ودموية في العصر الحديث تقف مصر على خط النار السياسي والإنساني ثابتة في مواقفها صلبة في قراراتها رافضة لأي سيناريو يُفضي إلى تهجير الفلسطينيين أو تفريغ غزة من سكانها. موقف ليس جديدا ولا طارئا بل امتداد لتاريخ طويل من الانحياز لحقوق الشعوب ورفض منطق القوة والإخضاع.
منذ اندلاع الحرب الأخيرة في غزة دخلت مصر في معركة موازية ليست عسكرية لكنها لا تقل شراسة معركة ضد المعلومات المضللة وحملات التشويه وسيل من الأكاذيب التي تتدفق من منصات الاحتلال الإسرائيلي وبعض الدوائر الإعلامية الإقليمية والدولية في محاولة يائسة للضغط على الموقف المصري أو إلصاق تهم لا أساس لها من الصحة.
المفارقة أن كل هذه الحملات جاءت لأن مصر التزمت بمبادئها: لا للتهجير، لا للحصار، لا لاستخدام المدنيين وقودا لحسابات سياسية. وعندما سُدت المعابر وأغلقت أبواب الحياة أمام أهل غزة لم تكن مصر هي من منع الغذاء أو الدواء بل الاحتلال الذي أراد فرض سياسة التجويع والإبادة على أكثر من مليون إنسان.
ومع كل ادعاء أو اتهام كانت القاهرة ترد بالوقائع بالأدلة بالصوت والصورة. وأمام محكمة العدل الدولية لم تتردد مصر في فضح ممارسات الاحتلال وكشف الحقيقة كما هي بلا تزييف أو مواربة. وبينما لجأ نتنياهو إلى الأكاذيب والتسريبات لخلط الأوراق التزمت مصر بسياستها القائمة على الشفافية ونقل ما يُطرح من أطراف التفاوض دون تدخل أو تزوير.
ولعل أخطر ما يواجه الموقف المصري ليس فقط حملات الاحتلال بل بعض الأبواق الإقليمية التي تمارس دورا مشبوها في ترويج سرديات الاحتلال ، وكأنها تسعى لشيطنة أي طرف يطالب بوقف العدوان أو دعم الفلسطينيين للبقاء على أرضهم. وتلك المزايدات التي تتستر خلف شعارات المقاومة تخدم في جوهرها هدفا واحدا: تبرئة الجلاد واتهام من يحاول منع الجريمة.
وفوق هذا المشهد المعقد تواصل القيادة المصرية تحركاتها على أكثر من محور. جولات الرئيس السيسي في الخليج خاصة إلى قطر والكويت لم تكن فقط لتنسيق المواقف بل لتأكيد أن الموقف العربي الرافض للتهجير والتطهير العرقي ما زال صامدا رغم محاولات الترويج لغير ذلك. كما أن المبادرة العربية لإعمار غزة وإعادة بنائها تمثل رؤية متكاملة تُفند مزاعم الاحتلال بأنها لا تجد شركاء للسلام أو للبناء.
وفى ظل هذا الصراع السياسي والدعائي تبقى مصر هدفا لمحاولات الضغط والتشويش لأن رفضها للابتزاز ورفضها لأي حلول على حساب الشعب الفلسطيني يضعها في مرمى نيران متعددة. لكن ما لا يدركه خصومها أن هذا الثبات لم يكن يومًا خيارًا بل واجبًا تمليه الجغرافيا والتاريخ وضمير الأمة.
ربما تراهن حكومة الاحتلال على الوقت أو على انكسار الإرادة الدولية وربما تراهن على صمت العالم أمام جرائم إبادة موثقة ومعلنة. لكن ما لا تستطيع أن تراهن عليه هو أن تتنازل مصر عن دورها أو تتخلى عن التزامها الأخلاقي والسياسي تجاه القضية الفلسطينية ، كما لم تفعل في أسوأ الظروف وأصعب المراحل.
الحرب لا تزال مشتعلة والأكاذيب لا تتوقف لكن الحقيقة أن مصر في موقفها تمثل اليوم صوت العقل العربي ، والحصن الأخير الذي يحول بين غزة وبين مشروعات التصفية، والفراغ السكاني، والتهجير القسري.