الطريق
الخميس 25 أبريل 2024 10:27 صـ 16 شوال 1445 هـ
جريدة الطريق
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب

اقتصاد اليابان أكثر الاقتصادات استقرارا رغم الديون المقدرة بـ”تريليونات الدولارات”.. تعرف على الأسباب

مدينة طوكيو
مدينة طوكيو

نظمت جامعة شيكاغو الأمريكية منذ 7 سنوات في مارس 2013 محاضرة حول مستقبل اقتصاد اليابان، بحضور المستثمر الأمريكي Kyle Bass وهو واحد من أشهر مديري صناديق التحوط في العالم، وبعد مرور نصف ساعة من المحاضرة سأل طالب المستثمر الأمريكي Kyle Bass سؤال وهو ما هو أول قرار تتخذه إذا أصبحت وزير مالية اليابان؟، وكان الرد مفاجئ للجميع أن أول قرار سيكون استقالته، وذلك بسبب أن اليابان غيرت 10 وزراء مالية في غضون 5 سنوات، أحدهم انتحر والثاني دخل المستشفي بسبب الضغوط التي تعرض لها أثناء تجهيز ميزانية 2011.

تريليونات الدولارات ديون على اليابان

تفاجأ الجميع بإجابته، لأن اليابان كانت في ذلك الوقت ثاني أعلى اقتصاد على مستوى العالم، قبل توغل الصين في الاقتصاد العالمي، ولكن في الواقع أن اقتصاد اليابان من أغرب اقتصادات العالم، والذي حير الخبراء الاقتصاديين كثيرا، فإذا أردت تقييم الاقتصاد الياباني بالأرقام والاحصائيات المعهود بها في تقييم أي اقتصاد ستجد أن اقتصاد اليابان على حافة الهاوية، لكن إذا نظرت إلى أدائه على أرض الواقع سوف تجد أنه من أكثر اقتصادات العالم استقرارا، رغم الديون الغير مسبوقة والتي تقدر بتريليونات الدولارات.

تعد الديون اليابانية واحدة من أغرب الوقائع التي يمكن أن تراها في أي دولة، حتى أن وباء كورونا لم يكن بنفس التأثير على اليابان مقارنة بدول العالم.

سر تهافت المستثمرين على شراء سندات الأسهم اليابانية

تتجه معظم الدول عندما تواجه أزمة اقتصادية إلى القروض عن طريق السندات، وهذه الطريقة تعتبر مضمونة لسحب القروض لذلك يتهافت عليها المستثمرين خاصة وأنها لها فوائد تعود عليهم بربح، ولكن مع اليابان فالأمر مختلف عن أي دولة، فأغلب الدول عندما تعرض السندات تدفع فوائد للمستثمرين، ولكن اليابان تأخذ من المستثمرين فائدة على السندات، النظام الاقتصادي الذي حير العالم، ورغم أن المسثمرين لا يحصلون على فائدة إلا أن أغلب المستثمرين تتهافت على ضخ أموال في السوق الياباني، فما السر وراء ذلك؟.

وصلت ديون اليابان إلى 10 تريليون دولار، وهو رقم غير مسبوق في التاريخ، ولكن عادة ما يقيس الخبراء الاقتصاديين الديون بإجمالي الناتج المحلي، والديون في اليابان أكثر من الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 237% وهي نسبة مرعبة وهي الأكبر في العالم كله، حتى أمريكا الاقتصاد الأول في العالم لم تتخطى النسبة 106%، فكيف لايزال الاقتصاد الياباني مستقرا وجاذبا للمستثمرين؟.

ديون اليابان أحد الخيارات الجاذبة للمستثمرين

المفارقة العجيبة أن ديون اليابان تعتبر واحدة من أكثر الخيارات الاستثمارية الجاذبة للمستثمرين في جميع أنحاء العالم، حيث يتسابق المستثمرين عليها وأي طرح للسندات اليابانية يتم تغطيته في لمح البصر، رغم أن اليابان تأخذ دولار واحد على كل ألف دولار عند طرح السندات، إلا أن المستثمرين تتهافت عليها، فكيف يحدث هذا؟.

الأزمات الاقتصادية وراء ديون اليابان الغير مسبوقة

بدأت اليابان بعد الحرب العالمية الثانية إعادة إعمارها بعد التدمير الذي حدث لها جراء الحرب، وكان الاقتصاد الياباني في خلال 30 سنة بعد الحرب من أسرع إقتصادات العالم نموا، حتى أن أغلب التوقعات تضع اليابان على رأس القائمة للاقتصادات الواعدة، ولكن في الثمانينات بدأت الأزمات والمشاكل تواجه اليابان اقتصاديا، منها معاناتها من أسوأ الفقاعات العقارية في التاريخ والتي تسببت في خسائر في سوق الأسهم تصل إلى تريليون دولار، وكانت البنوك تقرض المستثمرين بدون أي ضوابط، مما جعل سوق العقارات يخرج عن السيطرة وقامت الحكومة اليابانية بضخ أموال ضخمة لإنعاش الاقتصاد مما زاد مديونية اليابان، وتبعت هذه الأزمة في سنة 1997 الأزمة المالية الآسيوية، التي أثرت على الاقتصاد الياباني واضطرت الحكومة كعادتها أن تضخ أموال لإنعاش السوق، حتى أصبح الدين أكبر من الناتج المحلي الإجمالي في اليابان في عام 1997، حتى وصل إلى 230% في عام 2011، ثم وصل في 2020 إلى 237%.

البنك المركزي الياباني أكبر مالك للديون اليابانية

وهنا يكمن السؤال كيف تقترض اليابان ولا تدفع فائدة بل تحصل على فائدة من المستثمرين؟، في البداية يجب أن نعرف مَن هو أكبر مقرض لليابان!!، في الواقع أن 90% من الديون اليابانية يملكها اليابانيين أنفسهم، حيث أن بنك اليابان أو البنك المركزي الياباني يمتلك 46 % من سندات الحكومة اليابانية وبالتالي فهي غير مضطرة للدفع لأن هذا البنك حكومي، وباقي الديون تملكها بنوك خاصة وصناديق معاشات تقاعدية وشركات تأمين وكل هذه الجهات يابانية وتستثمر أموال المواطنين المودعة لديهم في السندات الحكومية اليابانية، والمستثمرين الأجانب لا يمتلكون من الديون اليابانية سوى 6.4% منها، على عكس الديون الامريكية على سبيل المثال التي يملك فيها المستثمرين الأجانب أكثر من ثلث الدين الأمريكي، وأغلب المستثمرين الأجانب الذين يملكون نسبة من الديون اليابانية هي عبارة عن صناديق تحَوٌط وصناديق ثروة سيادية أجنبية، هذه الصناديق عندما تضع خطتها الاستثمارية تحرص على التنويع في الجهات التي تستثمر بها ولا تقتصر على نوع واحد، وهذه الصناديق تتسابق على سوق السندات اليابانية لأنها أكثر السندات الحكومية أمانا في العالم لعدة أسباب أهمها قوة الاقتصاد الياباني، الذي يعتبر ثالث أكبر اقتصاد على مستوى العالم بعد أمريكا والصين، والسبب الثاني هو أن اليابان تبيع سنداتها بالعملة المحلية اليابانية وهي الين الياباني وهي نفس الميزة التي تمتلكها الولايات المتحدة الأمريكية والتي تجعلها تقترض بدون حساب، لأن الدولة عندما تقترض بعملتها المحلية لا يشكل هذا خطرا عليها لأنها في أحلك الظروف ستقوم بطباعة عملات لتسد العجز، خاصة أن في اليابان ليست هناك مخاوف من زيادة التضخم، لأن اليابان ليس بها تضخم بل على العكس فاليابان عانت في السنوات الماضية من الانكماش، وذلك بسبب أسلوب الاستهلاك المتبع في اليابان والمتحكم فيه المواطن الياباني نفسه.

تبرز نقاط قوة الاقتصاد الياباني في أن اليابانيين بعيدين عن الاقتراض من البنوك الأجنبية واستخدام أموالهم في الاستثمار لتستمر عجلة الإنتاج، وتحكم اليابان بتعاملها بعملتها المحلية، إضافة لأن اقتصاد اليابان متنوع وهي من نقاط قوته ومنها صناعة السيارات والالكترونيات والصلب واستثمار عقاري، هذا بالإضافة إلى سلوك المواطن الياباني الاستهلاكي، كل هذه الأسباب والعوامل هي التي تجعل اقتصاد اليابان مستقرا رغم ديونها المرعبة.