الطريق
السبت 27 أبريل 2024 10:33 صـ 18 شوال 1445 هـ
جريدة الطريق
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب

طمس الحقائق.. كيف ساهمت واشنطن في تنصّل إسرائيل من دم شيرين أبو عاقلة؟

مقتل شيرين أبو عاقلة
مقتل شيرين أبو عاقلة

فيما خلُصت كل التحقيقات إلى أن الطلقات التي قتلت شرين أبو عاقلة وجرحت زميلها على السمودي صدرت عن قوات الأمن الإسرائيلية، وليست طلقات عشوائية صادرة عن فلسطينيين مسلحين -كما زعمت سلطات الاحتلال- لا تزال إسرائيل تصر على التنصّل من أي مسؤولية.

وأثبت تحقيق معمق أجرته الأمم المتحدة استندت خلاله إلى تسجيلات موثقة، ضلوع جيش الاحتلال في اغتيال شيرين، وعدم وجود مسلّح فلسطيني بين الصحفيين ومركبات الاحتلال العسكرية، وجميع المسلحين الذين تم توثيقهم خلال الواقعة كانوا في أماكن لم يظهر بينها وبين مجموعة الصحفيّين أي خط إطلاق نار.

مواقف مترددة

وعلى وقع تصاعد حدة الإدانات المحلية والدولية، سارعت إسرائيل إلى التنصّل من أي مسؤولية وزعمها بأن شيرين أبو عاقلة قُتلت جرّاء نيران فلسطينية، وهو ما دحضه جميع التحقيقات التي أجريت حول الحادثة.

وفي هذا الصدد ظهرت مواقف إسرائيلية مترددة ومحاولات للهروب من ورطة اغتيال شيرين، إذ صرحت تل أبيب بأنها تفحص ملابسات الحدث، ثم ادّعت بأن عدم التعاون من قِبَل السلطة الفلسطينية ورفضها تسليم الرصاصة التي قتلت شيرين لإسرائيل يمنعها من إتمام التحقيق، لكن بسبب ضغط أمريكي -باعتبار شيرين مواطنة أمريكية- سلّمت السلطة لاحقًا الرصاصة إلى الأمريكيين بهدف إتاحة إجراء فحص بالستي.

وكان الجيش الإسرائيلي أعلن أنه لم يتضح ما إذا كانت شيرين أبو عاقلة قُتِلت برصاص أحد عناصره، مشددا على وجوب أن يجري تحقيقه الخاص، ورفض الجانب الفلسطيني إجراء تحقيق مشترك مع الجانب الإسرائيلي، إضافة إلى رفضه تسليم الرصاصة إلى الجانب الإسرائيلي.

في المقابل، أعلن النائب العام الفلسطيني، عقب تحقيق أجرته النيابة العامة الفلسطينية، أن الرصاصة التي أودت بشيرين أُطلِقت من سلاح إسرائيلي وهي من عيار 5.56 ملم الذي تستخدمه قوات الاحتلال، أُطلِقت من بندقية من طراز (M4).

وبحسب الخارجية الأمريكية فإن «الفحص الذي جرى تحت إشراف المنسّق الأمني الأمريكي، خلُص إلى أنه لا يمكن التوصّل إلى استنتاج قاطع حول مصدر الرّصاصة بسبب وضعها والضرر الذي لحق بها».

وأوضح المنسّق الأمني الأمريكي أنه من المعقول أن إطلاق النار من النقاط الإسرائيلية هو المسؤول عن موت شيرين، لكنه قال في الوقت ذاته -ودون أن يذكر كيفية وصوله إلى هذا الاستنتاج- إنه لم يجد أي سبب يدعوه إلى أن يصدّق أن قتل شيرين كان متعمدًا.

طمس الحقائق

ووضعت الولايات المتحدة نفسها مجددًا إلى جانب إسرائيل ووفرت غطاء لتنصّل إسرائيل من أي مسؤولية عن مقتل شيرين أبو عاقلة كما ساعدتها على سدّ الطريق على أي مسعًى لمحاسبة المتورّطين ودعمت طمس الحقائق حول القضية.

وقال السفير أحمد الديك مستشار وزير الخارجية الفلسطيني، إنه يبدو أن الاستنتاج الأمريكي ومفاده أن مقتل شيرين كان نتيجة «ظروف مأساوية» مبني على نتائج التحقيق الإسرائيلي ليس إلّا، فبعد أن غيرت إسرائيل روايتها عدة مرات، ادعت في النهاية بأن هناك احتمالا بأن أحد الجنود الإسرائيليين أطلق النار على شيرين أثناء استهدافه أحد المسلحين، إلّا أن المعطيات الموضوعية تتعارض مع الرواية الإسرائيلية حيث أظهر تسجيل فيديو متواصل لإطلاق النار نحو الصحفيين أن الموقع كان هادئًا، وأن إطلاق النيران نحو الصحفيين لم يسبقه إطلاق «صليات متواصلة» من جهتهم.

وأضاف الديك في تصريحات لموقع «الطريق»، أن وصف قتل شيرين أبو عاقلة وجرح زميلها علي سمودي بأنها نتيجة «ظروف مأساوية» منفصل عن الواقع وينقضه تسجيل الفيديو، فإطلاق الرصاص الذي يُسمع في التسجيلين جرى على مرتين (صليتين) وبتصويب نحو هدف محدد: أصابت رصاصة من الصّلية الأولى وقوامها 6 رصاصات، علي سمودي وفرّت بسببها مجموعة الصحفيّين، وأصابت رصاصة من الصّلية الثانية وقوامها 7 رصاصات، شيرين أبو عاقلة وهي تحاول الاحتماء، بعد ذلك أطلقت ثلاث رصاصات أخرى نحو شابّ حاول أن يسحب شيرين.

وأشار إلى أن التصريح الأمريكي ذكر أنه من المعقول أن جنديًّا أطلق النار على شيرين لكن القتل لم يكن «متعمّدًا»، ورغم أن عدم التعمد لا يمنح إعفاء من المسؤولية فإن السؤال الذي ينبغي طرحه هل بُذلت جهود حقيقية للامتناع عن المسّ بالمدنيين أثناء الاقتحام الذي خُطط مسبقًا ونُفذ في وضح النهار وفي الوقت الذي كان فيه الجنود محصنين جيدًا؟ بدلًا من هذا تطبق إسرائيل منذ سنين في الضفة الغربية سياسة إطلاق نار غير قانونية، تبيح إطلاق الرصاص الحي في ملابسات لا تهدد خطر حياة أحد، عندما ينتج عن هذه السياسة مقتل فلسطينيين، تمتنع إسرائيل عن اتخاذ إجراءات ضد المتورطين.

إخفاء الدلائل

وكان قد زعم تحقيق إسرائيلي أعلنت عنه في وقت سابق «أنه يتعذر تحديد مصدر إطلاق النار الذي أدى إلى قتل شيرين أبو عاقلة وأنّ الملابسات المحيطة بهذه المسألة ستبقى مجهولة إلى الأبد».

وأكد أحمد الرويضي مستشار الرئاسة الفلسطينية، أن إسرائيل أخفت في بيانها الاستنتاج الأمريكي القائل بأن النيران صدرت على ما يبدو من النقطة الإسرائيليّة، كذلك لم يتطرق البيان إلى عمليّات تحقيق كان يمكن أن تقوم بها إسرائيل بنفسها إن أرادت، كفحص تسجيلات كاميرات الجنود التي يحملونها على أجسادهم وفحص التلاؤم بين الرّصاصة التي قتلت شيرين والتي تُعطى عادة للجنود الرماة والذخيرة التي كانت في حوزة الجنود في الميدان.

وكشفت الرويضي في تصريحات لموقع «الطريق»، أن مئات التحقيقات الفاشلة التي أجراها جهاز إنفاذ القانون العسكري في الماضي تشهد على أن إسرائيل لا تريد تقصي الحقيقة في هذا الحدث وأحداث أخرى، وادعاءات إسرائيل حول صعوبات التحقيق هي محض تصنّع للبراءة، ولم تكن هنالك شفافيّة في يوم من الأيام، ولن تكون.

وتابع أن منظومة التحقيقات الإسرائيليّة برمتها تعمل من أجل طمس الحقائق وأن كل ما يمكن توقّعه هو أن تستكمل إسرائيل بطرق إضافيّة، بمدى ما تستدعيه حاجتها، إجراءات الطمس التي باشرت بها، لا أكثر ولا أقلّ، والعنف الموجه ضد الفلسطينيين سيستمر دون عائق.

تحليل نوع إطلاق النار

وفي تحليل لنوع إطلاق النار وصوت الطلقات والعلامات التي خلفها الرصاص في موقع مقتل شيرين أبو عاقلة، قال روبرت ماهر، أستاذ الهندسة الكهربائية والكمبيوتر في جامعة ولاية مونتانا والمتخصص في التحليل الصوتي الجنائي، إن عدد علامات الرصاص المتبقي على الشجرة حيث سقطت أبو عاقلة وكانت حنايشة تحتمي، يثبت أن هذه لم تكن طلقة عشوائية، لقد تم استهدافها.

وأضاف ماهر في تصريحات لموقع «الطريق»، أن شيرين قتلت برصاص قناص إسرائيلي على بعد 200 متر منها، موضحا أن إطلاق النار كان من الجانب الإسرائيلي على مجموعتين، وقتلت أبو عاقلة في الوابل الثاني في سلسلة من دوي 7 طلقات.

وأكد أن دوي الطلقة الأول، تبعه بعد حوالي 309 مللي ثانية صوت آخر، وهذا يتوافق مع مسافة ما بين 177 و197 مترا، وهو ما يتوافق تقريبا تماما مع المسافة بين موقع القناص الإسرائيلي وموقع شيرين.

وتابع ماهر، أنه على بعد 200 متر «لا توجد فرصة» أن يؤدي إطلاق النار العشوائي إلى إصابة 3 أو 4 طلقات هذه المساحة الصغيرة، ومن علامات الرصاص على الشجرة، يبدو أن الطلقات، التي ضربت إحداها شيرين، جاءت من أسفل الشارع من اتجاه قوات الجيش الإسرائيلي.

وأشار إلى أن التجمع المحكم نسبيًا للرصاصات يؤكد أن شيرين أبو عاقلة استُهدفت عمدًا بطلقات موجهة وليست نيران عشوائية أو طائشة.

وفي 11 مايو الماضي، استشهدت شيرين أبو عاقلة برصاصة في الرأس أثناء تغطيتها اقتحام جيش الاحتلال لمخيم مدينة جنين شمالي الضفة الغربية.

اقرأ أيضا: فلسطين سلّمت أمريكا الرصاصة التي قتلت شيرين أبو عاقلة