الطريق
الجمعة 19 أبريل 2024 07:57 صـ 10 شوال 1445 هـ
جريدة الطريق
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب

تصيب بالشلل.. لعبة تهدد حياة الطلاب في المدارس المصرية

كسارة الجمجمة ـ صورة أرشيفية
كسارة الجمجمة ـ صورة أرشيفية

"لعبة الموت" أو كسارة الجمجمة كما تسمى في الترجمة الحرفية في اللغة الإنجليزية، وهى أحد التحديات الحديثة التي بدأت فى الانتشار داخل بعض المدارس المصرية بعد انتشارها عالمياً، وهي لمن لا يعرفها لعبة تعتمد على إقناع شخصان لطرف ثالث القيام ببعض القفزات والحركات الهوائية ومن ثم يقوم الطرفان بعرقلة الشخص الثالث ليسقط على رأسه، "لعبة الموت" كما أسماها مرصد الأزهر للفتوى والتي قام بتحريمها نهائياً لإنها تعرض النفس البشرية للإيذاء والذي قد يصل لحد القتل وشارك في التحذير منها أيضاً كلاً من وزارتي التربية والتعليم ووزارة الصحة.

الدوافع النفسية والنتائج

قال الدكتور علي عبدالراضي استشاري التأهيل النفسي أن المشاركة في "لعبة كسارة الجمجمة" أمر بالغ الخطورة وذلك لأنها تعتبر أحد أشكال التنمر الحديثة وهي تنذر بحدوث الكثير من الكوارث ليس فقط الجسدية بل أيضاً النفسية، موضحاً أن هناك الكثير من الدوافع التي تدفع الأطفال والمراهقين للمشاركة في مثل هذه الألعاب أهمها الرغبة فى التقليد ومحاكاة الآخرين والرغبة في المتعة من خلال الاستهزاء، والرغبة في جذب الانتباه وإثبات القوة والتفوق عن أقرانهم وكذلك حباً منهم في السيطرة على الآخرين.

وأشار عبد الراضي إلى أن الشخص الثالث الذي تم الإيقاع به غالباً ما سيعانى من مشاكل نفسية خطيرة تمتد آثارها معه طوال حياته، ويأتي في مقدمتها الشعور بالدونية والقلة وفقدان الشعور بالأمان و فقدان الثقة بالنفس وضعف الشخصية أمام الآخرين، مما يجعله يفضل العزلة والابتعاد عن العلاقات الاجتماعية بسبب إصابته بما يسمى بـ "الرهاب الاجتماعي"، مضيفاً أن هذا الشخص غالباً ما سيصبح "شخصية أرتيابية" أي شكاكة يشك في كل ما حوله ويشعر بأن الجميع يرغب في إيذائه والإيقاع به مما يؤثر كثيراً على علاقاته الاجتماعية أو يصبح شخصية "مضادة للمجتمع" يرغب في الانتقام للنفس من خلال الإيقاع بأشخاص آخرين مما يؤدي إلى انتشار العنف المدرسي بين الطلاب.

و شدد استشاري التأهيل النفسي على أن ليس كل المعروض يستحق أن يقلد ولذلك يجب على الأسرة الاهتمام بكل ما يراه الأطفال والمراهقين وتقليل أوقات تعرضهم للشاشات الإلكترونية والتركيز على التربية الإيجابية وتنمية المهارات الذاتية والمواهب وقضاء وقت الفراغ في أشياء مفيدة، وكذلك توقيع الجزاء والعقاب المناسب سواء داخل المنازل أو المدارس لأي أطفال يثبت مشاركتهم في ممارسة مثل هذه الألعاب المميتة أو أي سلوك عنيف.

مخاطر متعددة

وعن المخاطر الجسدية المحتمل ظهورها من جراء القيام بلعبة كسارة الجمجمة حدثتنا الدكتورة بسنت عبدالله أخصائي طب الأطفال قائلة " أن لعبة Skill Breaker من الألعاب الخطيرة جداً لأنها تؤدي إلى حدوث العديد من الإصابات العضوية المرتبطة بسقوط الشخص واصطدام رأسه وظهره بالأرض، ومنها زيادة احتمالات التعرض لارتجاج المخ والذي قد يؤثر على قوة الرؤية وكذلك على الحركة مسببة الإصابة بالشلل النصفي، أو حدوث نزيف في المخ الذي قد يعرض الشخص للوفاة، موضحة أن إصابات الرأس قد تؤدي أيضاً إلى حدوث ضمور بالمخ نتيجة تضرر بعض الخلايا العصبية مما يؤثر على قدرة الطفل على التذكر والحفظ والفهم وحدوث تشنجات عصبية.

وأضافت عبدالله من المخاطر الجسدية أيضاً حدوث كسر بالحوض وما ينتج عنه من آلام شديدة تؤثر على قدرة الشخص على الحركة والتحكم في عمليات الإخراج الطبيعية، وكذلك حدوث كسر بالفقرات العنقية نتيجة سقوط الشخص على رأسه وتضرر منطقة العنق، و أيضاً كسر أو شرخ بالعمود الفقري الذي يؤثر على النخاع الشوكي ويزيد من احتمالات التعرض للشلل الرباعي، مؤكدة على أن أغلب هذه الآثار قد تستمر مع الشخص المصاب طوال حياته.

سلوك إجرامي محرم

ومن جانبه أكد الأستاذ الدكتور أحمد محمود كريمة أستاذ الفقه المقارن والشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، على حرمانية المشاركة في لعبة "كسارة الجمجمة" أو غيرها من الألعاب المشابهة والتي قد تتسبب في أي إيذاء بدني أو نفسي لأحد الأشخاص المشاركين فيها، معللاً ذلك بقوله تعالي "وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ" وقوله تعالى "وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا"، معتبراً إيها سلوك إجرامي وعدواني مخالف لما أوصت به الشريعة الإسلامية.

وأشار كريمة إلى أن المشاركة في لعبة كسارة الجمجمة حرام شرعاً ، وذلك بالاعتماد أيضاً على القاعدة الفقهية التي تنص على "ما أدي إلى الحرم فهو حرام" و كذلك "للوسائل حكم المقاصد" مفسراً ذلك بأن المقصد أو النية إذا كان سيئاً فإن الوسيلة تكون ممنوعة وبالتالي فإن المشاركة في أي لعبة أو حتى رياضة بدنية قد تسبب إيذاء الإنسان سواء بالجرح أو الإتلاف أو الموت كان هذا الفعل مُحرماً مُجرماً.

وأوضح أستاذ الفقه المقارن أن من مقاصد الشريعة الإسلامية الحفاظ على النفس الآدمية وتجنب ما يؤدي إلى إتلافها، ولذلك فإن هذه اللعبة وما ماثلها وبسبب الأضرار الناتجة عنها وتداعيتها المدمرة والمؤذية محرمة وينبغي الإقلاع النهائي عن مباشرتها.

سوء التربية

وفي السياق ذاته أشارت الأستاذ الدكتور سامية خضر أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس، إلى أن سوء التربية و غياب الوعي نتيجة إهمال الأباء لآبنائهم هو أهم الأسباب التي أدت إلى سوء آخلاق الكثير من الأطفال والمراهقين مؤخراً، ما نتج عنه ظهور الكثير من الممارسات العنيفة ككثرة الاشتباك بين بعضهم البعض أو تقليد أفعال وألعاب مميتة لا تتناسب مع المبادئ والقيم كلعبة كسارة الجمجمة والتي أعتبرتها أيضاً أحد أشكال التنمر والعنف الجسدي، مؤكدة أن المجتمع يعانى حالياً من مشكلة خطيرة وهي ترك بناء وتأسيس الإنسان لصالح بناء المؤسسات والتي ستنهار بدون الإنسان السوي.

وأضافت خضر أن وسائل الإعلام الآن تعاني من حالة تردي كبير في الذوق ما أدي إلى غياب دورها فى النصح والإرشاد والتوجيه، وفي المقابل أن التركيز على الأعمال العنيفة وأدوار البلطجية والمجرمين أدى إلى ظهور فئة من الشباب البلطجي الذي يرى أن القوة والعنف أهم من أي شيء، وهي سبب رئيسي لانتشار العنف في المجتمع وكثرة الجرائم المختلفة كالقتل والتحرش والسرقة وغيرها، وكذلك إلى إنعدام الاخلاق وغياب الوعي خاصة لدى الشباب والمراهقين الذين تزيد لديهم الرغبة في تقليد ومحاكاة أي تقليعة أو شيء جديد.

وعن الحل من وجهة نظرها أكدت خضر على ضرورة اهتمام الأسرة بمراقبة الآبناء وتربيتهم تربية جيدة وتوعيتهم بالقيم والأخلاق وبحرمانية إيذاء النفس البشرية أو التنمر عليها قولاً وفعلاً، ليس هذا فقط بل ضرورة استخدام أسلوب الثواب والعقاب أي أنه يتم مكافأة الأبناء الجيدين ومعاقبة المخطئين بتقليل امتيازاتهم أو حرمانهم من ممارسة أحب الأشياء إليهم لبعض الوقت، فضلاً عن تعديل سلوكهم وتوجيهم للصواب بشكل مستمر، مشددة على دور المدرسة والمسجد والكنيسة فى توعية الأطفال وكذلك تفعيل دور سائل الإعلام الغائبة -كما جاء على حد وصفها- والاهتمام بجودة ما يقدم فيها لإعادة بناء عمود الأخلاق والقيم والأسلوب الحسن فى المعاملة ونبذ السلوكيات العنيف والعدوانية وتوضيح مخاطرها على الفرد والمجتمع.